أصغر صانع هورنات في بغداد

المنصة- فاطمة كريم

في سوق السنك المختص ببيع قطع السيارات في بغداد أمضى عبد الله ذو الخمسة عشر عاماً معظم أيام طفولته في ورشة والده لصنع أبواق السيارت ليصبح بعدها أصغر صانع “هورنات” في البلاد. 

بدأ الأمر عندما اصطحب الأب ولده “عبدالله علي محمد” المعروف بعبدالله الكناني إلى محله الصغير في السوق عندما كان في السابعة من عمره. 

شيئاً فشيئاً تعرف الطفل الفضوليّ ذو الوجه البشوش على تفاصيل المهنة، وأصبحت له زاوية مخصصة يجلس فيها خلال أيام العطلة المدرسية، أمامه لوح خشبي مملوء بالدهان يعرض علية بضاعته من الأبواق أو “الهورنات” ذات الرنات المخلتلفة، وإلى جانبها أدوات يستخدمها في إصلاح القطع المعطلة منها.

الداخل إلى السوق قد تزعجه أصوات أبواق السيارات بيد الباعة، لكنها لا تزعج عبدالله على الإطلاق، بل إنها المفضلة لديه، فهي الأصوات التي رافقته بشكل يومي على مدار السنوات الثماني الماضية.

أماالمهنة نفسها فلا تخلو من صعوبات بحسب الفتى الذي أوضح أن “العمل بالهورنات يتطلب جهداً ويسبب تعباً في النظر بسبب كثرة التركيز طوال الوقت”.

يصنع عبدالله الهورنات عن طريق استيراد أجزاء منها من دول مختلفة مثل الصين وإيران ودبي وذلك بأسعار رخيصة لأن بعضها مستعمل أو معطّل، ثم يقوم بالتعديل عليها أو إصلاحها عن طريق استبدال القطع التالفة منها، فينتج عن ذلك “صوتٌ مختلف فريد وبوق ذو نوعية ممتازة” على حدّ وصفه.

ولا يكتفي عبدالله اليوم بالعمل داخل محله في أيام العطل المدرسية، فكثيراً ما يواصل صناعة الهورنات من منزله أيضاً عندما بعد عودته من المدرسة وانهاء واجباته، وذلك بسبب كثرة الطلبات على بضاعته، يقول: “لدي زبائن من دول مختلفة وأتعامل مع عدد من شركات التوصيل لتذهب بضاعتي إلى مصر والاردن والعديد من الدول”.

يضيف صانع الهورنات أن الأمر سبب له في البداية إرباكاً، إذ لم يتوقع أن تصل شهرته إلى هذا الحد في أوساط المهنة أو أن يأتيه هذا الكمّ من الزبائن، لكنه مع ذلك يبدو فخوراً بأن “كل من يأتي إلى المحل يطلبني بالاسم ويطلب التعامل معي وشراء القطعة مني  مباشرةً”. 

يعزو عبدالله النجاح الذي حققه إلى والده الذي آمن بقدرته وموهبته، في حين يعلق الأب قائلاً: “لقد تعبت جداً حتى أنشأت عملي ورغبت لابني الوحيد أن  يرث مهنتي، وبسبب إصراري وحب عبدالله لعمله حققنا النجاح”.

يؤكد الوالد أيضاً على أن تعلم هذه المهنة لم يمنع ولده من أن يكون طالباً متميزاً في مدرسته، “فالتعليم يبقى الأهم لتحقيق حلمه بأن يصبح مهندساً”.

مع بداية العام الدراسي يعمل عبدالله في فترات المساء وعطلة نهاية الاسبوع على عكس فترة الصيف التي يمضيها كاملة في الورشة. يقول: “أساتذتي على دراية بعملي وهم يشجعوني بدورهم ومتعاونين معي جداً وفي بعض الأحيان يطلبون مني صناعة هورنات لسياراتهم”.

علي جاسم، الأستاذ والمعاون في إحدى مدارس بغداد يملك أيضاً محلاً لبيع قطع الغيار في سوق السنك مجاور لورشة عبدالله، وهو وأحد الذين ساعدوه أيضاً في تعلم المهنة. 

يقول جاسم: “كان عبدالله صغيراً يأتي مع والده وكان في بداية الامر يخطئ بالحسابات وأحياناُ يخطئ في القطع المراد بيعها فيقوم ببيع قطعة مختلفة عن طلب الزبون، لكن من لا يخطئ لا يتعلم”. ويضيف مبتسماً: “تدريجياً أصبح هذا الشاب معلماً في مهنته وأستاذاً في الحسابات”. 

ويعود أصل تسمية “السنك” وهي كلمة تركية معناها الذباب إلى العهد الثماني، والشائع بين الأهالي أن المنطقة كانت محاطة بالأراضي الزراعية في تلك الحقبة، وكان استخدام السماد الحيواني يسبّب في انتشار الذباب فيها. 

لكن المنطقة اليوم أصبحت مركزاً لتجمع الشركات ومكاتب استيراد وتوزيع قطع غيار السيارات والمواد الكهربائية، وتضم عدداً من كبار التجار، ويتردد اليها الناس من مختلف المحافظات في العراق لما تحتويه من بطائع وأدوات لا توجد بغير أسواق. 

من يرى عبدالله يبيع في السوق ويشرح للزبائن مواقفات البوق الذي يصنعه يصعب أن يصدق كيف بامكانه التوفيق بين دراسته لكنه يوضح الأمر ببساطة قائلاً:  وعمله،”أنا لا أضيع وقتي على الهاتف النقال أو الألعاب الإلكترونية.. لدي فقط حساب على فيس بوك خاص بعملي، هدفه الترويج وتلقي ملاحظات الزبائن”.

أثناء حديثه معنا أتى إلى عبدالله رجل من  محافظة النجف الاشرف التي تبعد  160كيلو متر جنوب بغداد، فاستقبله عبدالله بالترحيب.

الزبون يوسف حسن قال: “أول مره أتي بها إلى هنا، كنت أبحث عن هذه الورشة.. لقد نصحني اصدقائي في مدينتي ان أتي إلى عبدالله فقد أشادوا به جميعاً”.

وبينما كان الفتى يعرض الهورنات ويقترح أحدها على زبونه النجفي، كشف لنا عن حلمه بصناعة بوق للسيارات من قطع عراقية خالصة، وبأن يكون لمصنعه هذا فروع في كافة محافظات البلاد.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى