باعة “ابو صابر” يشكون انقراض المهنة “الستوتة والتكتك أطاحت بتجارتنا”

ازدهار تجارة الخيول وركود سوق الحمير:

بغداد – مهدي غريب

بعد بزوغ الفَجر وقبل ان تدب الحركة في ساحة بيع الخيل والحمير أو كما تسمى “النزيزة” على اطراف مدينة الصدر في بغداد يسحب ابو سلمان حميره الاربعة بيده الهرمة عله يَجد زبونا يبيعُ له واحدا منها على الاقل.
يَقولُ الرجلُ الستيني وهو ينفث دخان سكارته بتوتر واستياء: “لم ابع حمارا واحدا منذ أكثر من ثلاثةِ اسابيع فالناس أصبحوا يفضلون استخدام الستوتة أو التكتك بدلا من هذه الحمير التي اضحت ثقيلةً على البشر لحاجتها الى الطعام والعناية”.
ساحة بيع الحمير والاحصنة او كما يسميها مرتاديها من الباعة والمشترين “النزيزة” تكتظ فجر كل يوم جمعة بالباعة والمشترين القادمين من مدن وسط وجنوب العراق ومنهم أبو سلمان القادم من الناصرية، وتقام فيها مزادات علنية لبيع هذه الحيوانات، وكانت في السابق تقع في الكرخ في منطقةِ الرحمانية لكنها تحولت الى مدينة الصدر بعد عام 2003.
تقدر مساحة الساحة بثلاثة دوانم يحيط بها سياج اسمنتي شوهت ملامحه بعض الاعيرة النارية الطائشة فيما يمتزج روث الحيوانات بالطين المتكون نتيجة الامطار، ويرتدي الباعة والمشترين احذية طويلة تغطي الساق بكاملها لتجنب دخول الطين وقاذورات الحيوانات الى اقدامهم في حال ارتدوا الأحذية العادية.


يعمل ابو سلمان في مهنة بيع وشراء الحمير والخيول منذُ أكثر من أربعين عاما ويكسب ربحه من فارق البيع والشراء لكنه عجز عن بيع أحد حميره الأربعة التي عرضها منذ اكثر من أسبوعين وعاد اليوم لعله يجدر مشتريا مهتما ببضاعته، ويقول “كنت ابيع ستة حمير في يوم واحد واليوم بعد انتشار الستوتة والتكتك لا استطيع بيع حمار واحد بسعر جيد قبل مضي أسابيع عدة”.
تتراوحُ اسعار الحمير من خمسين الف الى مليون دينار عراقي ويعد “الحساوي” من افضل أنواعها شكلا و تحملا كما يوصف ايضا “بالخشن” دليل على قوته، اما بقية الحمير فتكون متقاربة فيما بينها وتوصف “بالعادية” واسعارها تتراوح من (50 – 150 ) الف
يقول ابو سلمان ” قبل أكثر من عشر سنوات كان هنالك شخص يتاجر بالحمير ويسوقها للمطاعم لكن بعد مدة انكشف امره وتم اعتقاله، ومنذ ذلك الحين تأثرت مهنتنا واصبح الناس ينظرون الينا بريبة معتقدين اننا نسوقها للمطاعم ولو كان هذا الامر صحيحا لما جئت الى المكان مرات عدة كي ابيع حميري دون جدوى”.

عبد الزهرة غضبان أو كما يناديه اصدقاؤه “ابو محمد” رجل بدين قصير القَامة في نهايةِ الاربعين من عمره وهو احد دلالي الحمير الذين يديرون المزاد داخل الجوبة ، يصرخ الرجل الممتلئ بأعلى صوته “أول مزاد 550 الف دينار اكو احد يزيد” ثم يأخذ الرقم بالتصاعد حتى يصل الى خمسة ملايين دينار ويباع الحصان الى شخص قادم من البصرة.

يقول عبد الزهرة “المهنة لم تعد مجزية في السنوات الأخيرة والكثيرون تركوها ليمارسوا اعمالا أخرى”، يتقاضى الرجل مبتسما عمولته من البائع والمشتري قبل ان يبدأ مزادا آخر وهو يمارس مهنته تلك منذ قرابة (25 عاما) ويضيف “لم اورث عملي الى ابنائي لان السوق تغيرت وهذه المهنة ستنقرض قريبا بسبب التكنلوجيا”.
يقترب ابو سلمان مع حميره الاربعة الموحلة بالطين من صديقه عبد الزهرة غضبان الذي تعرف عليه قبل عشرين عاماً، ويعرض عليه حميره ليفتتح بها المزاد الثاني يمسك عبد الزهرة الحمير ويصيح بصوت حاد ” خمسين الف يا بلاش.. خمسين الف الواحد” الا ان صراخه لم يجد نفعا فلا احد يريد الشراء، يأخذ ابو سلمان حميره ويرجع الى مكان وقوفه حزينا.
سوق الخيول اكثر انتعاشا من سوق “الحمير” التي اضحت تستخدم فقط في معامل الطابوق أو لدفع عربة “العتاكة” ففي الأسابيع الأخيرةِ ومع ارتفاعِ أسعار صرف الدولار زاد الطلب على الخيول وخاصةً الاصيلة منها التي تصل اسعارها (20-30) مليون دينار عراقي حسب نوعية الخيل وعمره.
يعمل يحيى سلمان العبودي وهو رجل اربعيني قادم من محافظة ذي قار في بيع الخيول الاصيلة التي تراوح اسعارها بين (4-20) مليون دينار عراقي، ويقول “الخيول الاصلية مثل (الكحيلان ) ارتفعت اسعارها بعدما زاد الطلب عليها في الآونةِ الاخيرة من قبل الشخصيات المتنفذة وشيوخ العشائر وهواة ركوب الخيل”.


تأتي الخيول الاصيلة واهمها الكحيلان والشومية والصقيلان في مركبات خاصة من ايران وسوريا لتدخل الى شمال العراق وبعدها تسوق الى باقي المحافظات والمدن بأوراق اصولية وجواز سفر وصورة للحصان او الفرسة تثبت هويته وتبعد صاحبه عن شبهة السرقة ويرغب المشترين في اقتناء الخيل الذي يمتد عمره بين (6- 8 ) سنوات لكونه في اوج الشباب.
يفتح يحيى العبودي كيسا من الشعير ليطعم فرسه الابلق بينما تقف حمير ابو سلمان الاربعة بالقرب من مكبٍ للنفايات لكي تأكل منها، فهو لا يستطيع اطعامها الشعير مثلما يفعل مربو الخيول لأنه مكلف قياسا بثمنها الزهيد.
وحينما تتلاشى اصوات الزبائن والباعة وتنقطع الحركة في ” النزيزة” يجر ابو سلمان حميره الاربعة ببطيء خارجا من الساحة فهو لم يستطع بيعها في هذه الجمعة ايضا معلنا انه الاسبوع الرابعُ على التوالي الذي يعود فيه خالي الوفاض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى