متهمون بالإرهاب حتى تثبت براءتهم.. التدقيق الأمني باب الفساد الواسع

بغداد- سيف العبيدي

كل يوم ينتظم مئات المراجعين، منذ ساعات الصباح الباكر وحتى المساء، في طابور طويل أمام نافذة إحدى غرف مديرية الجنسية والجوازات في منطقة المحطة بالجانب الأيمن لمدينة الموصل (405كم شمال بغداد) بانتظار الحصول على ختم (الإستخبارات) الذي يعد شرطاً أساسياً لترويج أي معاملة رسمية.

مشهد يتكرر في العديد من مقار المؤسسات الحكومية منذ تحرير نينوى من سيطرة تنظيم داعش في صيف2017، إذ لا تروج معاملات الأهالي في دوائر ومؤسسات الدولة إلا بعد إجرائهم التدقيق الأمني، والختم الاستخباري يعني سلامة الموقف الأمني للمراجع، بمعنى “عدم تورطه بالانتماء أو الموالاة لتنظيم داعش”، دون ذلك الختم يعد الشخص مشتبها وربما يصبح ملاحقا حتى يثبت العكس.

إجراء روتيني، ضروري لضمان “استتباب الأمن ومنع عودة المتورطين مع داعش”، لكنه يجبر وبشيء من الاذلال مئات الآلاف من سكان الموصل والأقضية الأخرى والنواحي التابعة لمحافظة نينوى على الوقوف في طابور(ختم الإستخبارات) أمام أقسام الاستخبارات والأمن التابعة لوزارة الداخلية التي فتحت لها أفرعاً في مقار معظم الدوائر الحكومية وكذلك في مراكز الشرطة.

كما ان لذلك الختم وجه آخر ايضاً، فهو نافذة فساد تملأ جيوب المتحكمين به بملايين الدولارات، عبر استحصال رشاوى لتسريع الحصول عليه او حتى حالات ابتزاز وتهديد بالملاحقة.

يقول مراجعون، ان الكثيرين يضطرون إلى دفع مبالغ تتراوح بين 1000 إلى 2000 دولار للحصول على “الختم” لاسيما المغتربون أو من لديهم معاملات غير قابلة للتأخير أو التأجيل في مؤسسة حكومية، وفقاً لتصريحات مسؤولين وبرلمانيين وتأكيدات مواطنين. واذا قام 1% من المراجعين بالدفع من بين الآف من المضطرين للحصول على التدقيق فستكون أمام رقم هائل.

فضلاً عن نينوى، فأن التدقيق الأمني يشمل سكان محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى وكركوك وشمالي بابل وبغداد. وقد أصدر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قراراً في 9 تشرين الثاني نوفمبر 2022 بإلغاء العمل بالتدقيق الأمني، وتوعد بمحاسبة الجهات التي لا تطبق القرار.

لكن على أرض الواقع، ما زال يسري منع تمرير أي معاملة في نينوى أو إصدار أوراق ثبوتية من بطاقات الأحوال المدنية والجنسية العراقية والسكن والوطنية والتموينية وشهادات الولادة والوفاة والجوازات، دون المرور (بحاسبة) كومبيوتر الاستخبارات لتدقيق الأسماء والتأكد من عدم وجود أي شبهات أو شكاوى قضائية تتعلق بقضايا الإرهاب ضده صاحبها.

دوامة تدقيقات متجددة

يؤكد مواطنون قابلناهم وهم بصدد الحصول على ختم التدقيق الأمني، أن مدة صلاحية ختم التدقيق هي فقط 14 يوماً، وعليك بعدها أن تعود للحصول عليه مجددا. يقول (س.ح) فور حصولي على سلامة الموقف الأمني عليَ أن أسابق الزمن لإنجز معاملتي في دوائر بيروقراطية تحتاج أحيانا الى عشرات التواقيع “إنه سباق ماراثوني مهلك ومحبط ولا نملك الاعتراض عليه”.

وفي حال عرقل الروتين المتبع في تلك الدوائر إنجاز المعاملة خلال مدة الـ14، يتعين عليهم العودة للحصول على ختم التدقيق الأمني وبدء كل شيء من جديد، وهو ما يدفع البعض منهم إلى دفع مبالغ مالية للمعقبين والعناصر الأمنية لتسريع الحصول على الختم، فضلاً عما يدفعوه للموظفين في الدوائر الأخرى لمنع عرقلة معاملاتهم.

وكان هنالك توجه لإلغاء التدقيق في عهد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي لكنه أصطدم برفض تنفيذه من قبل قيادات أمنية، وقبلها كان مجلس الأمن الوطني برئاسة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، قد أصدر في كانون الأول/ديسمبر 2019 قراراً بإلغاء التدقيق الأمني في المحافظات المحررة من داعش، لكنه بقي أيضاً حبراً على ورق.

وفيما يخص التدقيق الأمني الخاص بالنازحين، فقد أصدر مجلس الأمن القومي في 20 أيلول/ سبتمبر 2022 القرار رقم 9 لسنة 2022 والذي يقضي بقصر التدقيق الأمني على النازحين العراقيين الموجودين في الخارج، وعدم شمول النازحين في الداخل بإجراءاته.

لكن عمليات الغاء التدقيق تواجه برفض من قبل جهات سياسية وأخرى أمنية. يرجع مراقبون ذلك الى مخاوف أمنية من عودة تسلل داعش، وايضا الى ماكنة الأموال التي يَدُرها التدقيق على بعض الجهات.

مؤيدون ومعارضون

شريحة واسعة من مواطني نينوى الذين وصل عددهم الكلي وفق تقديرات غير رسمية إلى ما يزيد عن أربعة ملايين، يعتقدون بأن التدقيق الأمني إهانة لهم، وأن الحكومة في بغداد تنظر إليهم على أنهم متهمون بالانتماء إلى داعش، وعليهم تبرئة أنفسهم من خلال الخضوع المستمر للتدقيق الأمني.

ويشير العديد منهم وباستياء إلى أنه ليس إلا طريقة رسمية لابتزازهم والتضييق عليهم ودفعهم إلى مغادرة المحافظة كما فعل مئات الآلاف منذ 2014.

قريباً من هذا التصور، يعدد النائب محمد المحمدي، الأسباب التي دفعت جهات أمنية (لم يسمها) إلى وضع قرار التدقيق الأمني في المناطق التي تم تحريرها من داعش، وهي: “الإبتزاز، التهميش، وعدم الثقة بمواطني تلك المناطق بعد سيطرة داعش عليها”.

ونفى أن يؤدي إلغاء التدقيقي الأمني إلى تسلل عناصر تنظيم داعش إلى تلك المناطق، بقوله :”هنالك أجهزة أمنية تفرض سلطتها الكاملة وتمنع ذلك”، مشيراً إلى أنه طالب في الدورة البرلمانية الماضية بالغاء التدقيق الأمني غير أن ذلك لم يحدث.

آخرون يرون بأن إلغاء التدقيق، سيعني تبييض سير عناصر تنظيم داعش والمتعاونين معه، مما يمكنهم من الإفلات بما فعلوا، ولاسيما أن هنالك الآلاف منهم طلقاء منذ 2017.

فيان دخيل عضو مجلس النواب العراقي، من المعترضين البارزين على قرار إلغاء التدقيق، ووصفته بأنه “كارثة كبرى”. وقالت في مؤتمر صحفي عقدته في مقر مجلس النواب بأن الكثير من المواطنين في المناطق التي سقطت بيد تنظيم داعش كانوا “مشاركين معه أو مع غيره من الجهات الإرهابية” لذا فهي ترفض قرار الإلغاء وتقول بأنه غير صائب.

ودعت دخيل، رئيس الوزراء بدلاً من ذلك، إلى تسهيل إجراءات التدقيق الأمني وتسريعها بتسخير جهود المزيد من الموظفين، لكي لا يصبح وسيلة لابتزاز المواطنين وفقاً لنص تعبيرها.

 

27 تدقيق لعائلة واحدة

أحمد عبد الغني (36 سنة) يقول بأنه يستحق أن يلتفت إليه القائمون على موسوعة غينيس للأرقام القياسية، لأنه وقف في طوابير الاستخبارات من أجل التدقيق الأمني 27 مرة خلال شهر واحد فقط هو أيلول/سبتمبر 2022.

أحمد، كان يسكن في منطقة اليرموك بالجانب الأيمن لمدينة الموصل وغادرها إلى تركيا بعد يومين فقط من سيطرة تنظيم داعش على المدينة في 10 حزيران/يونيو2014، وعاد من أجل أصدار أوراق ثبوتية لأطفاله الثلاث الذين ولدوا في تركيا وكذلك تجديد مستمسكاتهما هو وزوجته.

وأخذ يعدد باستخدام أصابع يديه:”أولا، مصطفى وعبيدة، توأمان عمرهما ثلاث سنوات، تطلب إنجاز معاملتهما ختم الاستخبارات ست مرات، ثلاثة لكل واحد، في المرة الأولى لإضافتهما إلى بطاقة السكن، والثانية لإصدار صورة قيد لها، والأخيرة لجواز سفر خاص بهما”.

يتوقف برهة ويقول موضحاً”لكل ختم راجعت مرة، يعني ستة مراجعات للاثنين”.

ويضيف بطريقة مسرحية ملوحاً بذراعيه:“طفلي الثالث، عمره سنة واحدة، راجعت لتدقيق وضعه الأمني خمس مرات، بفارق مرتين عن شقيقيه، لكوني اضطررت فيهما للعودة في اليوم التالي بسبب عطل في الكمبيوتر”.

واحتاج لتجديد الجنسية العراقية وبطاقة الأحوال المدنية وجواز السفر له ولزوجته وقوفاً في طوابير التدقيق الأمني 18 مرة، ويقول لكن بحرقة هذه المرة:”مجموع ساعات وقوفي في الطوابير بلغ 35 ساعة!”.

خلال الأعوام الخمس المنصرمة، فعل معظم أهالي نينوى ذات الشيء الذي فعله أحمد عبد الغني، خصوصاً بعد قرارات مثل الغاء العمل ببطاقات هوية الأحوال المدنية القديمة.

تكرر عمليات التدقيق مع كل معاملة وكل فرد، يجعل غالبية المراجعين، وبعد مرور أكثر من خمس سنوات على تحرير نينوى، يعتقدون أن الهدف من التدقيق الأمني ليس كما تعلن عنه الأجهزة الأمنية لملاحقة فلول داعش، بل هو حلقة لجني المال.

مازن (45 سنة) وهو من أهالي سهل نينوى، حجبنا أسمه الثاني بطلب منه لدواع أمنية، أعتقل مرتين بسبب التدقيق الأمني لتشابه أسمه الثلاثي مع أسم شخص مطلوب للأجهزة الأمنية. يقول بأن المرة الأولى كانت في 2019، وأنه تفهم الأمر، لأنه بالأصل من المتضررين من تنظيم داعش الذي قتل عناصره أقرباء لهم، واستولوا على موجودات منزله ومتجره الذي تركهما بعد سيطرة التنظيم على الموصل في 2014.

غير أنه لا يفهم كيف ظهر التشابه مرة ثانية في تدقيق أمني، حاول الحصول عليه من أجل معاملة تتعلق بعقار في منتصف 2021، ويقول:”دفعت المال لضابط في المرة الأولى لإطلاق سراحي، وتبرئة ساحتي، لكنهم عادوا وأوقفوني مرة أخرى ولنفس السبب، ودفعت مرة أخرى لكي لا أتعفن في السجن وأنا بريء كما حدث لكثيرين”.

فساد بعلم الحكومة

من خلال تواصلنا مع مواطنين من نينوى راجعوا للحصول على ختم الاستخبارات- التدقيق الأمني، أجمعوا على وجود معقبين للمعاملات، يعملون مقابل أجور للتوسط بين المراجعين وضباط مسؤولين عن منح الختم.

وللتأكد من ذلك، قصد معد التقرير دائرة الجنسية والجوازات في منطقة المحطة بمدينة الموصل، وبعد مناقشات مستفيضة، وافق أحد المعقبين الذين يروجون معاملات في دوائر الدولة لصالح مواطنين مقابل أجور، على التحدث عما يجري بخصوص التدقيق الأمني، مع التشديد على عدم الإشارة إلى أسمه.

أوضح الرجل وهو في الأربعينات من عمره، بأن التدقيق الأمني لا يتوقف عند إصدار المستمسكات الثبوتية الشخصية، بل هو مطلوب كذلك عند إصدار بيانات الولادة وشهادات التخرج من الجامعة وعقود استئجار المنازل وغيرها، وحتى سحب خطوط الكهرباء من المولدات التجارية البديلة عن الكهرباء الوطنية المفقودة في العراق منذ عام 1991 بسبب حرب الخليج الثانية التي دمرت خلالها محطات الكهرباء.

وذكر بأن التأخير في تسيير معاملات التدقيق متعمد، من أجل خلق زحام كبير فيضطر من ليس لديه الوقت للانتظار إلى دفع المال لتسريع الحصول على ختم الاستخبارات. وبناءً على تجربته اليومية فأن هنالك معاملات يكون هو الوسيط فيها يحصل صاحبها على معاملته دون وقوف في الطابور مقابل دفعه 100 دولار للضابط.

ويشير إلى فئة أخرى، وهم بالآلاف ممن عليهم مؤشرات أمنية أو لم يراجعوا الدوائر الحكومية منذ سنوات، ويعيشون في أقليم كردستان أو خارج البلاد، يدفعون بحسب ما قال بين 1500-2000 دولار لإنجاز معاملاتهم حتى بدون حضورهم الشخصي.

ويتابع متحدثاً عن طريقة أخرى لحصول عناصر فاسدة في مكاتب منح التدقيق الأمني على المال:” يحاولون في بعض الأحيان ابتزاز بعض الأشخاص من خلال عرقلة انجاز معاملاتهم في حاسبة التدقيق الأمني بذريعة وجود ملفات أمنية تدينهم، والحقيقة هو تخويفهم وإرغامهم على دفع مبالغ مالية لتمرير أوراقهم والحصول على توقيع وختم التصريح الأمني”.

وكان عضو مجلس النواب العراقي نايف الشمري قد ذكر خلال مقابلة بثها تلفزيون الرشيد، أن سعر (التصريح الأمني) التدقيق الأمني في نينوى لبعض الحالات، المنجز خلال يوم واحد فقط يصل إلى 1000 دولار. ووصف الإجراء بأنه ابتزاز، لافتاً إلى أن المستفيدين من ذلك أصبحوا من “المستثمرين”، يقصد أصبحوا أثرياءً.

وعقد نواب من محافظة نينوى وقادة أمنيون اجتماعا في مدينة الموصل يوم 16تشرين الثاني نوفمبر2022 لبحث تطبيق قرار رئيس الوزراء، وقد علمنا من مصادر في داخل الاجتماع أن بعض القادة عبروا عن رفضهم لتنفيذ القرار معتقدين بأن وقف التدقيق الأمني سيؤدي إلى زعزعة الأمن مجدداً في نينوى.

وأظهر مقطع فديو جانباً من الاجتماع، ظهر فيه وزير الدفاع السابق والنائب الحالي خالد العبيدي وهو يستخدم مكبر صوت خارجي لكي يستمع الحضور إلى حديث وزير الداخلية عبد الأمير الشمري عبر الهاتف.

وقال  الشمري موجها كلامه إلى تشكيلات وزارة الدفاع والداخلية، بأن قرار التدقيق الأمني اتخذه مجلس الأمني القومي قبل أربع جلسات، معللاً عدم تنفيذه لغاية الآن، بسبب إجراءات ينبغي تنفيذها قبل ذلك، دون أن يبين طبيعة تلك الإجراءات أو الجهة التي اشترطتها.

وذكر فيما يظهر في الفيديو مدير شرطة نينوى إلى جانب عدد من النواب وشيوخ العشائر وهم يصغون باهتمام:” أن قرار إلغاء التدقيق الأمني لا يمكن التراجع عنه”.

ودعا الوزير الجهات المتولية للملف الأمني في نينوى إلى وضع آلية، بحيث يتم التخفيف عن المواطن، وقال “إذا تطلب الأمر التدقيق الأمني لأحد المواطنين، فيجب أن يتم بسرعة”.

وبعد إنهاء المكالمة مع الوزير أفصح خالد العبيدي عن الجهة التي تعرقل إلغاء التدقيق بقول” الاستخبارات هي المشكلة !”.

شكوك بإمكانية التنفيذ

أحمد الشمري، وجه عشائري من مدينة الموصل، كان حاضراً الاجتماع، ذكر بأن التدقيق الأمني لن يرفع بنحو نهائي، وإنما سيتم إجراء تعديلات على تنفيذه، ويقول بشيء من الإحباط “حديث وزير الداخلية بجعل التدقيق الأمني لا يستغرق سوى دقيقة واحدة، يعني بان التدقيق سيظل قائماً وهو أؤكد ذلك بقوله الذي سمعه كل من كان في الإجتماع بأن المواطن لن يرسل إلى عدة جهات فقط جهة واحدة يحصل منها على التدقيق!”.

وأعرب الشمري عن أمله في أن يطبق قرار مجلس الأمن القومي بنحو كامل، ويلغى العمل بالتدقيق الأمني، من أجل إبعاد أبناء الموصل ونينوى بنحو عام عن دائرة الاتهام بالإرهاب، وأن ذلك سيغلق باباً من أبواب الفساد في نينوى، تمر عبره أموال كثيرة تذهب لمصلحة قادة في الأجهزة الأمنية وفقاً لما ذكر، دون أن يحدد أسماءً بعينها.

لكنه يعبر عن شكه بجدية قرار الإلغاء، ويضيف: “قرار مشابه صدر قبل ثلاث سنوات، واستبشر الأهالي خيراً لكنه لم ينفذ، ونخشى أن يكون قرار السوداني كما القرار السابق”.

النائب عن نينوى محمد نوري العبد ربه، قال بأن صفقات فساد كبيرة تجري في نينوى فيما يخص ملفات التصاريح الأمنية(التدقيق الأمني) وهو ما يعرقل تنفيذ قرار إلغاء تنفيذه. ودعا بشيء من السخرية الأجهزة الأمنية إلى ملاحقة المنتمين لداعش لا أن تنتظرهم حتى يراجعوا الدوائر الحكومية ومن ثمة يقبضون عليهم !

وتابع موضحاً لكن بنبرة السخرية ذاتها:”بعض المسؤولين الأمنيين يستغلون الموضوع للحصول على مبالغ مالية عبر ابتزاز المواطنين المراجعين، وهم يصرفون تلك الأموال في النوادي الليلة في أربيل وبغداد ومناطق أخرى”.

عبدالله السيد محامي من مدينة الموصل، يعد استمرار فرض التدقيق الأمني على المواطنين في كل كبيرة وصغيرة عقوبة جماعية. وحذر من تداعيات الضغط المتواصل على المواطنين عبر أجهزة الدولة الأمنية:  “لما في ذلك من تأثير سلبي على علاقة المواطن بالقوات الأمنية وبالتالي الخوف من تكرار المشهد الذي سبق العام 2014 والذي مهد لدخول تنظيم داعش لنينوى وسيطرته عليها، بسبب الفجوة الكبيرة بين المجتمع والقوات الأمنية”.

وأكد عبد الله أن النصوص القانونية تؤكد بأن:”المتهم بريء حتى تثبت إدانته فكيف والمشهد معكوس وأهالي الموصل جميعهم متهمون بمن فيهم المتكلم حتى تثبت تبرئتهم من خلال ختم الاستخبارات؟”.

ويأتي تخوف الأهالي من تأخر تنفيذ القرار أو عدم تطبيقه أصلا والتلاعب به وإفراغه من محتواه بسبب عدم تنفيذ قرار مشابه له صدر مرتين في عهد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.

ويتوقع رئيس مركز رصد للدراسات في نينوى محمد غصوب، استمرار تطبيق التدقيق الأمني خلال المرحلة المقبلة في المحافظة على الرغم من قرار مجلس الأمن بإلغائه. وأتهم جهات مستفيدة (دون أن يسميها)بعرقلة تنفيذ قرار الإلغاء.

ويستدرك:”كان التدقيق الأمني ضرورياً في الفترة التي تلت تحرير نينوى من داعش، لكن بعد ما يزيد عن خمس سنوات على ذلك، بات الأمر سيفاً مسلطاً على رقاب أهالي المناطق المحررة ويجب وقف العمل به لتعزيز ثقة المواطنين بالدولة وأجهزتها الأمنية”.

وأشار غصوب، بان هنالك حالة استياء شعبية من التدقيق، إذ أن المواطن في نينوى طولب بالتدقيق الأمني عشرات المرات منذ 2017، والبعض يضطر للحصول عليه مرة أو مرتين في الأسبوع الواحد بحكم عمله”وهذا يولد ضغطاً كبيراً عليهم”.

تعديل الإجراءات

وبين مؤيد ورافض لإلغاء التدقيق الأمني هنالك فريق ثالث يقترح الإبقاء عليه لكن بتعديل إجراءاته وجعلها سرية وروتينية تقوم بها الجهات الأمنية دون حاجة إلى إرهاق المواطنين مع إعفاء شرائح معينة من الحصول عليه.

ويقول عقيد الشرطة المتقاعد مهند الحيالي، بأن إلغاء التدقيق الأمني أمر خطير للغاية، إذ لابد منه حتى وإن كان العراق بلداً خالياً تماماً من الإرهاب، لكون الأمر يتعلق بالحفاظ على الأمن الداخلي، لكنه يعد فرضه بالنحو الذي يجري حاليا في نينوى “أمراً معيباً جداً” حسب تعبيره.

واقترح تمديد صلاحية التدقيق الأمني من 14 يوم وجعلها عاماً كاملاً في أقل تقدير، وعدم شمول الأطفال والنساء وكبار السن بإجراءاته. إضافة إلى عدم تكرار طلب تدقيق الأسماء في كل دائرة من الدوائر الحكومية التي يجوبها المراجع لإنجاز معاملته، والاكتفاء بختم تدقيق واحد.

الباحث في الشأن السياسي غازي منهل، يقول بأن انتظار أجهزة الأمن أن يأتي المطلوب أمنيا بقدميه إليهم ليقبضوا عليه: “إجراءٌ بدائيٌ ومؤشر واضح على عجز الجهد الإستخباري” وفقاً لما قال.

ويرى بأن من دواعي المهنية، التعامل بسرية مع معلومات التدقيق الأمني. وذلك بأن تكون هنالك قاعدة معلومات لكل مواطن لدى الأجهزة الأمنية، وأن يجري التدقيق الأمني دون علم المراجع للدوائر الحكومية، بأن توجه الدائرة التي راجعها لترويج معاملته كتاباً سرياً إلى الاستخبارات أو الأمن، لا أن ترسل المواطن نفسه !.

ويشير منهل إلى أن (الاستفسار الأمني أو التدقيق الأمني) معمول به في كل دول العالم وتنظم شبكات تعاون واسعة بين مختلف أجهزة الدول المتقدمة ومؤسساتها الأخرى، بحيث تتوافر المعلومات الكاملة لكل شخص يقيم فيها أو يدخل إليها على سبيل الزيارة أو لغرض العمل.

يوم الثلاثاء 15 نوفمبر 2022، فوجئ عمر يحيى لدى مراجعته للحصول على وثيقة البطاقة الوطنية الموحدة أن شرط ختم الاستخبارات (التدقيق الأمني) مازال مطلوباً على الرغم من أنه أطلع على الأخبار التي أفادت بإلغائه من قبل رئاسة الوزراء.

يقول بحيرة: “عندما ذهبت إلى موقع الاستخبارات داخل بناية مجمع الجنسية والجوازات في منطقة الفيصلية بجانب الموصل الأيسر وجدت طابورا طويلا من المواطنين ينتظرون تدقيق أسماهم أمنيا”.

وقال بأنه فضلاً عن آخرين هناك، سألوا عناصر الأمن عن سبب عدم تطبيق الإلغاء، فأجابوهم بأن كتاب القرار لم يصل إليهم بعد بنحو رسمي !.

وتساءل عمر:”القرار صدر قبل أسبوع تقريباً ولم يصل بعد إلى الموصل، ألا تملك رئاسة الوزراء طريقة لإرسال كتبها الرسمية إلى الموصل التي تبعد عن بغداد 400 كيلومتر في أقل من أسبوع !!”.

 

أنجز التقرير  تحت إشراف شبكة نيريج للتحقيقات الإستقصائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى