العراق في قلب عاصفة المخدرات .. تهرب عبر المعابر والجبال وبالطائرات المسيرة

تحقيق صلاح حسن بابان

“سامحوني… أوصيكم بإبنتي ليليا”. كانت هذه آخر كلمات الشابة ناز علي (27سنة) من السليمانية، كتبتها في قصاصة ورق عثر عليها فوق دولابٍ بجانب سريرها أواخر شتاء 2020 بينما كانت جثتها المتدلية بحبل في رقبتها تميل بهدوء يمينا ويسارا في فضاء غرفتها.

شعر أسود فاحٍم طويل، بشرة بيضاء ووجنتان حمراوان وابتسامة عريضة لا تغادر وجهها، مع شخصية جاذبة وتفوق دراسي، كان ذلك قبل أن يطرق الحب بابها في مرحلتها الجامعية الثانية فتتخلى عن دراستها وأحلامها، بعد أن تعرفت على فرشاد عنايت الشاب الوسيم القادم من كرمانشاه الايرانية، والذي كان بارعا في اخفاء حقيقة كونه تاجر مخدرات يحمل الشقاء والألم لكل من عرفه.

قدم عنايت نفسه كباحث عن فرص عمل واستثمار في السليمانية، وسريعا بعد قصة حب مجنونة، أقنع ناز بالارتباط به والسفر معه الى مسقط رأسه، لتبدأ هناك حياة جديدةرغم معارضة والديها.

بعد أشهر اكتشفت ناز حقيقة الزوج المدمن والمراوغ والذي يعمل ضمن شبكة كبيرة للإتجار بالمخدرات تنشط بين إيران واقليم كردستان العراق. بعد أيام الصدمة الأولى، حاولت ثنيه عن ذلك الطريق لكن دونما جدوى حتى مع تهديدها له بتركه بعد ولادتها بطفلتهما “ليليا”. ليظهر بعدها وجه آخر للزوج التاجر “سأقتلكما معا”، معه استسلمت ناز لواقعها وغرقت بدورها في عالم التعاطي.

تجمع مصادر أمنية وحكومية رفيعة، ان تعاطي المخدرات باقليم كردستان وفي العراق بنحو عام، بات أكبر تهديد يواجه البلد، وانه الشغل الشاغل للأجهزة الأمنية التي تخوض حربا يومية مع مافيات شبكات التهريب، فلم يعد التعاطي مقتصرا على بضعة آلاف في مدن محددة بل انتشر في كل مناطق البلاد التي تحولت الى مركز رئيسي للترويج والتعاطي بعد ان كانت لعقود من الزمن تصنف كمجرد معبر للمخدرات.

وتكشف تقارير رسمية، عن ضبط عشرات الأطنان وملايين من أشرطة المواد المخدرة خلال العامين الأخيرين، وتسجل اعتقال أكثر من 43 ألف شخص بتهم تتعلق بالمخدرات خلال الأعوام الممتدة بين 2019 و2022.

في بيان واحد، أعلن مجلس القضاء الأعلى، في شهر ديسمبر/كانون الأول 2022 عن إتلاف ما يقرب من ستة أطنان من المواد المخدرة المخزونة في دائرة الطب العدلي بحضور رئيس لجنة متابعة فحص وخزن وإتلاف المخدرات والمؤثرات العقلية القاضي صهيب دحام.

نحو أربعين مصدرا تواصلنا معها على مدار عامين من التقصي، أكدت جميعها حصول تزايد “خطير” في تعاطي وتجارة المخدرات يتطلب مواجهته جهدا وطنيا هائلاً، خاصة في ظل انتشارها داخل المنازل والجامعات والسجون بل ومقار الأجهزة الأمنية والمدارس الثانوية.

 

الحدود العراقية الإيرانية

كل شيء يمرّ عبر الحدود العراقية الإيرانية الممتدة لـ1450 كلم، يقول (أ.ح) وهو سائق شاحنة عراقي يعيش في منطقة قريبة من الحدود الايرانية. ويضيف “لا يمكن السيطرة على عمليات التهريب هي تجري بوسائل مختلفة وطرق مبتكرة داخل المعابر، أو تجري عبر الحدود الجبلية الوعرة التي لا يمكن السيطرة عليها”.

ذات الحدود والمعابر كان فرشاد عنايت يمرر عبرها تجارته التي شهدت تزايداً تدريجيا لنحو عقد من الزمن في كردستان كما باقي المناطق العراقية، قبل ان تصبح رائجة، وسط انشغال الأجهزة الأمنية والحكومات المتعاقبة بالحرب على التنظيمات الارهابية وآخرها معارك التحرير من داعش التي إمتدت لأربع سنوات، كما الأزمات الاقتصادية والسياسية.

مثل الكثير من الأسر التي تبتلى بفرد متعاطي أو متاجر، حيث يلوذ الجميع بالصمت لأن طرق الخلاص تبدو كلها مقفلة بين الوصمة الاجتماعية وخطر الاعتقال وغياب مراكز الإرشاد والتأهيل، آثرت ناز الصمت وواصلت حياتها الى أن أطاح كمينٌ في عام 2019 لقوى الأمن الكردية بقضاء بينجوين على الحدود العراقية الإيرانية بزوجها خلال عملية تهريب كبيرة.

حينها لم تجد الزوجة العاطلة عن العمل سبيلاً غير العودة للعيش في كنف والدتها، إذ أن والدها كان قد فارق الحياة. وهناك باتت تتعاطى ثلاث جرعات يوميا وعجزت في نهاية الأمر عن تأمين ثمنها، حسب رواية صديقة دراسة مقربة منها. قالت وهي تمسح دموعها: “صار تجار المخدرات يُساومونها على جسدها مقابل إعطائها غرامات قليلة من الكريستال. لم تتحمل كل ذلك الألم!.

تقود التصريحات الرسمية وأحاديث المعتقلين وتقصي تفاصيل قصص عشرات الضحايا، جميعها إلى المعابر الحدودية والطرق الواصلة بين العراق وايران والتجمعات السكانية على جانبي الحدود كمحطات لتسويق المخدرات.

وعلى الرغم من ان ايران تعدّ من أكثر الدول نشاطا في تجارة المخدرات كما الأكثر تعاطيا في المنطقة وتشكل مصدر تهريب رئيسي إلى بلدان مجاورة، فان بعض المعابر تفرض إجراءات تفتيش سطحية وبسيطة على سفر وتنقل الإيرانيين.

 

عشرات آلاف المعتقلين وملايين الحبوب

يقول مدير إعلام مديرية مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية العراقية العقيد بلال صبحي، إن العام 2019، شهد إلقاء الأجهزة الأمنية القبض على 6 آلاف و74 متهمًا بتجارة وتعاطي المخدرات، بينما بلغ العدد 7 آلاف و514 شخص  في عام 2020، مع ضبط أكثر من 300 كيلوغرام من المواد المخدرة، وأكثر من 14 مليون حبة كبتاغون. لترتفع الأرقام في 2021 ويبلغ عدد المقبوض عليهم 12 ألفا و822 شخص 60% منهم كانوا تجار مخدرات، وضُبط 481 كيلوغرامًا من المخدرات، ونحو مليوني حبة كبتاغون.

وأشار العقيد بلال، إلى تفاقم الحالة في العام 2022 إذ تم اعتقال 16 ألفًا و851 متهمًا بتجارة وترويج المخدرات، تراوحت أعمار غالبيتهم بين 18-30 سنة، بينهم 500 حدث دون الـ 18 سنة، و250 امرأة وفتاة، مع ضبط 490 كيلوغرام من مادة الكريستال، و15 مليون حبة مخدرة من الكبتاغون.

الأرقام الكبيرة تلك للمتاجرين المعتقلين، تظهر وجود ملايين المتعاطين في البلاد، بحسب حسن عبدالله، وهو محامي يتابع قضايا المخدرات “اذا افترضنا ان نصف عدد المعتقلين هم مروجون فنحن امام كارثة، اذا كان كل واحد منهم يزود بضعة عشرات من الأشخاص بالمواد المخدرة”.

تتفق المصادر الأمنية، التي تواصلنا معها، على إن الهيروين والحشيشة والحبوب المخدرة والكريستال هي من أكثر الأنواع انتشارا اليوم في كردستان.

تقول الصيدلانية زهراء أحمد أن النوع الأخير هو أخطرها ويفضله المدمنون على باقي الأنواع رغم صعوبة تأمينه، لأنه يزيد التركيز والنشاط العقلي والبدني، لكنه يُسبب الإدمان سريعا، كما يعمل على زيادة مادة الدوبامين في المخ، مما يُشعِر المدمن بالسعادة والراحة النفسية.

وتؤكد أحمد أن الاستمرار في تعاطيه وزيادة كميته يدفع إلى “فقدان الإدراك” ولجوء المتعاطي إلى العنف ما يجعله مصدر ايذاء لنفسه ولغيره.

الأماكن الأكثر ترويجا

مع تجاوز المخدرات الحدود ووصولها الى داخل البلد، يتم تهيئتها للبيع، وذلك يحصل بشكل خاص عبر مراكز التجميل والكافيتيريات والجامعات وأقسامها الداخلية، فضلاً عن بعض المناطق الشعبية، بحسب شهادات سجناء ومروجين ومتعاطين، تحدثوا مع معدّ التحقيق، ووصفوا تلك الأماكن بأنها تحولت الى “منافذ مفتوحة للبيع والترويج”.

بهار سامي (اسم مستعار) وهي ايرانية في العشرينيات من عمرها، اكتشفت في بداية عام 2022 بأن صاحبة مركز التجميل الذي تعمل فيه بمدينة أربيل، تتعاطى المخدرات عبر مزجها بتبغ السكائر التي تدخنها. ولأنها مهاجرة مع زوجها وتحتاج الى عملها بشدة بقيت تتظاهر بأنها لا تعرف شيئاً. غير أن مديرتها أخذت تعرض عليها مشاركتها التدخين كلما رأتها مُتعبة، لتحسن من مزاجها كما تقول، مكررة أن ذلك لا يُسبب أي ضرر.

رضخت بهار في نهاية الأمر، وصارت تتعاطى معها ومع زبائن آخرين للمحل، قبل أن يلقى القبض عليها في حزيران/يونيو2022.

قالت في افادتها التحقيقية، بأنها كانت تشتري 3 غرامات من المخدرات مقابل 100 دولار من موزع رئيسي في أربيل يدعى “طه”.

في تموز/ يوليو 2022، شنّت الأجهزة الأمنية الكردية حملة ضد تجار ومتعاطي المخدرات باقليم كردستان. طالت الاعتقالات بعض الوجوه المعروفة فنيًا أو اجتماعيًا في أربيل، ونقلت وسائل إعلام أنها متهمة بالترويج للمخدرات. كان من بين المعتقلين عارضة أزياء ايرانية مشهورة (س،ب) وموظفة في برلمان كردستان (هـ ،خ)، وإعلامية (ن،س).

 

تظهر التحقيقات الأمنية كما متابعتنا لقصص المدمنين والمعتقلين، إن تلك التجارة تشهد قفزات على مستويي الإنتشار وأساليب الترويج والتوزيع، وهو ما يقلق المسؤولين وعامة الناس، فالتجار باتوا يوصلون المخدرات إلى طالبيها في دورهم أو الأماكن التي يحددونها، عبر شبكة ناقلين متخصصين “دلفري”.

أفصح عن ذلك، شوكت حاجي (25 عاما) الذي يقضي فترة حكم في مديرية أمن السليمانية. كان مثل آخرين يطلب الكمية التي يرغب في شرائها فتصله للمكان المحدد.

حاجي بدأ بالتعاطي قبل 11 سنة عندما كان عمره 14 عامًا، وتم توقيفهُ من قبل الأمن عدّة مرات، وحوكم في كل مرة بالسجن، وكان يعود إلى التعاطي مجددًا بمجرد خروجه، في ظل غياب مراكز العلاج من الادمان، وهو الآن يقضي مدة محكوميته الرابعة.

ذات الأمر يُعاني منه هونر علي (اسم مستعار)(32 سنة) المحبوس في سجن أمن السليمانية والذي كان أحد أبطال العراق في رياضة الساحة والميدان، قبل ان يتورط في التعاطي بتشجيع من صديق له سنة 2009، ولم تردعه فترة حبسه الأولى فعاد مجددًا للتعاطي ليزج به في الحبس مرة ثانية.

مازالت آثار المخدرات تظهر على هونر، من خلال حركاته الإنفعالية المفاجئة، كما أن الكثير من ذكريات فترات التعاطي الطويلة نقلها إلى جسده الذي تكاد تغطي الوشوم كل موضع فيه. يقول بعد حالة شرود “لا أحد يزورني هنا غير والدتي الستينية المُسنة، تأتي في أوقات متباعدة لتبكي علي .. الكل تخلوا عني، زوجتي وطفلَتَي، وباقي أفراد أسرتي تبرؤوا مني”.

يؤكد بحكم تجربته الطويلة في التعاطي، إن كل حلقات التهريب والتوزيع فيها ايرانيون “هم يهربونها ويوزعونها في مختلف المدن العراقية، ويدخلون أحيانًا في عمليات الترويج”.

 

شاهو أحمد (اسم مستعار) (33 سنة) ايراني الجنسية، محكوم بـ 15 عاما سيقضيها في سجن مديرية إصلاح الكبار بالسليمانية بعد تورطه في عملية تهريب.

ينتمي أحمد لعائلة كبيرة تضم والداه وثمانية أبناء وشقيقتين، انتقل إلى السليمانية في سنة 2015 ليعمل في تجارة الأدوية والمستلزمات الطبية بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية في ايران، لكنه استخدم تجارته تلك كغطاء لعمليات التهريب.

يقول ان بعض الشحنات المهربة من ايران إلى كردستان تصل إلى 100 كغم. يضيف :”زادت أعداد المستهلكين هنا ومعها الكميات التي يتطلبها السوق، كما أن الاقليم يشكل منفذا أساسيا لتجار المخدرات الإيرانيين الراغبين في ايصال بضاعتهم الى أوروبا”.

أحمد، الذي إلتقيناه بسجن مديرية إصلاح الكبار في السليمانية، وتحدث الينا بعد موافقة الادارة، يرى أن السيطرة على تلك التجارة أمر صعب بوجود مهربين ومتعاطين وشبكات قوية ونافذة تُسهل كل ذلك.

وأوضح أن المناطق الحدودية تضم مرتفعات جبلية وأودية عميقة تشكل بيئة جيدة للمهربين سواء قرب بلدة جومان ونزولا عند كويسنجق التابعتين لمحافظة أربيل أو عبر مناطق محافظة حلبجة.

وذكر بأن الحشيشة والكريستال، هما الأكثر تداولاً في ايران كما العراق، مشيرا إلى وجود مختبراتٍ خاصة في ايران للهيروين والحشيشة القادمة من أفغانستان والتي تعد مصدرا مهما للمخدرات على مستوى العالم.

يؤكد ضابط برتبة رائد في وزارة الداخلية العراقية، اشترط للحديث عدم ذكر اسمه، أن الهيروين والحشيشة التي تنتشر بمدن كردستان هي ذات النوعية التي تجدها في وسط وجنوبي العراق والتي تدخل من ايران عبر محافظتي ميسان والبصرة، أما الكبتاغون وبعض المؤثرات العقلية الأخرى، فتنتشر في غرب ووسط العراق وتدخل من سوريا عبر محافظة الأنبار.

توسع تلك التجارة عبر ايران، يدفع صحفيين ونشطاء مدنيين مثل هناء رياض، الى الاعتقاد بأن التهريب الحاصل جزء من حرب باردة تنفذ ضد العراق. وتضيف “ايران مستفيدة من تلك التجارة، لإنهاك الشعب العراقي وتدمير قدراته البشرية”.

 

قوانين غير رادعة

كان العراق قبل العام 2003 بحسب التقارير الحكومية شبه خالٍ من المخدرات، وكانت القوانين تنص على تنفيذ عقوبة الإعدام بحق من يثبت اتجاره بها أو تعاطيه لها، لكن المعطيات تغيرت تمامًا بعد 2003 مع الانفلات الأمني على الحدود وتعطيل تنفيذ القوانين الرادعة، ما سمح بدخول ورواج تجارة المخدرات.

يقول عضو سابق في لجنة الأمن والدفاع النيابية -طلب عدم ذكر اسمه لأسباب خاصة- إن الإجراءات الحكومية لمواجهة الظاهرة الجديدة كانت خجولة لغاية العام 2017 حين صادق مجلس النواب العراقي على قانون مكافحة المخدرات بالرقم 50، الذي قضى بتشكيل مديرية مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية.

القانون حدد مهام المديرية بمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية وجرائم التعاطي والاتجار بها ونشر الوعي بمخاطرها، من خلال التعاون مع الأجهزة الأمنية والتواصل مع دول الجوار للحدّ من عمليات تهريب المخدرات، والوصول إلى المهربين والأشخاص الذين يرتبطون بهم.

ويُصنف قانون مكافحة المخدرات الأطراف المتورطة بـ”متعاطين وتجار”. ويُحاكم المتعاطون عادة وفق المادة 32 التي تنص على حبسهم بين سنة وثلاث سنوات مع دفع غرامة مقدارها خمسة ملايين دينار (3400 دولار أمريكي) وفي حال عدم دفع المدان للمبلغ تمدد العقوبة لستة أشهر إضافية.

أما عقوبة المُتاجرة فتخضع للمادة 28 التي تقضي بالسجن بين خمس سنوات إلى السجن المؤبد (مدى الحياة) مع دفع غرامة تبدأ بـ10 ملايين دينار (6800 دولار) وصولاً إلى 30 مليون دينار (10200دولار). أما المادة 27 فتشمل العقوبة المحددة من المؤبد إلى الإعدام لمن يستورد المواد المخدرة أو يصدّرها.

في كردستان، يتم ايداع المُدانين بالتعاطي والمتاجرة في نوعين من السجون، يتبع الأول مديرية الأمن (الآسايش) التي تتبع بدورها وزارة الداخلية، ويتبع الثاني مديرية الإصلاح التي تتبع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.

اللواء المُتقاعد حسن نوري، وهو مدير سابق لمديرية أمن محافظة السليمانية، والذي شغل المنصب لنحو 14 عامًا، يؤكد عدم جدوى القوانين الحالية في مكافحة المُخدرات “لعدم اتصافها بالردع الكافي”. ويطالب بسن قوانين جديدة أكثر حزمًا.

ويصف وضع مُتعاطي المخدرات في السجن بـأنها حالة سلبية :”لم تأتِ بمردودات إيجابية طيلة السنوات الماضية”، مقترحًا عوضًا عن ذلك إدخال المتعاطين في مستشفيات خاصّة “ليتلقوا العلاج بأيدي متخصصين في الصحة النفسية، والعمل على تثقيفهم لإعادتهم أفرادًا صالحين إلى المجتمع بدلاً من سجنهم”.

 

تعاطي وتجارة في السجون!

على الرغم من الإجراءات الأمنية المُشدّدة المعتمدة في سجون الإصلاح، ومن ضمنها وجود أجهزة السونار لفحص الزائرين والموظفين أثناء دخولهم، إلا أن المخدرات تصلها ويتم المتاجرة بها، وإن التعاطي والترويج مازال مستمرًا في السجون، وإن الحديث عن القضاء الكلي عليها “مجرد إعلانات حكومية”.

وزيرة العمل والشؤون الاجتماعية في حكومة إقليم كردستان كويستان محمد، أقرّت لمعد التحقيق، بانتشار المخدرات داخل السجون والاتجار بها في السنوات السابقة “بعض السجون تحولت إلى بيئة خصبة لتجارة وتعاطي المخدرات، والكثير من السجناء المحكومين بقضايا غير المخدرات يخرجون بعد أن يصبحوا متعاطين لها أو تجارا يبيعونها أو يروجون لها”.

وقالت: “في مرحلة سابقة، تطوّر الأمر إلى حدّ استخدام طائرات مسيرة (درون) لنقل المخدرات إلى مافيات بين قاعات السجن”، كاشفة عن ضبط طائرة مسيّرة حاولت في احدى المرات إدخال كمية من المخدرات من خارج السجن إلى داخله. مؤكدة ان وزارتها اتخذت اجراءات مشددة لوقف تلك الحالات.

كما كشفت الوزيرة عن حالات أخرى غريبة في السجون، تظهر سطوة ونفوذ بعض المعتقلين وامكانية قيامهم بأشياء كثيرة خارج القانون. تقول: “اكتشفت خلال زيارة ميدانية لأحد السجون بوجود أماكن “VIP” مخصّصة لمافيات وأخرى بمواصفات مماثلة جرت فيها أفعال “لاأخلاقية”، على حد وصفها، دون أن تحدد ماهية تلك الأفعال. موضحةً أن “الخدمات المقدمة في تلك الأماكن مختلفة تمامًا، خصوصًا وجبات الطعام، إذ كانوا يفطرون في كل صباح القيمر والخبز الحار، ويتناولون الكبّة والكباب وغيرها من الأطعمة”. في إشارة إلى أن الخدمات كانت توازي ما تقدمه الفنادق الممتازة.

تقول الوزيرة عندما وجهتُ مدير السجن بإنهاء تلك الحالة، ردّ بالقول مع كثير من الذعر:”أعتذر لا أستطيع تنفيذ التعليمات، أخاف أن يخطفوا أطفالي خارج السجن فهؤلاء مافيات كبيرة!”.

وسط كل تلك التحديات، تشكو كويستان محمد من عائدية السجون لوزارتها، تقول ان سجون الإصلاح في جميع بلدان العالم ومن ضمنها العراق تتبع وزارة العدل، إلا إنها في كردستان تتبع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية “هذا يعيق عملنا ويثقله كثيراً”.

يقول مستشار وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في حكومة الاقليم الدكتور صلاح أنور، أن الاجراءات التي اتخذت مؤخرا لضبط السجون ومنع إدخال المخدرات إليها بالاعتماد على أجهزة فحص ومراقبة متطوّرة “ساهمت إلى حدٍ كبير في إيقاف تمدد حالات التعاطي والتجارة داخل السجون وبنسبة عالية جدا”، وفقاً لتعبيره.

يوافقه الرأي مسؤول في سجون الاصلاح بكردستان، قائلاً إن جهود مكافحة إدخال المخدرات إلى سجون أربيل ودهوك كانت تحظى بنجاح يصل إلى 95%، أما السليمانية فكانت نسب النجاح 80%، لكن الحملة التي جرت بإبدال الأطقم الادارية من مدراء وموظفين في نهاية عام 2021 رفعت تلك النسب في جميع السجون حتى وصلت الى 100%”.

لكن المسؤول ذاته، أقرّ بأن عمليات المكافحة معقدة جدًا “لأن مافيات المُخدرات داخل السجون، تبتكر أساليب وطرق لا تخطر على البال لإدخال المُخدرات وبمساعدة أقرباء لهم”، مبينا أن المخدرات “توضع في الأعضاء التناسلية للنساء لتمرر للسجناء خلال الزيارات. وتم ضبط حالات تهريب من خلال ربط بعض الزائرين لبضع غرامات من المخدرات بخيوط دقيقة إلى أسنانهم بعد وضعها في أكياس بلاستيكية يتم بلعها، ومن ثم يسحبونها أثناء الزيارات”.

من معبر الى مركز

لم يكن المجتمع الكردي يعرف المخدرات قبل تسعينات القرن الماضي، وكان عدد المتعاطين لا يتعدى أصابع اليدين، بحسب مصادر رسمية، لكن الأمور تغيرت بعد انتفاضة 1991 وانهيار الرقابة الأمنية على الحدود.

وارتفعت حالات التعاطي تدريجيا. ففي العام 2006 سجل اعتقال 30 شخصا بتهمة التعاطي أو الاتجار بالمخدرات بعموم كردستان، وفي العام 2011 ارتفع الرقم إلى 88 شخصًا، لتتضاعف الحالات وتشهد قفزات كبيرة في العام  2016 حيث ألقي القبض على 508 أشخاص، ووصل الرقم في العام 2021 إلى 1943 شخصًا، وفي الأشهر الستة الأولى من العام 2022 سجل 1251 شخصًا.

يكشف ضابط رفيع في مديرية أمن السليمانية عن اعتقال 408 متهمين بتعاطي وتجارة المخدرات في المحافظة خلال العام 2022، بينهم 80 تاجرا، و328 متعاطيًا، 51 منهم أجانب. بينما يُقدر ضابط آخر مُختص بمكافحة المُخدرات في أربيل بأن أعداد المُعتقلين بتهم التعاطي والتجارة بلغت نحو ألفين 500 متهم في محافظتي أربيل ودهوك خلال عام 2022.

وتقدر احصائيات حصلنا عليها من مسؤول كبير بإحدى الوزارات بحكومة الإقليم، رفض الكشف عنه هويته لحساسية موقعه، أعداد المتعاطين بأكثر من 75 ألف شخص، غالبيتهم من الفئة العمرية بين (18-64 سنة) تبلغ نسبة النساء بينهم نحو 23%.

منسق التوصيات الدولية في حكومة كردستان ديندار زيباري، كشف عن أرقام مماثلة، وأكد إدانة أكثر من 1100 متاجر ومتاعطٍ خلال الأشهر السبع الأولى من العام 2022، تم ايداع 985 منهم في سجون الإصلاح، من بينهم 231 متاجرًا بالمخدرات والمؤثرات العقلية، و 704 من المتعاطين. مشيرًا إلى أن حصيلة المعتقلين في القضايا المتعلقة بالمخدرات في العامين 2019 و2020 بلغت أكثر من 3000 معتقلاً. ويقول أنه نظرًا للموقع الجغرافي لإقليم أصبح معبرًا للمخدرات عبر حدود دول الجوار، مما أدى إلى ارتفاع عدد المدمنين في كردستان.

ووفقا لمصدر مسؤول في وزارة العدل العراقية، بلغ عدد المحكومين والموقوفين بجرائم مختلفة نحو 60 ألف شخص -عدا اقليم كردستان- حتى نهاية عام 2022، من بينهم نحو 1500 امرأة، يتوزعون على 30 سجنا في البلاد، نحو 40 بالمائة منهم من المحكومين والموقوفين بتهم تعاطي وتجارة المخدرات.

يقول شيروان أحمد، وهو محامي مطلع على قضايا المخدرات، انه مع التقديرات التي تذهب الى إن أكثر من ربع المعتقلين هم تجار، فإننا أمام حقيقة أن مدن الاقليم باتت تغص بمئات المتاجرين بالمواد المخدرة ما يشكل تهديدًا مجتمعيًا هائلاً.

 

ويبدو المشهد في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة العراقية مماثلاً وربما أكثر تعقيدًا، وهو ما يترجمه قول وزير الداخلية العراقي السابق عثمان الغانمي، في حوار تلفزيوني بنهاية عام 2020 ان نصف الشباب العراقيين “يتعاطون المخدرات”.

يبدي ناشطون ومسؤولون معنيون بملف المخدرات، شكوكهم بشأن إمكانية الانتصار في حرب العراق ضد المخدرات التي تتداخل فيها الشبكات المحلية مع الاقليمية، وفي ظل وقائع تشير إلى وجود أفراد فوق القانون في شبكات التهريب والترويج تلك، واتهامات لأشخاص نافذين في أحزاب ومليشيات، بتسهيل عمليات التهريب أو عرقلة اعتقال كبار التجار.

في مطلع العام 2022 أصدر الرئيس العراقي السابق برهم صالح عفوًا رئاسيًا عن المدان بتجارة المخدرات (جواد لؤي جواد الياسري) وهو ابن مسؤول كبير في الدولة مع عدد آخر من المدانين الذين صدرت أحكام قضائية بحقهم من محكمة الكرخ، وذلك بناء على توصية مقدمة من الأمانة العامة لمجلس الوزراء. وسمح العفو الخاص الصادر بخروجهم من السجن، ما اثار ردود فعل واسعة في البلاد بشأن افلات المجرمين من العقاب حتى في الجرائم الكبرى كالمتعلقة بالمتاجرة بالمخدرات طالما كانوا محمين من قوى السلطة الحاكمة.

قصص الافلات من العقاب تتكرر، ففي العام 2020 وخلال فترة تفشي جائحة كورونا، أطاحت الأجهزة الاستخباراتية العراقية بواحد من كبار تجارالمخدرات بمحافظة نينوى (د.م) مع ستة من المتعاونين معه، بينهم شخص يحمل الجنسية التركية.

عملية القاء القبض كانت معقدة وتمت بعد تتبع طويل اقتضى زرع أحد عناصر الاستخبارات في الشبكة التي كان تتنشط في ادخال المواد المخدرة إلى نينوى، وتم الاعتقال داخل مجمع السدير السياحي في الموصل، بحسب مصدر رفيع في شرطة نينوى. الذي أكد أن التاجر الموقوف كرديٌ من محافظة دهوك، ويحمل رتبة عليا في واحدة من الأجهزة الأمنية الكردية وكان يدخل المخدرات إلى نينوى بالتنسيق مع تجار عرب يروجون لها.

بعد الاعتقال بنحو عامين روجت مصادر أمنية إن التاجر الكردي الموقوف بات طليقا عقب صفقة كبيرة لم توضح تفاصيلها. ويظهر فيديو حصل عليه كاتب التحقيق، دون التأكد من تاريخ تسجيله ومكانه، الضابط التاجر لحظة استقباله بترحاب واضح من قبل مجموعة من الأشخاص.

 

ضابط كبير آخر في شرطة نينوى، أكد متابعتهم للعديد من تجار المخدرات الذين يعملون على ادخالها الى مدن المحافظة، مشيرًا إلى أنهم رصدوا انتشارًا كبيرًا للمخدرات في الجانب الأيسر وتحديدًا في حي الانتصار الشعبي. مؤكدًا تعدد منافذ التهريب خاصة من مدينة أربيل إلى الموصل عبر تاجرة تدعى (زينب) بمساعدة زوجها (آراس)، مشيرًا الى أن مصدرها الأول هو ايراني.

يوضح ضابط كبير، أشرف على العديد من ملفات المتهمين بتجارة المخدرات في بغداد، أن المهربين باتوا يستخدمون طرقا غير تقليدية للتهريب كالطائرات المسيرة التي تستطيع بعضها حمل ما بين 20 و30 كيلوغراما، والبعض يستخدم طائرات شراعية في التهريب، مبينا أن احداها اسقطت في البصرة في شهر حزيران/يونيو 2022 وكانت تحمل مليون حبة كبتاغون.

في اقليم كردستان أبلغنا مسؤول اداري في نقطة حدودية مع ايران، أن التهريب ينشط في المناطق الجبلية من خلال العتالين، الذين يعبرون الحدود مشيًا لساعات عبر قمم وأودية جبلية وعرة ومزروعة بالألغام حاملين بضاعتهم التي يضعونها أحيانا داخل أجهزة كهربائية أو مواد منزلية.

يوضح المسؤول ان التجار يبتكرون طرقًا مختلفة للتهريب أحيانًا بوضعها داخل لعب أطفال أو علب العصائر أو المفروشات “لكن أخطرها يتمثل باعادة تدوير (تصنيع) مواد وأدوية طبية منتهية الصلاحية بتحويلها إلى حبوب مخدرة وإرسالها إلى الاقليم”.

وكان مواطن ايراني حاول إدخال 275 غراما من المخدرات إلى كردستان في معبر حاج عمران الحدودي بتاريخ 28/6/2022 من خلال وضعها داخل “شرجه”.

كما وأحبطت السلطات العراقية في آذار/مارس 2023 محاولة تهريب أكثر من ثلاثة ملايين حبة مخدرة عبر منفذ القائم الحدودي مع سوريا، كانت مخبأة داخل صناديق شحنة فاكهة التفاح.

لا تقتصر عمليات التهريب بالحدود الشرقية، فمجلس أمن اقليم كردستان، أعلن في يوليو/تموز 2022 عن ضبط 500 كغم من المواد المخدرة في أربيل كانت قادمة من محافظة كركوك، كانت عبارة عن حبوب مخبأة داخل أجهزة لصنع العصائر.

هاوكار أحمد (اسم مستعار) وهو تاجر مخدرات معتقل، من مواليد 1978، يرى بحكم خبرته، أن إيران تعدّ المُصدَر الرئيسي للمخدرات المنتشرة في الاقليم، وان تركيا تأتي بالمرتبة الثانية.

هاوكار الذي يقضي حكما بالحبس لخمس سنوات بسجن دائرة اصلاح الكبار في السليمانية، كان يعمل في مجال إنشاء الأرضيات الداخلية للأبنية، بدأ بالتعاطي في سنة 2016 وبعد عامين تحول للمتاجرة بها. يقول -أثناء لقاء معد التحقيق معه داخل السجن- إن المخدرات باتت تنتشر بشكل كثيف داخل الجامعات وبين طلبة الأقسام الداخلية وحتى بين عناصر القوات الأمنية.

كما وكان برلمان اقليم كردستان العراق قد صادق على قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (1) لسنة 2020.

دلاور نوري (33 عاما) الذي ترك قضاء رانية ليعمل في السليمانية بمجال البناء، وهناك أدمن على المخدرات، قضى تلك الفترة ومع الافراج عنه عاد للتعاطي ليلقى القبض عليه مجددًا ويحكم بالحبس الشديد لمدة ثلاثسنوات.

دلاور، الذي يقول انه يتعاطى في كل جرعة ما بين غرام إلى غرام ونصف من المخدر، برر عودته للتعاطي باليأس الذي يحيط بحياته مع تبرؤ عائلته منه. ويؤكد تضاعف عدد المتعاطين بسبب “البطالة واليأس من المستقبل”، مقدرا عدد المتعاطين في مدينته رانية بأكثر من 1800 شخصا وبأرقام أكبر في قلعة دزة وخانقين وكلار وكفري.

يضيف دلاور “ما ان تبدأ بالتعاطي حتى تكبر المشكلة، وحين تكتشف ذلك لا تجد أحداً يساعدك، لا مراكز للاستشفاء ولا اهتمام حكومي، فتجد نفسك في دائرة لا خروج منها، والأخطر حين لا تجد المال لشراء حاجتك فتضطر لدخول حلقة الترويج والبيع أو شبكات الجريمة”.

تختلف أسعار المخدرات باختلاف أنواعها، فيصل سعر الكيلوغرام الواحد من نوع الحشيشة إلى 500 دولارأميركي، أما الأنواع الأخرى فتبدأ من ألفين دولار وأكثر وفقا للتاجر (ن. ز) (43 سنة) الذي بدأ بالتعاطي في 1997 عندما كان مقيما في العاصمة التركية أنقرة، واستمر في ذلك بعد انتقاله إلى بريطانيا ومن ثم عودته إلى كردستان في العام 2011.

تاجر المخدرات المدان الذي يحمل اقامة بريطانية دائمة، وقع في قبضة قوات الأمن الكردية في كانون الثاني 2016 بعد ضبط 890 غرامًا من المخدرات بحوزته ليحكم عليه بالسجن 16 سنة، 15 منها بتهمة التجارة وسنة واحدة بتهمة التعاطي.

كويستان محمد وزيرة العمل والشؤون الاجتماعية في حكومة إقليم كردستان

بعكس بقية المدانين بدأ (ن. ز) مرحًا ومنفتحًا في الحديث، فالرجل ذو الجسد الضخم المليء بالأوشام والوجه العريض والرأس الأصلع، والذي تزوج مرتين وله ثلاث بنات، يتطلع لحياة مختلفة حين يصبح طليقًا، هو يعمل طباخًا داخل سجن دائرة إصلاح الكبار في السليمانية، وهو ما يسمح له التجول بأريحية داخل صالات السجن دون رقيب.

(ن. ز) الذي رفض تأكيد انتشار المخدرات بالسجن، لم يتردد في كشف أكثر طريقة لنقلها “بوضعها داخل الأعضاء التناسلية للنساء الزائرات”.

يكشف المشرف على شبكة “تنسيق المنظمات” في كردستان سيروان كه ردي عن وجود عصابات داخل الجامعات والمدارس تروّج للمخدرات بين الشباب عبر بيعها بأسعار مُنخفضة، ومع ادمانهم عليها يبيعونها بأسعار مضاعفة “انها طريقتهم المفضلة لزيادة أعداد المتعاطين”.

ينتقد كه ردى عدم وجود أي مراكز لعلاج المُدمنين رغم وجود عشرات الآلاف ممن يأملون بتلقي المساعدة، وينبه الى ان غيابها يفاقم الأزمة أكثر ويظهر أن الاقليم مازال بعيدا عن أي خطة متكاملة لمواجهة انتشار المخدرات في ظل تزايد عدد متعاطيها شهرا بعد آخر، لتُغرِق مزيدا من الشباب وعوائلهم في الفشل واليأس.

أنجز التحقيق بدعم وتحت إشراف شبكة “نيريج” للصحافة الاستقصائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى