“لا أحد يحميني منه”.. تحرّش الأقارب جريمة بمنأى عن المحاسبة القانونية
تحقيق- حنان سالم
لا يغمض لـ ياسة (أسم مستعار- 17 سنة) جفنٌ، إلا بعد تأكدها من غلق باب غرفتها على نفسها بالمفتاح. تفعل ذلك كل ليلة، خوفاً من أن يقدم شقيقها الأكبر(27 سنة)على ما كان يفعله بها قبل سنوات. تتردد قبل أن توضح بعربية ركيكة: “كان يعتدي عليّ جنسياً”.
تعيش الفتاة الكردية في قضاء يتبع محافظة أربيل بأقليم كردستان مع عائلتها المتشددة دينيا وقبلياً والتي تفضل الذكور على الإناث وفقاً لما تقول، لهذا مر عام وراء عام دون أن تجرؤ على إخبار والديها بما فعله شقيقها، كما أن الأخير استغل براءة طفولتها بالحلوى والألعاب أو تهديدها بما أرعب مخيلتها الصغيرة، فلاذت بالصمت.
كانت في السادسة من عمرها حين أظهر لها عضوه الذكري أول مرة، وحاول إقناعها بأن تلمسه وتضعه على جسدها، كرر الأمر كلما أختلى بها، وبعد سنتين مارس معها الجنس بالفعل.
تقول بصوت تخنقه العبرة: “عندما اعتدى عليَّ، شعرت برعب شديد وبكيتُ طوال الليل، كنتُ اسأل نفسي إن كان ما فعله أمرٌ طبيعي ويحدثُ بين الاخوة عادةً”.
تحرك يدها أمام وجهها كأنها تمرر وتبعد صوراً لا تريد مشاهدتها وتتابع بشيء من العصبية: “بعد ست سنوات من الخوف والبكاء تشاجرنا أنا وهوّ أمام والديّ، وقلت له والكل يسمعني بأنني لم أنس ما فعله بي”.
تعيد يدها، وتضعها بهدوء على ركبتها وتقول بنبرة إحباط: “لم يُلقِ أحدٌ بالاً لما قلت، ولم يكلف أيٌ من والدي نفسه في أن يسألني عن الذي فعله بي الشقيق الأكبر، الأكثر تديناً، ذي الشأن والمكانة الأعلى في البيت !”.
المكان الوحيد الذي شعرت فيه بالأمان، كان مدرستها حيث صديقاتها، وشيئاً فشيء تحول خوفها من الاعتداء مجدداً من قبل شقيقها أو غيره، إلى كره مطلقٍ للرجال، قابلته عاطفة وميل لا إرادي نحو النساء.
تغالبها نوبة بكاء، تغرق فيها للحظات، ثم تعود لتتمالك نفسها وتقول:”إذا علم أبي بميولي فسيقتلني أو في أقل تقدير سيزوجني قسراً، لكن إن اخبرته بأن ابنه اعتدى عليَّ وشوه طفولتي فلن يحرك ساكناً، وأغلب الظن بأنه سيعاقبني أنا، لما سيعتقد بأنها جرأة ووقاحة مني لفضحي شقيقي الفاضل!”.
تحرش الأقرباء هو الأكثر خطورة
الدراسات المحلية قليلة بخصوص تحرش الأقارب بالفتيات، ومرد ذلك هو:”طبقة الفضيلة السميكة التي تغطي بها هذه المجتمعات نفسها، حتى أنها تبدو منزهة” هذا ما يقوله الباحث الاجتماعي سلوان قاسم.
ويشير إلى أن على المؤسسات المعنية من منظمات المجتمع مدني والجامعات العراقية والإعلام، التحذير من تفاقم التحرش الجنسي بالأطفال بعد شيوع تعاطي المخدرات ولا سيما بين الشباب في العراق، وفقاً لما ذكر.
وتوافقاً مع ما يذكره قاسم، فأن مجتمعات أخرى، تفصح عن المشكلة وتعمل باستمرار لإيجاد حلول لها، بتعاون مع مختلف القطاعات وعلى رأسها الأكاديمية، ومؤخرا، توصلت جامعة نيو هامبشاير في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن 30% من النساء اللواتي تعرضن للتحرش في طفولتهن، كن على صلة بالمتحرش.
وتصف المختصة والمعالجة النفسية بهار الجاف، الصدمة النفسية الناتجة عن التحرش الجنسي في الصغر من قبل أحد افراد العائلة، بأنها من أشد أنواع الصدمات وطأة على النساء والرجال في حد سواء.
وذلك :”بسبب تواجد المتحرش في ذات البيت مما يزيد من فرص تكرار التحرش بشكل يومي ومستمر”تقول الجاف، وتؤكد بأن للصدمة النفسية نتيجة التحرش من قبل أحد أفراد العائلة أو الأقارب عواقب عديدة، منها:
“فقدان الأمان والثقة بالنفس وبالآخرين بمن فيهم أفراد العائلة. كذلك فقدان الإحساس بالقوة والسيطرة واحترام الذات ورعايتها، مقابل زيادة في العدوانية والقلق والعزلة، وينتج عن كل ذلك عزوف عن الزواج في الكبر أو انحراف جنسي أو تحرش بالأطفال كنوع من أنواع الانتقام اللاواعي”.
وبناءً على خبرتها المتراكمة نتيجة اطلاعها على الكثير من الحالات تقول المعالجة النفسية:” كثيرات من ضحايا الاعتداء والتحرش الجنسي خلال الصغر، القين باللوم على ذويهن لعدم حمايتهن، ما ولّد علاقات اسرية متزعزعة، وقسم أخر منهن اتجهن الى نبذ ذواتهن وكرهها وترجمن ذلك إلى محاولات انتحار متكررة”.
وتستدرك بأسف: “بعض تلك المحاولات نجحت بالفعل”.
هدى (اسم مستعار 21 سنة)من بغداد لم تكمل دراستها بسبب وفاة والدتها، هي الأخرى تعرضت للتحرش الجنسي من قبل شقيقها الذي يكبرها بثمانية أعوام، لكن وبخلاف ياسة، فأن شقيق هدى استمر يتحرش بها منذ طفولتها، وآخر مرة كانت قبل أشهر قليلة فقط على الرغم من أنه قد تزوج.
توفيت والدتها عندما كانت في الثانية عشر من عمرها واضطرت للانتقال رفقة باقي أشقائها -بمن فيهم المتحرش- الى بيت شقيقهم الأكبر في بغداد بعد زواج والدها وطرده لهم، حسب روايتها.
تقول بحرقة وهي تشد طرف ثوبها بقبضة يدها: “بعد عامٍ من وفاة والدتي هددتُ أخي بالقتل إن حاول لمسي مرة أخرى أو تلصص عليَّ اثناء تغييري لملابسي، ظننتُ بأن تهديدي سيردعه، لكنه وبدلاً من ذلك بدأ يضربني كلما حاولتُ مقاومته. في كثير من الأحيان كان يغمى عليّ من شدة الضرب، لأصحو بعدها وأجد ملابسي ممزقة”.
اخبرت أشقائها بما يفعله، توسلت اليهم أن يمنعوه عن ذلك، غير أنهم أسكتوها على الفور رافضين مواجته:”لكي لا يحرجوه” تقول ساخرة ثم تتابع:” لم يجرؤ أي من أشقائي الأخرين أو شقيقاتي على الوقوف بوجهه حتى تزوج اخيراً قبل ثلاث سنوات وتركني وشأني، لكنه قبل خمسة أشهر عاد للمسي بطريقة غرائزية، رأيت في عينيه ذات النظرة التي كان يرمقني بها عند اقترابه مني في صغري، هربتُ سريعاً الى غرفتي وأقفلت بابها، لم أنبس ببنت شفة فلا أحد سيحميني منه”.
تجربتها التي تصفها بالمريرة مع ما اقترفه شقيقها بحقها، جعلتها تنظر إلى عالم الرجال بنظرة سوداوية، وأن تحكم عليهم جميعاً بأنهم أشرار ويتحينون الفرصة لكي يظهروا الشرور التي بدواخلهم، لذلك هي ترفض أن تتزوج.
غياب الإحصائيات
على الرغم من كثرة الحديث عن وجود حالات تحرش للفتيات من قبل الأقارب، إلا أن الإحصائيات بشأنها غائبة، ليس فقط لدى منظمات المجتمع المدني، بل وحتى لدى المؤسسات الحكومية المعنية.
كما أن المحاكم العراقية ترفض تزويد أي جهة بأرقام تتعلق بالدعاوى المنظورة بهذا الشأن، وقد حاولت معدة التقرير أن تحصل على إحصائية حتى وإن كانت جزئية تشمل محافظة واحدة وليس البلاد بأسرها.
وهكذا استعانت بالمحامية ضحى الزبيدي، من محكمة استئناف بابل، التي قامت بتقديم طلب إلى أمين مخزن محكمة الجنح هناك، من أجل تزويدها بأعداد دعاوى التحرش الجنسي من قبل أفراد العائلة المسجلة في السنوات العشر الأخيرة، الا أنه رفض طلبها بسبب أوامر عليا صارمة، وأخبرها بأن منظمات وجهات أخرى عدة حاولت الحصول على معلومات مشابهة لكن التعليمات تمنع ذلك.
المحامية الزبيدي تؤكد بناء على اطلاعها، بأن الكثير من الأمهات حين تعلمن بتعرض بنت لهن للتحرش الجنسي من قبل الأب، تكتفين بالطلاق فقط، خشية انتشار الخبر في حال لجأن للقضاء أو العرف العشائري، ” مما يعني وصمة عار” تقول المحامية.
وتشير إلى حالات أخرى: “عند كشف قضايا التحرش أو الاغتصاب من قبل الأقارب يحاول ذوو الجاني تشويه سمعة الضحية وايقاع اللوم عليها لتخليصه من العقوبة، وقد تصل الأمور إلى محاولة الجاني أو ذويه قتل الضحية”.
لتهرب من واقعها، اختارت نادية (اسم مستعار) تسكن العاصمة بغداد، الزواج بأول شخص تقدم لخطبتها، على الرغم من أنها لم تكن قد تجاوزت الثامنة عشر.
تشبك أصابع يديها ببعضها وتقول مبررة: “كنت أعاني من خيبة أمل كبيرة بسبب ردة فعل والدتي الباردة تجاه واقعة التحرش بي”.
تتذكر نادية بأن عليها سرد قصتها من البداية، تصمت برهة ثم تواصل:”بعد وفاة والدي، تزوجت والدتي برجل يحمل شهادة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية، كان لطيفاً مع اخوتي، ومعي بالذات عندما كنت في الخامسة عشر من عمري، لكنه ومع الأيام بدأ بتمرير يديه على جسدي بطريقة مريبة ويحاول تحسس أماكن مختلفة”.
بعد عامين من تصرفات مماثلة عديدة، واجهته نادية أمام والدتها، فأنكر وأصر على أنه يراها كأبنة له، والوالدة اكتفت بإرسالها للاستجمام في منزل خالتها لعدة أيام.
تصفق يديها ببعضهما وتقول بحدة:”هذا كل ما فعلته أمي”. فأصبحت تلازم غرفتها ولا تغادرها بعد ذلك خوفاً من أن تضطر لمجالسة زوج أمها، حتى أنها تركت دراستها الثانوية بعد تدهور مستواها وشرودها المستمر خلال الدروس.
اعتقدت بزواجها، أنها ستجد الطمأنينة أخيرا، لكنها كانت تصطدم بصورة زوج أمها كلما حاول زوجها التقرب منها. تطفو على وجهها ابتسامة ممزوجة بالحزن والسخرية في آن معاً: ” اكتشفت بأنني أكره جسدي وأكره أن يمسني أحد، ولكن وبدلاً من أن يساندني زوجي ويحاول احتوائي قام بالزواج من امرأة أخرى.
مرت عشر سنوات على زواجها، تفرش أصابع يديها في الهواء لتؤكد الرقم، وتقول: “انتقلت خلالها من تعاسة إلى تعاسة أشد، تارة مع زوجي وتارة أخرى مع زوجته الثانية، أما أمي فعلاقتها بزوجها اقل ما يقال عنها بأنها طبيعية، وكأن شيئاً لم يحدث”.
تغمض عينيها وتقول بأسى :”يجب أن لا تسكت الفتاة عن حقها وينبغي على ذويها مساندتها، لا يجوز ترك الفتيات يواجهن هذه المواقف لوحدهن فأنا لم أتجاوز ما مررتُ به رغم أنى اشارف على الثلاثين”.
الأستاذة الجامعية المتخصصة بعلم الاجتماع، نور(أسم مستعار29 سنة)لم تتخط هي الأخرى ذكريات التحرش الذي تعرضت له على مدى سبع سنوات وهي صغيرة، وتروي قصتها:”كنتُ في الثالثة عشر عندما توفي والدي واستدعت أمي شقيقها ليعيش معنا، كنا ثلاث شقيقات وأنا أصغرهن، وهذا ما سهل استغلال خالي لي”.
تمتلئ عيناها بالدموع وهي تقول: “كان يظهر لي أعضاءه التناسلية، ويريني أفلاماً اباحية ثم يخبرني بأنه سيأخذني الى أي شخص أريد لأمارس معه ما شاهدته”.
على الرغم من مساحة الحرية التي تمتعت بها إلا أنها خشيت ولسبع سنوات كاملة من أن تخبر أحداً بممارسات خالها. عند بلوغها العشرين من عمرها، أسرت لوالدتها بانها تحب زميلا لها في الجامعة، فوبختها بعنف، وما كان منها إلا أن تخبرها ساعتها بأنها تحاول البحث عن الطمأنينة خارج المنزل بسبب تحرش خالها بها.
تركتها الأم التي بدا عليها الذهول، وذهبت إلى المطبخ دون أن تنبس ببنت شفة. وتعتقد نور بان والدتها صدقتها، لكنها :”لم تواجه شقيقها بسبب حاجتها لتواجده معنا في المنزل لأنه لم يكن لدينا رجل سواه”.
بعد كل تلك السنوات، تتجنب نور مقابلة خالها حتى في المناسبات، ومع ذلك، فالجراح التي سببها لها لم تندمل، وهي ترفض الزواج وفقاً لما تقول لأنها تعاني من عدم الإحساس بقيمتها الاجتماعية.
تأخذ نفساً عميقاً، وتخرج الكلمات من بين أسنانها :”أصبحت انتقم من الرجال، ما أن أعلم بأن أحدهم يحبني حتى أتركه دون توضيح، فأنا أرى خالي في كل من يحاول التقرب اليّ. كنتُ أتمنى ان تحميني أمي وتقف إلى جانبي لكنها خذلتني وآثرت الصمت، وها أنا ا ادفع ثمن صمتها”.
وصمة العار تمنع القضاء من التدخل
تنص المادة 393 من قانون العقوبات المعدل 111 لسنة 1969 على”يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت كل من واقع انثى بغير رضاها أو لاط بذكر أو انثى بغير رضاه أو رضاها” وتعتبر الفقرة 2 من ذات المادة ظرفاً مشدداً اذا كان الجاني من أقارب المجنى عليه الى الدرجة الثالثة أو كان من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن له سلطة عليه أو كان خادما عنده أو عند أحد ممن تقدم ذكرهم.
كما صدر قرار لمجلس قيادة الثورة المنحل برقم 488 في 11/4/1978 يعاقب بالإعدام كل من واقع انثى من أقاربه الى الدرجة الثالثة بدون رضاها، وكانت قد أتمت الخامسة عشرة من العمر، وأفضى الفعل الى موتها، أو أدى الى حملها أو ازالة بكارتها. ويذكر ان سلطة الائتلاف الأمريكية المؤقتة قد علقت العمل بعقوبة الاعدام بموجب أمرها المرقم 7 القسم 3 المؤرخ في 10 حزيران 2003.
كما نصت المادة 396 من قانون العقوبات 111 على المعاقبة بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او بالحبس من اعتدى بالقوة او التهديد او بالحيلة او بأي وجه آخر من اوجه عدم الرضا على عرض شخص ذكرا او انثى او شرع في ذلك، فاذا كان من وقعت عليه الجريمة لم يبلغ من العمر ثماني عشرة سنة تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنين.
تقول رئيسة جمعية الأمل العراقية الحقوقية هناء أدور “للأسف يتم الإفلات من العقاب أما بسبب سكوت الضحية خوفاً من الفضيحة او يتم قتلها تحت غطاء غسل العار او الانتحار، مع أن عقوبات الكثير من تلك الجرائم تصل إلى الإعدام”.
اما المدعي العام في احدى محاكم إدارة كرميان في أقليم كردستان چيمن باجلان، فتؤكد بأن قضايا التحرش الجنسي لا تصل الى المحاكم عادةً وأنها لم تشهد خلال مسيرتها العملية قضية تحرش جنسي من قبل أحد افراد العائلة.
وتضيف: “هذه القضايا تخضع الى ذات طرق الاثبات المتبعة في باقي القضايا لضمان تحقيق العدالة، قد تكون قضايا زنا المحارم أسهل في التحقق من صحتها بواسطة اللجان الطبية لكن التحرش الجنسي يحتاج الى اثباتات قد تكون غير متوفرة لدى الضحايا”.
القانونية مروة عبد الرضا تنفي أن يكون القانون العراقي قد صمت عن جريمة التحرش من الأقارب، بل ذكر صراحةً عقوباتها، لكن المشكلة حسب قولها أن الشخص المتعرض للتحرش أو المسؤول عنه، لا يقدم شكوى للمحكمة.
وتوضح: “في حال تعرض الطفل للتحرش من قبل والده، يحق للام رفع دعوى نيابة عنه، لكن مايحدث هو أن كثيراً من النساء تتخوفن من الذهاب الى مراكز الشرطة أو المحاكم بسبب الوصمة الاجتماعية أو خشية تعرضهن في بعض المواقف الى الابتزاز أو المطالبة برشوة. كما ان الكلفة الاقتصادية لهذه القضايا قد لا تتحملها أغلبهن، إضافة الى عدم وجود مأوى للطفل أو والدته يحميهما من ملاحقة ذوي الجاني”.
وتؤكد عبد الرضا على أن انتشار المخدرات في صفوف المراهقين ساهم بتكرار تحرش الأخوة الذكور بأخواتهم واغتصابهن وبالتالي أصبحت الحاجة ملحة لتشريع قوانين تحمي الاسرة وانشاء محاكم خاصة بهذه القضايا.
وكان مشروع قانون لحماية الطفل قد قرأ قراءة أولى في مجلس النواب العراقي خلال شهر تشرين الثاني/توفمبر2022، وقد لاقى اعتراضات من كتل سياسية داخل المجلس بسبب ما قال ممثلون عنها أن القانون يتعارض مع العادات والتقاليد الاجتماعية العراقية.
وتضمن مشروع القانون هذا بنوداً تتكفل بموجبها الدولة بحماية الطفل في حال تعرض للعنف بأي شكل كان، ورفض بعض الكتل السياسية له ليس بسابقة، إذ كانت الكتل ذاتها قد رفضت ولدورات برلمانية عدة إقرار مشروع قانون لحماية الأسرة وللذرائع ذاتها.
على الرغم من مرور ثمانية سنوات على تحرش أبن عمها بها، إلا أن صورته مازالت تراود ذهن بثينة(أسم مستعار- 18 سنة) من محافظة المثنى. “كنت في العاشرة، مر وقت طويل، لكنني كثيراً ما أراه في أحلامي يضربني ويحاول خنقي”.
كانت تسكن حينها مع عائلتها في بيت جدها مع عائلات سبع من اعمامها. حين تحرش بها ابن عمها الذي يكبرها بسبع سنوات، في غرفة عائلته. كانت تميز التحرش بسبب توعية والدتها لها فأخبرته بأنها ستفضحه، تقول “عندما هددته بفضحه أخرج سكيناً من جيبه وقال لي بأنه سيذبح والدي إن أخبرت أحداً”.
بعدها بشهرين تسلل الى غرفة عائلتها مستغلاً عدم وجود أي من أهلها وكانت هي قد عادت من المدرسة للتو، وكان هو يحمل بيده مسدس والده، بدأ بلمسها وتهديدها بالمسدس إن صرخت، حاولت الهروب لكنه ضربنها بالمسدس على رأسها، فقدتُ وعيها وبعد أن أفاقت دخلتُ في نوبة صمت استمرت لشهرين.
هكذا تصف ماحدث، وتذكر بأنها لم تتحدث مع أحد ولم تجلس مع باقي أقاربها على مائدة طعام واحدة، وكانت أمها تلح لمعرفة سبب صمتها لكن صورة المسدس لم تفارق مخيلتها وحتى الآن هي لا تعلم إن كان قد اغتصبها يومها أم لا؟ .
استمر ابن عم بثينة بالتحرش بها وتهديدها لسنتين، بعدها انتقلت مع عائلتها الى بيت آخر لكن خاص بها، وعندما بلغت الرابعة عشر روت لوالدتها ما حدث معها، وخشيت أن تخبر والدها خوفاً من أن يقتل ابن أخاه.
تستنتج من وحي تجربتها:”لا يجب أن تتشارك العائلات في منزل واحد، خصوصاً بعد أن يكبر الأحفاد، أنا الآن في الثامنة عشر ولا أتقبل أن يقترب مني أحد، وصل بي الحال الى عدم مصافحة أعمامي وأخوالي فقد بتُّ لا أثق بصلة القرابة التي تربطني بهم، كان أبي يوصي ابن عمي بنا قبل ذهابه الى العمل لكنه خان أبي وخان قرابتنا”.
وربما يكون المتحرش هو أقرب ما يكون للضحية، قد يكونا أباها !، وكانت تلك مأساة الفتاة مريم(17سنة )، فلم تعش سنوات عدة من طفولتها في كنف والدها بالأنبار(65 كم غرب بغداد) إذ انفصل والداها مذ كانت في التاسعة، لكنهما عادا مجدداً حين بلغت هي الثالثة عشر.
وبعد سنة من ذلك، أخذ والدها يضمها اليه ويقبلها أكثر من المعتاد وبطريقة أثارت فيها القلق. تقول مريم بحرقة: “كنت أفكر في أنه يحاول تعويضي عن بعده عني لسنوات، لكن يوماً بعد يوم بدأت نظراته تصبح غريبة ولمساته تحولت الى لمسات جنسية كما أنه كثيراً ما يسمعني ايحاءات جنسية كلما كنا لوحدنا”.
تمادى والدها في تحرشه بها كلما كان ثملاً، وخشيت هي أن تعلم والدتها لأنها كانت تعرف بأنها لن تسكت على ذلك وقد ينفصلا مجددا بسببها، ولا معيل غيره لكون والدتها كانت قد تركت وظيفتها بناءً على رغبته.
كما أنها استبعدت كلياً سناريو مواجهته أمام والدتها أو أقرباء لها، لأنها كانت واثقة من أنه سينكر ذلك فتتحول هي إلى مذنبة بدلاً من أن تكون الضحية. وشطبت من ذهنا أي محاولة للهرب من المنزل أو الخروج منه بالزواج لأن عواقبهما قد تكون أقسى من تحرش والدها بها، لذا فقد آثرت البقاء.
تشير الى مكتبة غرفتها الصغيرة وتواصل بنبرة أشبه بالهمس” تسبب والدي بكرهي لنفسي وعدم تقبلي لذاتي اضافة الكوابيس التي لازالت تراودني بشكل يومي، هذه الكتب ساعدتني في تقبل ذاتي مرة أخرى واعادت الي ثقتي بنفسي”.
أنجز التقرير بأشراف شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية