آخر حمامات “السوك” في الناصرية.. زبائنه من كبار السن ومرضى الاعصاب

الناصرية- مرتضى الحدود

لم تزل طقوس حمامات “السوك” محفوظة في ذاكرة كبار السن من أهالي مدينة الناصرية رغم إغلاق أبوابها الواحد تلو الآخر في السنوات الماضية باستثناء حمام واحد ما زال يستقبل الزبائن من محبي الحمامات الشعبية القديمة.

“الحمام الحيدري للرجال” آخر حمامات مدينة الناصرية كان قد بناه الحاج حسن هادي منذ أكثر من أربعين عاماً ليكون مصدر رزقه الوحيد في مدينة يتجاوز عدد سكانها الستمائة ألف نسمة. 

هذا الحمام والذي يسمى باللهجة الدارجة لدى الأهالي “حمام السوك” لم يعد يشهد حضورا كثيفاً مثلما كان عليه الحال في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي وما قبلها حتى مطلع الالفين، باستثناء عدد من كبار السن ومن المرضى يأتون بغرض الاستشفاء. 

صاحب الحمام، الرجل السبعيني الذي بدت على وجهه ملامح الاسترخاء، كان يجلس على كرسي داخل الحمام وبقربه منضدة خشبية وضع عليها مستلزمات التنظيف للذي يرغب بالاستحمام، يغطي رأسه بشماغ جنوبي يعلوه عقال عربي متحدثا بصوت منخفض.

يقول الحاج حسن هادي للمنصة إن العمارة الحديثة أسهمت في اندثار حمامات السوق، فهناك كثر باتوا يمتلكون داخل منازلهم حمامات بخارية أو حمامات “ساونا” وهناك أندية رياضية تقدم الخدمة نفسها، لذا لا تجد الجميع يحضرون الى هنا.

أما في السابق، يوضح الحاج حسن، “كان الحمام يستقبل سكان المدينة بمختلف شرائحهم بل وحتى جنود الجيش عند نزولهم من الوحدات العسكرية الواقعة في أطراف الناصرية اذ يرغبون بأخذ حمام ينعش أجسامهم المتعبة”.

ويتابع الحاج حسن أن هذا المكان كان يستقبل عددا من المناسبات الاجتماعية، خصوصاً تلك المتعلقة بتحضيرات الزواج، “فيتم إحضار العريس من قبل أصدقائه وأبناء عمومته ضمن أجواء من المرح والغناء، ويبقون في الحمام عدة ساعات”.

ويعد الحمام الحيدري للرجال في الناصرية الوحيد الذي بقي شاخصاً بعد أن أغلقت الحمامات المماثلة أبوابها منذ أكثر من 20 سنة واخرها الحمام الحسيني الذي يبعد عنه قرابة 800 متر بسبب قلة المردود وانشغال أصحابها بأعمال اخرى.

وأبرز حمامات السوق التي كانت منتشرة حتى السنوات الماضية في الناصرية هي حمام الأندلس وكان فيه أيام مخصصة للنساء وايام للرجال، وحمام الصادق وحمام ابو ليرة.

وبالرغم من تناقص عدد الزبائن ما زال الحمام الحيدري يمثل متنفسا وملتقى لعدد من أبناء المدينة من كبار السن، خاص في فصل الشتاء الذي يعد الموسم الأهم بالنسبة لأصحاب الحمامات وللزبائن الباحثين عن عن الأجواء الدافئة داخل المبنى.

ويتكون الحمام من قاعتين الأولى تضم أحواضاً اسمنتية صغيرة لغرض الاستحمام، يتسلم كل شخص يدخل إليها معدات متكاملة خاصة بالتنظيف، وهي الليفة والصابون والمناشف والمحجارة التي تستخدم لتنظيف الاقدام ويستغرق كل شخص داخلها وقتاً ما بين ساعة إلى ساعة ونصف، كلفة الساعة ثمانية آلاف دينار عراقي.

وبعد أن يخلع الرجل ملابسه يرتدي ما يسمى “الوزرة او المنشفة” التي تغطي منتصف الجسم من ثم يجلس قرب احد هذه الاحواض ليغرف منها الماء الى جسمه وبعدها يستريح على مصطبة داخل القاعة.

أما القاعة الثانية فتتوسطها “دكة” مرتفعة يتصاعد منها البخار ويتواجد فيها “المدلكجي” الذي يعمل على تدليك الجسم لاسترخاء أعصاب الجسم كافة.

ويشير الحاج حسن ان “بعض مرضى الاعصاب الذين يعانون من تشنجات عضلية عادة ما يوصف لهم الحمام البخاري لذا تجدهم يستحمون هنا”.

ورغم الظروف التي مرت بهذا المبنى وقلة رواده الا ان الحاج حسن لا يدور في ذهنه أي فكرة لإغلاقه “فهو مرتبط بوجودي ما دمت حياً” على حد تعبيره. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى