سيدة بغدادية على دراجتها الهوائية.. من أجل البيئة

بغداد _ مهدي غريب

أكثر من 13 كيلومتراً تقطعها سعاد الجوهري يومياً بدراجتها الهوائية من منزلها منطقة الكرادة في بغداد إلى عملها في شارع فلسطين ذهاباً وإياباً في مشهد لا يتكرر بكثرة في العاصمة بغداد.

تستخدم سعاد وسيلة النقل هذه منذُ أكثرِ من خمس سنوات إذ ترى فيها فرصة لممارسة الرياضة وتجنب الزحام الخانق، وبنفس الوقت، تقليل حجم الانبعاثات الكربونية.

تقول السيدة الخمسينية وهي تربط خوذة الرأس مستعدةً للذهاب إلى عملها: “تعودت ركوب الدراجة الهوائية عندما نذهب الى الاماكن الترفيهية ثم صرت أستخدمها بشكلٍ يومي في قضاء حاجياتي المنزلية وفي الذهاب للعمل”، وتضيف سعاد “الدراجة صديقة للبيئة وأنا وفريقي نريد أن نواجه التلوث البيئي”.

في عام 2017 أسست الجوهري مع صديقاتها فريقاً يهدف للحفاظ على البيئة وبدأ نشاط سعاد يتوسع تدريجياً حتى وصل إلى إقامة ماراثونات أسبوعية في مختلف مناطق العاصمة بغداد، خليطٌ  من النساء بمختلف الاعمار والاعمال يشاركن كل منهن على دراجتها الهوائية.

ويمكن اعتبار سعاد واحدة من النساء اللواتي يعشن نمط حياةٍ صديقٍ للبيئة، ليس فقط من خلال ركوبها الدراجة الهوائية وتنظيمها أنشطة توعوية ومسابقات رياضية، بل حتى من خلال انتقائها لأغراضها المنزلية.

فهي امتنعت عن استخدام المدفأة المعروفة بـ “الصوبة النفطية” التي تسبب التسمم بفعل غاز أول أوكسيد الكاربون  منذ أن بدأت ركوب الدراجة الهوائية،  كما أنها تحرص على التبضع باستخدام كيس من القماش بدلاً من البلاستيك فتعيد غسله واستعماله أكثر من مرة،  قائلةً “أستخدم كل الأشياء في حياتي التي لا تسبب الأذى لعائلتي وللبيئة”.

التغيرات المناخية التي حدثت في العراق و خاصة في العقودِ الاربعةِ الاخيرة اثرت بشكلٍ مباشرٍ على الوضع البيئي، إذ يشهد العراق اليوم موجات حر طويلة بدرجات حرارة غير مسبوفة، وأمطار غير منتظمة، وتلوثاً في الهواء يصل إلى حدود تهدد صحة السكان، وكل هذا -بحسب خبراء- ناتج عن تداعيات الحروب وانبعاثات المصانع والمعامل والمحروقات لتظهر النتائج عكسية على حالة المناخ.

التمدد العمراني في العاصمة بغداد لعب في السنوات الأخيرة دوراً في توسيع دائرة التصحر بعد أن تحولت العديد من المناطق الزراعية إلى سكنية، خاصةً حزام بغداد الذي كان يعتبر السلة الغذائية والحصن الأخضر الذي يقف بوجه الهبوب الترابية، إذ أصبح اليوم ذابلاً بفعلِ الجرافات الاستثمارية التي حولت الأراضي إلى أبنية طابقية ومشاريع تجارية.

تنظم الجوهري مع فريقهِا بينَ فترةٍ واخرى رحلات الى المناطق المتضررة بيئياً، ليس فقط في بغداد بل في مختلف المحافظات العراقية، وأحياناً تنظم سباقات رياضية في الجامعات يشارك بها الطلبة، “لإيصال رسالة إلى المجتمع أن مكافحة البيئة تأتي من خلال السلوك الشخصي أيضاً ومن خلال انتاج واستخدام مواد لا تسبب أثراً على صحة الإنسان والطبيعة”.

أبرز المشكلات التي تواجه المرأة فور ركوبها الدراجة الهوائية هي نظرة المجتمع اتجاهها، فأحياناً تتلقى الكلمات الخادشة باعتبار ركوب الدراجة أمراً مقتصراً على الرجل فقط، وان ركوب النساء للدرجة يعتبر انتهاكاً للتقاليدِ والاعراف السائدة بل تمادياً على الحرية المتعارف عليها، كما توضح سعاد.

وتتقصد هذه السيدة البغدادية وفريقها من النساء التجول بالمناطقِ الشعبية بالدراجة الهوائية “لإزاحةِ فكرة المجتمع التقليدية وزراعة فكرة جديدة تصحح بعض المفاهيم المجتمعية المغلوطة بحق المرأة” على حد تعبيرها.

وتضيف الجوهري “ليست الغاية فقط التوعية البيئية من خلال ممارسة الرياضة وجمع النساء في الفريق بل أيضاً تحطيم الافكار الرجعية بحق النساء باعتبارهن نصف المجتمع ولهن حقوق كما للرجل حقوق”.

عمل سعاد قد يكون بعيداً عن الرياضة فهي كاتبة في مركزٍ للدراسات والبحوث، لكنها تسعى من خلال نشاطها إلى تعزيز الوعي البيئي. وعند سؤالها، وهي السيدة ذات الثلاثة وخمسين عاماً، إلى متى سوف تستمرين في قطع مسافة ثلاثة عشر كيلو متر يومياً بدراجتك الهوائية، أجابت: “لا أخشى تقدم العمر طالما استخدم الدراجة وأتنفس هواء نظيفاً”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى