تبادل الأطباق.. عادة اجتماعية صامدة في زمن التغيرات 

بغداد _فاطمة كريم 

تعلو أصوات الطرقات على أبواب البيوت في حي التاجي في بغداد وكأنها تنبيه لاقتراب وقت الإفطار ثم تبدأ بعدها صحون الطعام بالتنقل من منزل إلى آخر يحملها أطفال صغار برفقة أمهاتهم في تقليد يعرف بـ “صينية رمضان”.

الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها سكان البلاد منذ بدء جائحة كورونا وارتفاع سعر الدولار لم تقف عائقاً أمام استمرار هذه العادة الرمضانية المتوارثة منذ زمن بعيد في أحياء العاصمة التقليدية.

“أم عادل” واحدة من النساء المحافظات على هذه العادة تتذكر كيف كانت والدتها تحضّر وجبات الطعام في منزلها لتوزعه في أطباق على الجيران في شهر الصيام. 

وتتابع السيدة الخمسينية أن عادة توزيع الأكل استمرت رغم ظروف التباعد الاجتماعي والتقدم التكنولوجي وأنها بعد ان تزوجت وانجبت ولدين وبنت نقلت هذه العادة إليهم.

“اعتدت منذ صغري على رؤية طبق او طبقين على الاقل على المائدة من الجيران وبالمقابل أنا أرسل اطباق الاكل إلى جيراني. هكذا نشعر اننا جميعاً عائلة واحدة”، تضيف. 

لكن أم عادل التي تسكن أحد الاحياء الشعبية في منطقة التاجي في بغداد تخشى أن تنحسر هذه العادة مع الزمن، خصوصاً مع تطور الحياة وانتقال الأسر من المناطق القديمة الى المناطق الأكثر حداثة وتقول: “في المناطق الجديدة من العاصمة تغيرت الموروثات الشعبية والعادات التي كانت تحرص عليها العائلات ومن بينها صينية رمضان”.

سارة ابنة أم عادل، فتاة في منتصف العشرينات تتذكر هي ايضاً مرحلة طفولتها وكيف كانت تدخل المطبخ مع امها وجدتها لإعداد الإفطار، “قبل الآذان تقوم أمي بإعداد صينية تضع عليها أكلاتها ومن ثم أذهب معها نقدمها الى الجيران”.

يقاطعها شقيقها عادل قائلاً: “توزيع الطعام في هذا الشهر ليس عادة فقط بل هي واجب علينا، فنحن نعلم أن الأسر المحتاجة من حولنا كثيرة”.

وترتبط عادة تبادل “صينية رمضان” بين الأصدقاء والجيران بشهر الصيام على اعتبار أن هذا الشهر مناسبة لتجديد الود والتضامن بين ابناء الحي الواحد، كما أن هذه العادة فرصة لتذوق اصناف متنوعة من الطعام يحرص الجار على تقديمها للآخر خصوصاً إذا كان الأخير في ضائقة معيشية.

ويبدو دور المرأة واضحاً في ترسيخ هذه العادة والحفاظ عليها فالنساء هن من يعددن الطعام في معظم الحالات ويقمن بتعليمها لأطفالهن.

تقول أم عادل “رغم ارتفاع درجة الحرارة وتعب الصيام أحرص على جمع عائلتي في المطبخ وتعليمهم أصول العادات التي تعلمتها من أمي وجدتي، فهي تنمّي لديهم روح الألفة والمحبة والتعاون في هذا الشهر الفضيل”. 

أم محمد، 48 عاماً، تسكن الى في ذات الحيّ في منطقة التاجي منذ أكثر من 15 عاماً تقول “كانت هذه العادات منتشرة سابقاً بشكل أكبر، وكان جميع الجيران أحياناً يفطرون على سفرة واحدة سوية لتقوية الروابط ولقد تعرفت على ام عادل منذ ذلك الوقت”.

لكن أم محمد -مثلها مثل جارتها- تخشى من تبدّل العادات، فمشهد الأطفال منتشرين وسط الحي حاملين الاطباق بأيديهم الصغيرة يهمّون بالطرق على أبواب الجيران قبل بدء موعد الافطار بدأ بالانحسار شيئاً فشيئاً في بعض المناطق.

تقول هذه السيدة: “لقد تم استبدال عادة صينية رمضان بوجبات جاهزة من المطاعم يرسلها المتبرعون عن طريق عمال التوصيل والسائقين، وفي أحياء أخرى باتت الأسر التي تقطن الحي الواحد لا تعرف بعضها بعضاً”.

وتوضح أم محمد أن “صينية رمضان يجب ان تكون محتوياتها من صنع ربة المنزل حصراً ولا يحبب ان تكون الأطعمة المقدمة مشتراة أو من أصناف جاهزة أو معلبة ومن غير اللائق أن تكون الأطعمة باردة”.

وتقتضي عادة “صينية رمضان” توزيع الطعام على الجيران بشكل شبه يومي حتى أن كثيراً من الأسر تعتمد عليها قوتاً يومياً لأفرادها في شهر الصيام وفترة الأعياد.

وتضيف أم محمد: “تتجنب ربة المنزل أيضاً إرسال الأطعمة في أطباق بلاستيكية كما يفعل البعض في هذا الوقت بل ترسلها في أطباق خاصة مصنوعة من الزجاج أو الخزف وتقوم ربة المنزل بوضع علامة في أسفل الطبق لتميزه عن غيره من الأطباق”. 

وبعد سؤال ام محمد عن محتويات الاطباق التي قامت بتوزيعها في صينية رمضان قالت إن “الأطعمة اليوم تتنوع  أكثر من السابق اذ باتت تضم أصنافاً أكثر منها البرياني والدولمة بالإضافة الى المعجنات كما لا تخلو صينية رمضان من الحلويات مثل “الكاستر” و”الجيلي” والقطايف، وكذلك التمر واللبن الذان يعدان من أساسيات سفرة رمضان”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى