فريق “محاربي السرطان”.. الإرادة والإصرار ينقذان الأصدقاء من الموت
بغداد- إلهام أركان
في مطلع الفجر، وأحياناً أخرى في أوقات المساء، تتحرك مجموعة من الشباب والشابات بحماسٍ وابتساماتٍ مرسومة على الوجوه لتقديم عروض مسرحية وتنظيم لقاءات في ساحات بغداد وشوارعها المزدحمة. ليس بصفتهم مصابين بمرض السرطان، إنما كأشخاص استجمعوا ما امتلكوه من قوّة لمواجهة المرض الخبيث وحثّ الآخرين على مقاومته.
قصة هذا الفريق بدأت سنة 2018 مع نوري كاشون الذي كان يبلغ من العمر 18 سنة عندما اكتشف الأطباء إصابته بسرطان الدم. كان نوري يستعد وقتها للمشاركة في بطولة محلية لكرة القدم فجاء الخبر لينهي كل خططه ويضعه على حافة اليأس. “بدأت أشعر بألم ونحول فظيع في المفاصل والاطراف، فقدت شهية الأكل تماماً، ونسيت أمر البطولة” يقول نوري.
كان الجميع من حول الشاب البغدادي حزينين لإصابته، بعضهم بدأ يتحدث إليه بلهجة وداعية وكأنه على مشارف الموت، لكن نوري سرعان ما استجمع قواه محاولاً الخروج من حالة الهلع التي تلبّسته فدخل في مسار علاجي تمكن عن طريقه من التماثل للشفاء.
يقول نوري، “مراحل العلاج والزيارة شبه اليومية للمشفى كان لها دور كبير في تراجع المرض، لكن الإصرار والعزيمة والدعم المعنوي الذي تلقيته كانت السبب الأول وراء شفائي”.
نوري واحد من آلاف العراقيين على قوائم المسجلين لدى وزارة الصحة كمصابين بمرض السرطان وقد بلغ عددهم في العراق خلال العام 2020 حوالي 39 ألفاً.
أما على المستوى العالمي فالمرض آخذ بالانتشار على نحو غير مسبوق بحسب منظمة الصحة العالمية، فقد تجاوزت دول العالم عتبة جديدة في عام 2021 بعد أن تم تشخيص نحو 20 مليون مصاب وتوفي حوالي 10 ملايين بسببه في العام ذاته.
من وجهة نظر طبية لا يعد السرطان مرضاً واحداً بل مجموعة من الأمراض يزيد عددها عن المائة، يمكن أن يصيب الدم فيؤدي إلى تكاثر كريات الدم البيضاء قبل أن يكتمل نموها فتنحرف عن نظامها الطبيعي وتتحول إلى خلايا سرطانية.
أما أكثر أنواعه شيوعاً فهي الأورام الخبيثة التي يمكن أن تظهر في أيّ من أجزاء الجسم سواء في الخارجية منه مثل الجلد والثدي واللثّة، أو الداخلية مثل الرئة والحنجرة والبلعوم والمريء والأمعاء والمعدة والقولون والمثانة والمستقيم والرحم، ذلك أنه يمكن أن يبدأ وينمو في أي نوع من أنواع الخلايا.
ولأن كثير من مرضى السرطان ينهارون سرعانَ ما يعلمون بإصابتهم، فإن نوري قرر أن يساعد في دعم الأشخاص المصابين وتحفيزهم على المقاومة وعبور هذه المحنة.
يقول نوري، “هناك أسباب كثيرة تدفعنا لليأس عندما نصاب بمرض من هذا النوع، من بينها تردّي واقع المرافق الصحية في البلاد وافتقادنا لكثير من الأجهزة الطبية والأدوية والعلاجات، فضلاً عن نظرات الشفقة التي يرسلها جيراننا وأقرباؤنا ومعارفنا، لكن علينا مواجهة الأمر بطاقة إيجابية، فالجانب النفسي هو الأهم وهو العامل الأساسي في تماثلنا للشفاء”.
عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، بدأ نوري العمل على تأسيس فريق تطوعي من مختلف الأعمار، كان قد تعرف على بعض منهم خلال زيارته المستشفى وتلقيه جرعات العلاج الكيماوي. “هم مصابون بمرض السرطان تواصلوا معي للانضمام الى فريق محاربي السرطان“، يقول.
تقوم فكرة هذا الفريق على الدعم المعنوي للشخص المصاب، لكن أيضاًَ على جمع التبرعات بهدف تسريع مراحل العلاج وتأمين الأدوية المفقودة، وذلك من خلال نشر صور التحاليل الطبية ومعلومات عن حالة المريض الاجتماعية والمعيشية على صفحة الفريق، ثم جمع مبلغ مالي من المتبرعين يعينه على تلقي العلاج.
خلال السنوات الأربعة الماضية، قدم فريق “محاربي السرطان” أكثر من عرض مسرحي في قاعات الجامعات وفي شارع المتنبي الشهير في العاصمة بغداد، كما نظم عدداً من الاحتفالات لذوي الاحتياجات الخاصة ومرضى السرطان يصفها نوري بأنها “عبارة عن رسائل مزدوجة إلى المرضى وإلى ذويهم وأحبائهم، تبثّ الأمل في نفوسهم، وتساعدهم على المقاومة”.
حمزه مصطفى، 17 عاماً، كان ليكون طالباً في الخامس العلمي لولا إصابته قبل ثلاثة أعوام بسرطان الدم وخضوعه لسلسة من العلاجات الكيماوية القاسية منعته من مواصلة الدراسة.
رغم صغر سنه تعامل حمزة مع المرض بصلابة نادرة، “لم أخف من السرطان لأنني وقتها لم أكن أعرف ماذا يعني هذا المرض أصلاً.. بعد ذلك أخرجت من رأسي فكرة أني مصاب بمرض خطير رغم الألم الذي كان يسببه”.
يعزو حمزة تماثله للشفاء لتلقيه العلاج الكامل الذي كان يشتريه على حسابه الشخصي، وكذلك إلى تعامل فريق الأطباء الإيجابي معه وتشجيعهم له على مواصلة العلاج. “كنت مفعماً بالطاقة الإيجابية رغم كل شيء”، يتذكر تلك الفترة العصيبة.
عن طريق صديقة له انضم حمزة إلى فريق “محاربي السرطان” الذي أعطاه على حد وصفه حافزاً كبيراً لمواصلة الطريق. “كنت عندما أذهب إلى المستشفى، أرى الأطفال المصابين بنفس مرضي، أضحك معهم وألعب وأنا ذاتي مصاب إلى أن نجحت في التغلب على المرض نهائياً”.
بحسب المصادر الطبية، ارتفع عدد المصابين بالأمراض السرطانية في النصف الثاني من القرن الماضي بصورة كبيرة، لكن في المقابل تطورت طرق العلاج، وتوفرت في المشافي المختصة أجهزة للعلاج بالأشعة الخاضعة لأعلى درجات التحكم والسيطرة، وتم إنتاج أجـيال جديدة من الأدوية الكيماوية.
إلا أن هذا التطور الكبير في طرق العلاج لم يحقق النتائج المثلى التي تحققت في علاج أوبئة وأمراض أخرى فهناك عدد كبير من الأعراض الجانبية التي تصاحب العلاج الكيماوي كما أن الأدوية تظهر كفاءة أقلّ كلما تدهورت الحالة النفسية للمريض، عدا عن أن للمزاج غير المستقر دوراً في زيادة خطر الإصابة نفسها بسبب تأثيره على التوازن الهرموني للجسم.
لهذه الأسباب يعتقد نوري، مؤسس الفريق، أن زرع فكرة مقاومة المرض في نفوس المرضى من شأنها أن تحقق فرقاً إيجابياً حاسماً، وبالنسبة له، لا شيء أدل على ذلك من نجاته هو نفسه وأعضاء الفريق من الموت، “لقد شفينا، حصل هذا بفضل الله وبفضل العلاج.. لكنه لم يكن ممكناً لو فقدنا الأمل”.