العراقي “صاحب المليون قلم” الذي لايزال خارج موسوعة غينيس

بغداد- مصطفى جمال مراد

قرب صرح المتنبي على ضفاف نهر دجلة في “سوق سراي” التاريخي يمتلك علي المندلاوي محلاً صغيراً يتميز بعدد الأقلام المعروضة داخله وهو عدد يسمح له بدخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية.

الرجل الخمسيني المعروف بـ “صاحب المليون قلم” وكذلك بلقب “عاشق الأقلام” بدأ العمل في سوق سراي في ثمانينيات القرن المنصرم وهو بعمر الـ 15 سنة.

ولأنه الابن البكر في العائلة والمسؤول عن تأمين معيشتها بعد وفاة والده لم يكن أمامه آنذاك من خيارات سوى أن يفتتح “بسطية” متواضعة لبيع الأقلام بناء على نصيحة أسداها له صديق يملك متجراً في السوق.

يقول المندلاوي إن اختياره لبيع الأقلام في ذلك الوقت كان مدفوعاً بحبه لها، “فهي ليس مجرد وسيلة للكتابة بالنسبة لي بل صارت تعبر عن هويتي”.

يصعب إيقاف المندلاوي ما أن يبدأ الحديث عن الأقلام، لكن تسهل قراءة تعابير الزهو والفخر في وجهه عندما يتحدث عن العراق وتاريخه مع هذه الأداة إذ يوضح “جامع الأقلام” أن بلاد الرافدين في فترة الحضارة السومرية كانت السباقة لاختراع الكتابة المسمارية بواسطة “القلم السومري” وكان القلم عبارة عن عود من الخشب يكتب به على ألواح من الطين اللزج ثم يجري تجفيف الألواح الطينية تحت الشمس.

ويبين المندلاوي أهمية القلم في الحضارة الإسلامية إذ ورد في القرآن الكريم في “سورة القلم” وفي أكثر من موضع آخر كنايةً على أهمية العلم والمعرفة.

ويقول: “منذ مدة طويلة لم أعد أجمع الأقلام بهدف الربح أو لمصلحه شخصية لكني أحببتها لأنها اقترنت بي وأصبحت هوايتي والوحيدة وأنا الآن مشهور بفضلها وبفضل الناس”، مضيفاً أنه وصل  في فترة من حياته إلى مرحلة كان يستدين فيها المال لغرض شراء الأقلام.

المكان الذي يعمل فيه المندلاوي أصبح وجهة يقصدها عراقيون وأجانب ممن تملّكهم الفضول لمشاهدة هذا الكم الكبير من الأقلام بأعينهم.ويعلق المندلاوي على ذلك بالقول: “بفضل تلك الزيارات صرت أبيع أكثر، لكنني بالوقت نفسه صرت أتعرف على مختلف شرائح المجتمع، فالقلم جعلني قريباً من المعلم والكاتب والمهندس والشاعر والقاضي والطبيب وجذب إلى أناساً على مستوى عالٍ من الأدب والخلق”.

وعلى الرغم من صغر حجم محل علي المندلاوي” إلا أن المئات عبروا من جانب هذا المحل بينهم مشاهير التقطوا صوراً مع جامع الأقلام بين آلاف الأقلام المعلقة على الجدار أو الموزعة داخل المحل، ويضيف: “بعضم يعاودون زيارتي بعد سنوات طويلة ويقولون لي: مازلنا نحافظ بالقلم الذي أهديته لنا”.

يحرص المندلاوي -سواء في تجارته أو في هوايته- على جمع أقلام ذات نوعية مميزة معتبراً أن “قلماً واحداً ذا نوعية جيدة أفضل من مليون قلمٍ رديء” مؤكدا على أن المليون قلم التي جمعها كلها تتميز بالفرادة وجودة النوعية، ومضيفاً: “لم أجمع الاقلام بين ليلة وضحاها لكن تطلب مني ذلك وقتاً طويلاً”.

بعض الأقلام التي جمعها المندلاوي اشتراها أيام كان بائعاً على “البسطية” وهي من أجود أنواع الأقلام آنذاك كانت الدولة العراقية تستوردها وتضعها في الأسواق المركزية المعروفة آنذاك بأسواق “أورزدي باك”. يقول: “كنت احصل عليها من قبل العاملين الذين يكتسبون حصصهم من الدولة وكانت تأتي من ألمانيا وبريطانيا والصين لكنها جميعاً من نوعية راقية يصعب الحصول عليها من مكان آخر”.

كما أن هناك أنواع مختلفة من الأقلام يعرضها هذا محل المندلاوي مثل قلم”القصبة” المصنوع من الخيزران وهو قلم قوي يستخدمه الخطاطون وكذلك قلم “الريشة” المصنوع من ريش أجنحة الطيور الكبيرة.

ويقول “صاحب المليون قلم”: “بعض الأطفال يرغبون في تعلم طرق الكتابة القديمة أو تعلم الخط العربي باستخدام قلم القصبة فيأتون صحبة ذويهم إلى محلي” مشيراً إلى أن “الأقلام هذه لا تكتب بسرعة وتحتاج إلى تأنِّ وصبر ووقت طويل”.

أثناء استعراض الأقلام في محله أشار المندلاوي إلى أقلام تنتمي لحقبة السبعينيات والثمانينيات كان سعرها آنذاك  15 أو 20 فلساً ومكتوب عليها: “صنع في العراق من قبل شركه النور ش.م.م”. 

لهذه الفئة من الأقلام الوطنية زبائنها المخلصين إذ يوضح المندلاوي أن “هناك من يمتلكون هذه الثقافة، يشترون الاقلام العراقية الأصلية ولو بسعر عالٍ بدلاً من شراء مئة قلم تجاري”.

ولدى هذا الرجل أقلام فريدة وأخرى من ماركات عالمية تصل أسعارها إلى ألف دولار مثل قلم “مونت بلاك” واقلام “بارك” “وشيفر” وعدد من الاقلام الإيطالية والألمانية، وهناك أقلام تحتوي في أجزاء منها على معدن الذهب وبعضها ينتمي لمجموعة صغيرة ونادرة مملوكة كانت مملوكة من قبل شخصيات معروفة.

لكن ليست جميع الأقلام في متجره للبيع،”أنا أفضّل أن أهدي القلم القديم كي يعرف الشخص قيمة القلم فإذا قمت ببيعه لن يعرف قيمته ولن تتغير نظرته إلى الأقلام”.

اما بخصوص رقم المليون الذي تمكن من تحقيقه  فلا يعتبره رقماً نهائياً بل يقول: “سوف استمر بشراء المزيد من الأقلام وسوف اقوم بإضافتها للمليون” مضيفاً أنه لم يسعى حتى الآن لدخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية لأن الأمر يحتاج دعماً من قبل الحكومة أو المنظمات المحلية، آملاً بالحصول عليه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى