يوم من حياةٍ مصلّح دراجات هوائية في بغداد

بغداد- مصطفى محمد

في ورشة لتصليح الدراجات الهوائية في منطقة الشعب في بغداد يستقبل مصطفى احمد (26 عاماً) زبائنه من محبي وسيلة النقل هذه وحوله مجموعة من قطع الغيار مبعثرة في كل جانب بينما تصطف قطع تبديل أخرى بشكل مرتب على أرفف خشبية.

أما في الخارج عند بوابة المحل فهناك مجموعة من الدراجات المستعملة المعروضة للبيع، ودراجات أخرى انتهى لتوه من إصلاحها تقف عند البوابة بانتظار قدوم أصحابها.

أحمد واحد من قلائل ما زالوا يعملون في هذه المهنة، يروي أنه تعلمها قبل ثماني سنوات لشدة حبه لقيادة الدراجة الهوائية فيقول: “كنت امتلك دراجتي الخاصة وكنت ارغب بالتعرف على جميع تفاصيلها وعلى كيفية إصلاحها، خصوصاً أني كنت أواجه مصاعب في العثور على مصلح للدراجات في منطقتي”.

ويتابع: “عندما كانت تتعطل كنت أقوم بتصليحها بنفسي، وهكذا تعلمت المهنة وافتتحت محلي الخاص”.

إلى جانب ورشة أحمد الصغيرة، يمكن العثور على عدد من ورش تصليح الدراجات الهوائية في مناطق أخرى من بغداد كمنطقة الصدرية  والكفاح، لكن هناك أحياء أخرى ذات كثافة سكانية عالية لا تتوفر فيها أي ورشة متخصصة.

يشير أحمد إلى تراجع مهنة بيع وتصليح الدراجات الهوائية بشكل تدريجي في العقدين الأخيرين نتيجة فتح الحدود لاستيراد مئات آلاف السيارات وانتشار ثقافة الاستهلاك والتفاخر بأنواع المركبات الحديثة.

لكن ورغم قلة الطلب يواظب أحمد على عمله في محله، فيفتح ورشته عند الساعة الثانية ظهراً ويقوم بتنظيف المحل ثم يبدأ بتصليح الدراجات أو بيعها حتى الساعة السابعة مساءً.

وتعد الدراجة الهوائية واحدة من أكثر وسائل النقل إفادة للصحة وصداقةً للبيئة، ويعتمد عليها سكان مدن متقدمة كوسيلة نقل بسيطة ورخيصة الثمن، ويشجع الأطباء على ركوبها باعتبارها رياضة بدنية تحافظ على لياقة الجسم وعلى وظائفه الحيوية وهي بمثابة “نادي رياضة متنقل”.

يصف العشريني أحمد الدراجة الهوائية بـ “بالذهب”، إذ يعتبرها أهم وأفضل من الدراجة النارية، “فهي متعددة الاستخدام وأكثر أماناً وأقل تكلفة، هناك من يستقلها لممارسة الرياضة، والبعض يستخدمها كوسيلة للتنقل بدلاً من السيارة، إضافة إلى شراء احتياجاتهم من الأماكن القريبة من بيوتهم”.

ويوضح أن “هناك فئة تقلل من قيمة الدراجات الهوائية وتعتبرها وسيلة تسلية للاطفال فقط لكنها بالحقيقة رياضة عالمية ووسيلة نقل يستخدمها أبناء الطبقة الوسطى بل حتى الأثرياء في الدول المتقدمة”.

قد تبدو مهنة تصليح الدراجات الهوائية بسيطة لا تتطلب خبرة واسعة لكن أحمد يؤكد أن هناك تفاصيل كثيرة في هذه المهنة تتطلب معرفة واسعة بأنواع الدراجات والمعادن المصنوعة منها وماركات قطع الغيار المستخدمة ودرجة المتانة والأمان التي توفرها.

ومن أكثر المهام شيوعاً في عمله اليومي تبديل أسلاك المكابح الخاصة بالدراجة، وعجلات الكاوتشوك الخارجية والإطارات المطاطية داخلها، والجرس والأضواء والزامور والمقعد والجنزير والدوّاستين وأسلاك العجلات. وهناك كثير من هواة الدراجات الهوائية يقصدون محل أحمد فقط لتزيين دراجاتهم بالأعلام والاكسسوارات.

يحصل أحمد على قطع الغيار من متاجر خاصة في منطقتي الصدرية والشورجة وتتفاوت أسعارها بحسب مواصفاتها، كما أن أسعار الدراجات الهوائية تتفاوت هي الأخرى بحسب نوعها وحجمها والبلد المصنّع لها والمواصفات التي تمتلكها، فهناك درجات ذات أسعار رخيصة ودراجات أخرى يتخطى سعرها قدرة الأسر متوسطة الدخل على شرائها.

أفضل أنواع الدراجات بحسب هذا الشاب هي تلك القديمة المصنوعة في بريطانيا والصين واليابان، “أما الآن فأكثر الدراجات الواردة للعراق هي من صناعة صينية ذات نخب ثانٍ او ثالث ليست قوية بما فيه الكفاية، فالدراجات القديمة أفضل وأقوى وأعطالها قليلة”.

في أوقات فراغه عندما يخلو يومه من أعمال التصليح، يقوم أحمد بترتيب البضاعة على رفوف المحل أو الجلوس وتبادل أطراف الحديث مع أصدقائه وجيرانه بانتظار زبون يشتري منه دراجة أو يطلب تصليحها.

أما الدخل الذي يحصله من عمله فيتفاوت من موسم لآخر ومن يوم لآخر ويقدره وسطياً بحوالي 35 ألف دينار أي ما يقارب 27 دولار أمريكي. 

أحمد يوضح أن “هذه المهنة في السابق كانت تأتي بدخل جيد لأصحاب الورش بسبب كونهم متفردين بهذه المهنة وهنالك محلات قليلة لتصليح الدراجات الهوائية في عدة مناطق، لكن ظهور عديمي الخبرة قلل من الدخل المادي لأصحاب الورش”.

رغم ذلك يبدو هذا الشاب متمسكاً بمهنته إلى آخر رمق وفخوراً كلما كرر على أسماعنا أنه تعلمها من دون معلم.. تعلمها فقط لأنه أحبها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى