بائع الفحم في الناصرية.. الطقس يحدد مقدار الربح أو الخسارة

المنصة- مرتضى الحدود

في محل صغير يتوسط منطقة باب الشطرة في مدينة الناصرية يجلس حيدر طالب وسط قطع من الفحم الأسود مختلفة الأحجام والأشكال منشغلاً باستقبال الزبائن من رواد سفر البر ومحبّي الشواء.

ورث حيدر هذه المهنة عن أبيه الذي ورثها هو الآخر عن جده وخلال عشرين سنة من التواجد يومياً في المحل احترف حيدر البيع والشراء وصار يميز مختلف أنواع الفحم من مجرد اللمس أو النظر، فيعرف الجيد منه والفاسد وبطيء الاحتراق أو السريع، كما يعرف مصادر جلب الفحم من محافظات معينة في وسط وشمال العراق.

يوضح حيدر أن لبيع الفحم مواسم محددة ينشط فيها فالأجواء الباردة والمعتدلة تدفع بالشباب للسفر إلى مناطق البادية، فيشترون من محله الفحم المخصص للشواء.

ويضيف أن “أصحاب هذه الهواية عادة ما يرغبون بشراء نوع خاص هو فحم أشجار الفواكه لأن رائحته زكية عند الاحتراق”.

وتنشط حركة سياحة البر في مناطق الناصرية إذ يخرج الشباب وحتى كبار السن بسيارات الدفع الرباعي بشكل مجاميع نحو البادية يمضون هناك يومين أو أكثر حاملين معهم كافة معدات التخييم، وهناك ينقطعون عن العالم الخارجي، حيث لا خدمات انترنت ولا شبكات اتصال هاتفية.

حيدر البالغ من العمر 50 عاما اعتاد السفر لمدينتي الحلة وديالى لجلب الفحم من مفاحم خاصة.

ودائماً ما يصنع فحم ديالى من أشجار البرتقال أو العنب والرمان وغيرها من الفواكه أما في الحلة فتصنع من أخشاب مختلفة، كما أن هناك عدد قليل من المفاحم في مدينة الناصرية تعتمد على أشجار السدر والنخيل.

وفي تلك المفاحم، يجري تقطيع الأشجار إلى ألواح توضع في حفر تسمى “الكورة” أو “الجفرة” فوق نار هادئة يغلب عليها الدخان مغطاة بقطع حديدية أو ما يسمى باللغة الدارجة “الجينكو” وبعد يومين تقريباً تصل الأخشاب إلى مرحلة التفحّم ويتم استخراجها وتكسيرها لقطع أصغر.

وتستغرق رحلة حيدر إلى ديالى قرابة الأربع إلى خمس ساعات بالسيارة ليجلب الكمية المطلوبة الى مدينته وتتراوح أسعار بيع كيس الفحم الواحد زنة عشر كيلو غرامات ما بين 4 آلاف الى 5 الاف دينار اما فحم الفواكه فيصل سعره الى 15 ألف دينار.

ويؤكد حيدر الملقب بالـ “الفحام” قلة أعداد العامين في تجارة الفحم في السنوات الأخيرة في مدينة الناصرية، ويعزو ذلك إلى لجوء معظم مقاهي الناصرية إلى استيراد الفحم الصناعي من دول مجاورة إذ تكون قطعه صغيرة جداً موحدة القياس ومغلفة وتحترق بسرعة في النار ومناسبة أكثر لتدخين النرجيلة.

وبينما يتجول بين أكياس الفحم بيضاء اللون التي يظهر السواد على ظهرها يضيف أن أكثر الأوقات ضرراً على مهنته هي الأجواء الممطرة فلا بيع ولا شراء، وفي بعض الأحيان تؤثر الرطوبة عليها وتحتاج إلى فترة للتجفيف وهو ما حصل معه في الأيام الماضية إذ تراجع مستوى مبيعاته إلى أكثر من النصف.

ورغم تأثر مهنة بيع الفحم بالعوامل الجوية، وازدهارها فقط في أيام الشتاء غير الممطرة، لكنها ما زالت تشكل حتى اليوم مؤشراً على شكل الحياة اليومية في الناصرية.

فكلما انطلق هواة التخييم في عجلات الدفع الرباعي إلى بوادي الناصرية ازدادت مبيعات حيدر الفحام وكذلك ازدادت سماكة طبقة السواد التي تغطي أصابعه.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى