الناصرية سقطت بعد اسبوع: وشهادات عن ليلة تحرير المجندة جيسيكا
الناصرية – مرتضى الحدود
عشرون عاما مضت على الغزو الأمريكي للعراق الذي لم يستغرق سوى أيام حتى تم اسقاط النظام الحاكم آنذاك الا انها كانت حافلة بالمفاجآت وفي مقدمتها معركة الناصرية التي أوقفت زحفهم لأسبوع.
الولايات المتحدة الامريكية قادت تحالف من 49 دولة لغزو العراق عام 2003 تحت ذرائع مختلفة الهدف منه تغيير النظام الحاكم الذي يرأسه صدام حسين واستغرقت العملية العسكرية 43 يوما انطلقت في 20 اذار 2003 وانتهت في الأول من نيسان للعام ذاته.
اثناء العمليات العسكرية لم تكن ضمن خطتها بحسب خبراء امنيين بان لا تدخل الى مراكز المدن، بل تقوم بعملية التخطي والمسير على الطرق الرئيسية البعيدة عن الاحياء السكنية للوصول الى بغداد ومحاصرتها، الا ان هذه الخطة واجهتها مقاومة عنيفة عطلت عمليات الزحف العسكري لعدة أيام وفي مقدمته معركة الناصرية والتي حصلت عند الحدود الإدارية للمدينة عندما حاولت القوات اختراق الخط الاستراتيجي المسمى الطريق السريع الذي يمر وسط المدينة.
الطريق السريع المستهدف من قبل القوات الامريكية يربط مدينة البصرة بمدينة الناصرية ومدينة الكوت الا ان على جانبيه احياء سكنية شعبية تمركزت فيها قوة من الجيش ومقاتلي فدائيي صدام وحزب البعث مستعينين بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
المواجهة العسكرية في مدينة الناصرية تسببت في تأخر تقدم القوات الامريكية عدة أيام وعملت هذه القوات على ضرب منافذ النيران المنفتحة عليها بالطائرات تارة والمدفعية تارة أخرى.
معركة الناصرية نتج عنها استهداف احدى القوافل العسكرية المكونة من عدة عربات للإمدادات بعد نصب كمين محكم من مقاتلي الفدائيين وحزب البعث قرب مصنع القابلوات في المدينة وانتهى الكمين بإصابة المجندة الأميركية جيسيكا لينشن وأسر عدد من الجنود وقتل اخرين حيث تجول المقاتلون داخل شوارع المدينة مع الجثث ومع اسيرتهم جيسيكا التي نقلوها الى المستشفى لتخضع الى العلاج والرعاية الطبية تحت حراسة مشددة.
موسى الخرسان يعمل ضمن الكوادر الطبية في المستشفى الرئيسي الذي تلقت المجندة الامريكية العلاج فيه يتحدث لـ”المنصة” عن ليلة تحريرها من قبل القوات الامريكية ويقول “جيسيكا كانت راقدة داخل ردهة الإنعاش الباطني في الطابق الأول وكنت اعمل مع الطواقم الطبية والتمريضية في الطابق الأرضي وعند الساعة الثانية عشر ليلا داهمت المستشفى قوة عسكرية كبيرة ترافقهم طائرات مروحية فتحت الأبواب عبر صواعق انفجارية”.
الخرسان يقول ان القوات الداخلة قامت بتقييد مدير المستشفى آنذاك ومن ثم حمل المجندة والخروج بها واعتقال أحد الموظفين الإداريين داخل غرفة المجندة وكان يراقبهاواقتياده معهم وبعد مرور أسبوع كامل تم الافراج عنه.
القوات الامريكية لم تغادر المستشفى فور حصولهم على جيسيكا بل قاموا بإخراج جثث قتلاهم الذين تم دفنهم بالقرب من المستشفى في الأرض المجاورة واستغرقت العملية قرابة ساعتين ولم تكن هناك أي قوة عسكرية لمواجهتهم سوى من الجيش او مقاتلي حزب البعث المنحل.
لازال المواطنين يستذكرون حجم الخوف وكيف تعاملوا مع الاحداث تلك الأيام التي استغرقت مدة وجيزة قبل اسدال الستار على المعركة وسقوط المدينة.
عمار هادي احد الساكنين في حي الفداء القريب من الطريق السريع والذي كان ساحة للمعركة يقول لـ”المنصة” انها كانت “أياما صعبة” رغم الفرح بتغيير النظام الا ان القوات الأجنبية لديها الاذن بقتل أي شخص او مجموعة تقترب منهم كما ان مقاتلي النظام السابق والفدائيين كانوا يتخذون من الاحياء السكنية القريبة منهم مكانا لصد تقدمهم.
المنزل الذي كان يسكنه عمار في تلك المدة كان مطلا على الطريق السريع ولا يمكنه الخروج منه لجلب بعض المستلزمات المطلوبة للمنزل او حتى الهروب لذا يعمد الى القفز من الحائط الخلفي والتواصل مع أصحاب المساكن المجاورة.
شاهد اخر وهو أبو جميل البالغ الرجل الستيني الذي يسكن في احد القرى القريبة من نهايات الطريق السريع اضطر هو وعائلته والعوائل المجاورة الى ترك منازلهم والذهاب الى الأماكن البعيدة خوفا من استهداف المدنيين بعد اشتداد المعارك هناك.
لم يعد أبو جميل الى منزله الا بعد خمسة أيام من هدوء المواجهة العسكرية مستخدمين أسلوب الاستسلام برفع قطعة قماش بيضاء حتى وصل بالقرب من القوات الأميركية التي كانت تتواجد بالقرب من منزله، طلبوا منه الانبطاح ارضا وتفتيشه ثم تحدث الى احد الضباط بوجود مترجم سمح له الضابط ولباقي سكان الحي بالبقاء مقابل رفع الاعلام البيضاء على منازلهم وهي إشارة الاستسلام.
العميد العسكري المتقاعد نصير السلام الجابري عمل في قيادة عمليات الفرات الأوسط قبيل سقوط النظام الحاكم قال ان قوات الجيش العراقي في تلك المدة تمركزت في المناطق الواقعة شرق نهر دجلة أي باتجاه ايران أي ان المخاوف المحتملة كانت لديهم من ايران اكثر من مخاوفهم من القوات الامريكية فيما تمركزت فرقتين عسكريتين في جنوب العراق وهما الفرقة 14 في البصرة وكان واجبها متابعة الحقول النفطية والفرقة 11 في مدينة الناصرية وتم تجنيد مجاميع من الناس لغرض قتال القوات الداخلة الى جانب الفدائيين من العرب والعراقيين.
بعد أسبوع واحد من المقاومة سقطت المدينة الجنوبية حيث صحا أهالي الناصرية فجر يوم 29 آذار على خبر سقوط مدينتهم وتقدم القوات الأميركية باتجاه مدينة الكوت (180 كلم) جنوب بغداد.
لازال الأهالي هناك يسردون حكايات ليلة السقوط لاولادهم الذين ولدوا بعد الغزو الأميركي للعراق والذين لا تخزن ذاكرتهم أي من تلك الحكايات التي يرونها اقرب الى الخيال من الحقيقة.