الاتفاق السعودي الإيراني: المفاوضات في بغداد والتوقيع في بكين.. لماذا؟

بغداد- منتظر الخرسان
خطوات عديدة خلال السنتين الماضيتين قام بها العراق محاولاً استعادة دوره الإقليمي ظهرت إلى الإعلام مؤخراً وظهر معها دور سياسة البلاد الخارجية ومستوى تأثيره على المحيط العربي.
إذ أسهمت وساطة الحكومة العراقية في المفاوضات الدائرة بين الجارتين الخصمين، السعودية وإيران، في تقريب المسافات بينهما وصولاً إلى توقيعهما اتفاقاً تصالحياً في بكين.
ويشير محللون إلى أن السياسة الخارجية في أي بلد هي انعكاس للسياسة الداخلية فيه ولمدى تماسك الحكم واستقراره.
فمنذ تغيير نظام الحكم عام 2003 لم تكن هناك أفكارا ورؤى داخلية متفاهمة ومتقاربة بين قادة الكتل السياسية تساعد على بناء سياسة خارجية واضحة المعالم في ظل ارتباط كل طرف داخلي بطرف إقليمي.
انعكس ذلك تقلباً في المواقف اتجاه السعودية، فتارة يسود التوتر العلاقة بين الطرفين وبعدها بفترة زمنية يحصل انقلاب في الرؤية السياسية ليتجه العراق نحو الانفتاح العربي، ومن ثم تعود الحكومة العراقية مرة أخرى لتأخذ الموقف المحايد.
مع حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي بدأ العراق في التحول ليكون ساحة للحوار وتقريب وجهات النظر بين المملكة العربية السعودية وجمهورية ايران سعياً لإعادة وصل ما انقطع منذ عام 2016 على خلفية اعدام الرجل الدين الشيعي البارز الشيخ نمر النمر ثم إقدام مئات المحتجين الإيرانيين على اقتحام السفارة السعودية في طهران وحرقها.
ويرى خبراء في الشأن السياسي أن اختيار العراق ليكون مكانا وساحة للتفاوض جاء نتيجة لما يمثله النفوذ الإيراني فيه، وان قبول السعوديين بذلك كان بهدف احتضان العراق عربيا فضلا عن دخول السعودية في تنفيذ بنود الاتفاق الاستثماري الذي وقع بين بغداد والرياض لدى زيارة الكاظمي في عام 2021 وتأسيس صندوق مشترك يقدر رأس ماله بثلاثة مليارات دولار اسهاما من السعودية في دعم الاستثمار بالعراق، وهذا العمل يتطلب ارض مستقرة امنياً ولا يمكن ذلك ان لم يحصل اتفاقا مع الطرف الايراني الذي يمتلك اذرع مسلحة في بلاد الرافدين وقد يهدد تلك الاستثمارات.
ويكشف رئيس الوزراء العراقي الأسبق عادل عبد المهدي أن الخطوة الأولى في هذا الحوار كانت من الجانب الإيراني إذ إنه لمس في أيلول (سبتمبر) 2019 من قائد فيلق القدس آنذاك قاسم سليماني رغبة جادة في التفاوض والجلوس الى طاولة النقاش طالباً بأن يقود العراق الوساطة.
بدأت جولات التفاوض سرية في نيسان (أبريل) 2021 بحضور رئيس المخابرات السعودية خالد حميدان ونائب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد عرفاني وتبع هذا الحوار زيارة مستشار الامن الوطني الاماراتي طحنون بن زايد الى طهران إذ كانت الامارات آنذاك احدى الدول الخليجية المتضامنة مع السعودية في قطع العلاقات مع إيران.
واستمرت المفاوضات والحوارات بعد ذلك وتحقق منها خمس جولات حتى عام 2022 إلا أن الإعلان عن الاتفاق النهائي لم يكن في بغداد بل على أرض بكين.
الصين التي استضافت الإعلان عن الاتفاق السعودي الإيراني ارادت وفقاً لمختصين أن تشير لامتلاكها قوة التأثير في الساحة العربية والاقليمية وان تقول أيضاًَ أن الصراع بين دول بهذا الحجم لا يمكن إيقافه الا من قبل دول ذات تأثير على المستوى العالمي قادرة على توفير الضمانات الحقيقية للطرفين في حال نقض احدهم بنود الاتفاق، وهذا الامر مفقود لدى العراق بينما الصين قادرة على اتخاذ أي قرار اتجاه أي طرف منهما.
كما أن هناك سببا آخر دفع بالصين لرعاية هذا الملف بحسب مراقبين، هو حصولها على عقود استثمار كبيرة داخل المملكة العربية السعودية بعد القمة الثنائية التي عقدت في الرياض، وهي تتبع السياسة ذاتها مع طهران اذ تريد الحصول على استثمارات في السوق الإيرانية.
في المقابل فإن كلا البلدين السعودي والإيراني يحاولان ترتيب أوراقهما الداخلية والخارجية بعد خسائر كبيرة لهما في حرب اليمن والحراك الاحتجاجي الأخير في إيران.
وبالعودة للدور العراقي في صناعة هذا الاتفاق الاقليمي يبين استاذ العلوم السياسية نجم الغزي ان السياسة الخارجية العراقية لن تكون فاعلة إن لم ترافقها سياسات داخلية عنوانها التماسك فيما بين الكتل والاحزاب الحاكمة.
ويرى أن “حالة التشظي في السياسة العراقية الداخلية وقفت حجر عثرة امام بغداد بان تلعب دورا سياسيا في العالم العربي” وأن ما حصل على مستوى جولات المباحثات بين ايران والسعودية “هي محاولات للتوازن مع المحيط الاقليمي والعربي”.
ويرى الغزي ان العراق وعلى مدار 20 عاما لم ينتج توازناً سياسياً ولا مفهوماً واضحاً للأمن القومي، “فكل تغيير حكومي يصاحبه تغيير في السياسة الخارجية لذا تجد الدبلوماسيين العرب يواجهون مشكلة في التفاهم مع العراق فلا يعرفون من هو مركز القرار”.
ويتابع “لدينا المكون الكردي له سياسة خارجية مختلفة وتعاملات محددة وكذلك المكون السني وايضا المكون الشيعي فالعراق بحاجة الى سياسة عراقية خارجية تنعكس بشكل ايجابي من الداخل الى الخارج”.
الباحث السياسي قاسم الشويلي يرى أن ما ساعد العراق على لعب دور في احتضان المفاوضات هو ظروف منطقة الشرق الأوسط التي اتجهت نحو التهدئة منذ عام 2021 وهدنة حرب اليمن ومن بعدها عودة سوريا الى محيطها العربي بعد الزيارة الأخيرة لبشار الأسد الى الامارات ومصادقة لبنان على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل برعاية أمريكية.
“هذه الظروف كان لها أثرها في ان يكون العراق حاضنا للجولات والمفاوضات ولكنه غير قادر على ان يكون ضامنا لحقوق الدولتين في حال توصلتا الى الاتفاق” يقول الشويلي.
ولا يمكن القول بحسب هذا المحلل إن المفاوضات بين السعودية وإيران أدت بشكل مباشر إلى إعادة العراق للعب دور إقليمي “لكن بغداد بدأت تؤثر في المنطقة وتسهم في تحسين العلاقات بين الدول العربية والإسلامية”.
ويتفق الشويلي مع الغزي في أن البلاد “بحاجة ماسة لمزيد من الجهود الداخلية لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي كي تتمكن من لعب دور أكبر على المستوى الإقليمي والعربي”.