بعد ثلاث سنوات من أزمة المناخ: أهالي سبعين قرية في منطقة كرميان هجروا أراضيهم

 ليلى أحمد- كرميان

دفع التغير المناخي في منطقة كرميان إلى هجرة آلاف المزارعين في أكثر من 70 قرية بعد أن ماتت الأشجار في بساتينهم وتحولت مساحات واسعة منها إلى أراضي بور.

وبحسب أهالي المنطقة، يعود السبب الرئيس في هجرة أبناء تلك القرى الواقعة في مناطق متنازع عليها بين إقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد إلى ندرة المياه وعجز السلطات المحلية عن توفير مصادر بديلة لريّ الأراضي وتعويض الخسائر.

عزيز جبار، 52 عاماً، من قرية قرية “خبة كويرة” كان يملك بستاناً كبيراً مزروعاً بأشجار الليمون والرمان والزيتون والعنب، يروي للـ “المنصة” قصة هجرته قائلاً إن حركة النزوح من قريته بدأت نهاية العام 2019 والى الآن مازالت العوائل تهاجر الواحدة تلو الأخرى، فكان هناك 150 عائلة في القرية لم يبق منها اليوم سوى 15 عائلة.

يضيف عزيز بصوت يرتجف من التأثر: “منذ شهرين هاجرتُ مع أسرتي إلى ناحية رزكاري (تابعة لقضاء كلار في إدارة كرميان). لقد صبرنا كثيراً ووصلنا في النهاية إلى مرحلة نفتقد فيها حتى لمياه الشرب. كل مطالباتنا للحكومة لإيجاد حل أو مساعدتنا في تخطي الأزمة لم تلق آذاناً صاغية”.

اليوم تعيش أسرة عزيز المؤلفة من أب وأم وخمسة أبناء في بيت صغير استأجرته بـ 150 ألف دينار عراقي، أربعة من أبنائه تركوا الدراسة ليتمكنوا من إعالة الأسرة، فمصاريف الحياة كما يشرح لنا كثيرة، من بينها فواتير الماء والكهرباء والتدفئة، وهو لم يعثر على عملٍ بديل إلى اليوم. 

يقول: “هجرتي كانت قراراً صعباً، لكني خسرت كل شيء ولم يعد بمقدوري البقاء في صحراء قاحلة”.

تضم منطقة كرميان ضمن حدودها الإدارية 980 قرية، ولغاية شهر تشرين الثاني من العام الماضي هاجر أبناء 70 قرية منها بسبب شحة مياه وفقاً لمديرية المياه هناك.

خلال العام الماضي تحديداً واجهت كرميان أصعب موجة جفاف خلال عقود بحسب خالد سليمان، الصحفي والباحث المختص بالشؤون البيئية الذي أوضح أن “كرميان أصبحت أكثر منطقة جافة في إقليم كردستان، نسبة الأمطار فيها قليلة خلال السنوات الثلاث الماضية وموجات الحر والجفاف لا تتوقف، في حين قل منسوب المياه بالسدود وكذلك مصادر المياه الجوفية”.

يرى الخبير البيئي أن حل مشكلة شحة المياه يجب أن يبدأ من تقليل انبعاث الغازات الحرارية وتبني طرق جديدة في تجميع المياه وحجزها مثل الخزانات الكبرى المحفورة تحت الأرض والتي تقلل من نسبة تبخر المياه.

ويوضح سليمان أن معظم السدود التي بنتها حكومتا الإقليم وبغداد صممت بطرق تقليدية تتبخر منها المياه أو تتسرب بنسب كبيرة، كما أن الأهالي لجؤوا إلى حفر المزيد من الآبار الجوفية وهذا بحسب رأيه أحد الحلول المؤقتة التي تسهم في تفاقم الأزمة على المدى الطويل وتستنزف ما تبقى من مصادر مياه.

كامران محمد البالغ من العمر 29 عاماً نزح قبل أسابيع من قريته إلى قضاء كفري ضمن حدود منطقة كرميان. لم يكن هو الوحيد الذي نزح، فمن أصل ثمانين عائلة هاجرت إلى اليوم 42 إلى نواحٍ وأقضية مختلفة في إقليم كردستان. 

يقول كاميران للمنصة: “كنت أعيش في القرية مع أبي وأخواني، حفرنا في العام الماضي بئراً بعمق 20 متراً كلفنا مليون و400 ألف دينار لكن مياه البئر جفت خلال أشهر قليلة ولم يبق لدينا ماء للشرب”. 

حالياً يعمل كامران وهو خريج قسم الجغرافي، في سوبر ماركت براتب شهري قدره 350 ألف دينار، بالكاد يكفيه طعاماً لأسرته المؤلفة من ثلاثة أفراد. يقول: “هذا المبلغ لا يلبي أبسط احتياجاتي اليومية ولا بد أن أعود إلى أرض آبائي وأجدادي، لكني أنتظر أن تحل مشكلة المياه”.

حسين عمر، 67 عاماً، مختار قرية “صالحية” الذي يعيش رغم الأزمة في قريته مع 15 عائلة بينما هاجرت أربعين عائلة أخرى إلى مناطق مجاورة، يجهز اليوم هو الآخر نفسه للنزوح مع أبنائه وبناته.

يقول: “أنا وزوجتي مصابون بأمراض مزمنة، حياتنا أصبح مرة بسبب الجفاف. مضطرون اليوم لبيع منزلنا والعيش في المدينة.. طالبنا الحكومة بتخصيص ميزانية إضافية للقرى للتعامل مع المشكلة لكن مطالبنا لم تلق جواباً”.

شحة المياه في هذه القرى لم تؤثر فقط على المزراعين فمن بين اكثر المتضررين كان مربو المواشي الذين يعتمد نشاطهم كلياً على خصوبة الأرض وعلى سعر العلف في السوق.

يروي لنا أحد مربي المواشي في المنطقة كيف دفعته ندرة المياه إلى حفر بئر في أرضه بعمق ثمانين متراً ما لبثت أن جفت مياهه بعد أشهر قليلة، فباع بيته في القرية ثم ماشيته بمبلغ زهيد كي لا تموت من الجوع والعطش. يقول: “تضاعف سعر الطن الواحد من العلف ووصل إلى المليون ونصف المليون دينار عراقي”.

سالار عزيز، المتحدث باسم مديرية المياه في كرميان قال في تصريح للمنصة إن المنطقة تضررت كثيراً بسبب تغير المناخ وانعدام مصادر مياه، عازياً السبب إلى عدم التوافق بين إقليم كردستان وإيران وتركيا، محملاً الأخيرتين المسؤولية.

يوضح عزيز أن أهالي القرى في كرميان يعتمدون بشكل أساسي على نهر سيروان الذي انخفض منسوب مياهه بشكل كبير. “الحكومة تحاول اليوم إرسال صهاريج المياه لسكان القرى لكنها كميّات غير كافية للتعامل مع الأزمة”.

يتابع عزيز: “لقد بنت إيران العديد من السدود لحجز المياه ضمن أراضيها وكذلك فعلت تركيا مما سبب الجفاف لمنطقتنا، وقد زار مسؤولو الإقليم المسؤولين في حكومة إيران وطلبوا منهم فتح السدود لكن المياه التي تدفقت لم تكن بمستوى احتياجات سكان كرميان”.

حالياً يلجأ الأهالي لحفر الآبار الارتوازية، وهناك بحسب عزيز، 1100 بئراً مرخص مقابل 2000 بئر غير قانوني بعد أن انخفضت نسبة المياه الجوفية إلى ثلث ما كانت عليه قبل ثلاث سنوات، لكن عزيز ومعه آخرون يحذرون من أن المشكلة فاقت كل تصور، وأن المنطقة برمتها قد تخلو من السكان خلال أشهر ما لم تضعها حكومة الإقليم على رأس سلم أولوياتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى