“رسام الجمعة” في الناصرية.. 370 صورة من الواقع
الناصرية- مرتضى الحدود
ترك “احسان الفرج” مهنة صناعة الذهب والفضة ليصبح واحداً من أشهر رسامي الكاريكاتير في الناصرية، ريشته حاضرة كل يوم جمعة وسط ساحة الحبوبي ليحكي من خلالها هموم مدينته.
احسان الفرج الموظف الحكومي الذي يسكن مدينة الناصرية بدأ هوايته برسم الكاريكاتير منذ كان في العاشرة من عمره، كان يجمع مصروفه اليومي ليقوم بشراء مجلة “المتفرج” الأسبوعية آنذاك بقيمة 45 فلسا عراقيا.
كانت المجلة هذه تتناول مواضيع عامة منها رسم الكاريكاتير بمشاركة فنانين معروفين مثل حمودي عذاب وفؤاد حسون وهما مصدر إلهامه، ليصبح بعد سنوات زميلاً لهما في هذا الصنف من الفن.
الفرج الذي يتخذ من إحدى زوايا منزله مكاناً للرسم كان ظهره منحنياً إلى طاولته وبيده اليمنى قلم ملون يرسم لوحة يوم الجمعة عبر خطوط مستقيمة ودوائر، توقف قليلاً عن الرسم قائلاً:
“رغم احترافي، أعتبر هذا الفن بالنسبة لي هواية واعتبره واحد من أكثر الفنون تأثيراًُ، فهو ينطق بصورة فكاهية ويوصل رسالة ذات معانٍ مختلفة”.
يروي الفرج ومن حوله لوحاته وألوانه وكوب ماء يغسل به الفرشاة كيف تدرج بالتعلم حتى وجد في ثمانيات القرن الماضي أن تجربته بدأت بالنضج بعد أن نشرت له مجلات محلية عديدة منها مجلة “الموعد” أعمالاً كاريكاتورية إلى أن احترف الكاريكاتير بعد عام 2003.
ورغم أن الفرج ينحدر من عائلة من الصابئة المندائيين عُرف عنها عملها في صناعة الذهب والفضة الا انه لم يرغب بمتابعة العمل في الصياعة فتركها فترة ثم “أعادوني مرغماً عني لمدة سنتين” على حد تعبيره.
لكن الرسام الناصري الذي يحمل شهادة الدبلوم في هندسة الميكانيك منذ عام 1975 ضاق ذرعاً بالصياغة فاتجه إلى الوظيفة الحكومية وتابع شغفه بفن الكاريكاتير الساخر.
يستعين “رسام الجمعة” بأدوات بسيطة للرسم أبرزها قطع كارتونية مقواة يلصق عليها ورقة بيضاء بعد أن يتم الرسم عليها.
ونظراً لكثرة الأعمال التي أنجزها طوال السنوات الماضية استغل الفرج أجزاء كبيرة من غرفته لتعليقها. “في الوقت الحالي تواجهني مشكلة اذ بدأت لوحاتي تضيق على مكان منامي” يقول مبتسماً.
الرجل الذي ناهز الستين من العمر لم يقتصر فنه على “محاربة الظواهر الاجتماعية الخاطئة” على حد وصفه، بل ركز أيضاً على تصوير الواقع الخدمي المتردي وعلى مسؤولية الحكومات بعد عام 2003 عن هذا التدهور.
انطلاقاً من هذا الدور بدأ الفرج صفحة جديدة من رسم الكاريكاتير بعنوان “لوحة الجمعة” عندما اشترك في تظاهرات 2015 المطالبة بالقضاء على الفساد وإصلاح الواقع السياسي ليقف في ساحة الحبوبي حاملاً لوحة تحكي ما يشكو منه المواطن من دون أن يتكلم.
واستمر الفنان العراقي على هذا الحال حتى تظاهرات تشرين أول 2019، تارة يقف عند ساحة الاحتجاج وتارة ينشر أعماله عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
لوحات يوم الجمعة الفنية الذي استمر في العمل عليها منذ أكثر من 7 سنوات تجاوز عددها الـ 370 لوحة التقطت كل واحدة منها ازمة او مشكلة أو هماً أبرزها”سوء توزيع الثروات بين المسؤولين والمواطن” وأخرى بعنوان ” فقط في بلادي الظلام دامس” وعن “كرسي المسؤول” وغيرها.
وتبدأ فكرة لوحة الجمعة منذ بداية الأسبوع حيث تتلاطم أمواج أفكاره بالواقع الحالي حتى يصل يوم الخميس وقد ارتسمت جميع الخطوط الأساسية.
وينطلق برسم لوحته يوم الجمعة ما بعد الظهر لتستغرق منه وقتا يتجاوز الساعتين أو أكثر لتنطق في النهاية بلسان الكثير من المتظاهرين والمحتجين على هذا الواقع.