“البطالة ليست قدراً”.. مشاريع صغيرة تحقّق الاستقلال الاقتصادي للنساء

السليمانية- إلهام أركان يحيى

تقضي مريم نوري جزءاً من يومها إما جالسة خلف ماكينة استخراج الزيوت، أو منشغلة في تحضير دبس الرمان ورب الطماطم أو في البساتين القريبة من منزلها في مدينة السليمانية تجمع المواد اللازمة لصنع منتجاتها البيتية، لكنها أحياناً تقضيه وهي تقود دراجتها النارية على الطريق بين المنزل والبستان أو بين الورشة والسوق.

لم تتمكن مريم ذات الـ 23 عاماً من إكمال تعليمها سوى إلى المرحلة الإعدادية، لكنها أصرت على أن تخطّ لحياتها مساراً خاصاً، فبدأت بالعمل مندوبة مبيعات براتب شهري، لكن هذا العمل لم يرضي طموحها فاقترحت على زوجها البدء بمشروع لصنع المنتجات الغذائية من مواد طبيعية ثم بيعها في أسواق المدينة. 

“في البداية رفض زوجي الفكرة خوفاً من تعرضي لمكروه أثناء العمل لكن اصراري على العمل من أجل تغيير حياتنا جعل زوجي يقتنع”، تقول مريم.

وتضيف أن “العودة لأحضان الطبيعة” كان الخيار الأنسب بالنسبة لها، فحرفة صناعة الزيوت والمنتجات الغذائية الطبيعية “حرفة صديقة للبيئة لا تستخدم فيها أية مواد ملوثة أو مصنعة”.

مئات النساء الأخريات في اقليم كردستان بحسب تقديرات منظمات محلية حولن ظروف  البطالة إلى فرص لتحسين حياتهن باقتحامهن مجالات عمل لم يكن يخططن لها سابقاً، مدفوعات برغبة الاستقلال الاقتصادي الذي لا يرتبط بتأمين حاجاتها المالية فقط بل أيضاً بدورهن داخل المجتمع.

تروي مريم أنها وكلما اضطرت لإجراء معاملة رسمية، كانت تلاحظ كثرة النساء العاملات في الدوائر الحكومية في مقابل ندرتهن في الأعمال الحرة والمشاريع الصغيرة، “فكرت أن اكون مختلفة، لذلك تركت عملي في الشركة وبدأت اصنع منتجات خاصة باسمي واخترت علج  المي ودبس الرمان  والجوز والمكسرات والزيوت”.

وتؤكد أن زبائنها أقبلوا بسرعة على شراء منتجاها وأن ما جذبهم “أن هناك فتاة في مقتبل العمر تملك مشروعها الخاص وتلعب دوراً في مجتمعها”.

وبحسب احصائية وزارة التخطيط العراقية لعام 2022 احتل العراق المرتبة الثانية من حيث نسبة بطالة النساء من بين الدول العربية، إذ بلغ معدل بطالة النساء في العراق 28.2% وهو ضعف معدل بطالة الذكور في العراق الذي بلغ 14.7%.

أما في إقليم كردستان ووفقا للإحصائيات الصادرة من وزارة العمل، فان نسبة البطالة في محافظة السليمانية قد بلغت 35% منها 17% للنساء مقارنة بـ 11% للنساء نهاية عام 2019.

بعد فترة قصيرة من عملها التفتت مريم إلى حاجتها لاقتناء سيارة لتسهيل حركتها وتوصيل منتجاتها، فتعلمت السياقة وتمكنت من استخراج إجازة سوق، لكن دخلها الشهري لم يكن كافياً لشراء سيارة مناسبة، “كنت أتعامل مع سيارة أجرة خمس مرات يومياً وكان جزء من الربح الذي أحصل عليه يذهب مصاريف تنقل  رغم عملي  المتواصل”.

ولكي تحل مشكلة التنقل اقترحت مجدداً على زوجها شراء دراجة نارية “موتوسيكل” ففوجئت بدعمه لها رغم الاعتراضات التي قد تواجهها من المجتمع.

وتستطرد مريم في رواية قصتها قائلة إن عملها توسع في الأشهر الماضية نظراً للجودة والنظافة التي تتمتع بها المنتجات، فبدأت بتوسعة المشروع واستقدام نساء أخريات للعمل معها كما اشترت مجموعة من الأدوات والمكائن اللازمة للإنتاج مثل ماكينة استخراج الزيوت.

وخلال فترة الوباء توقفت مريم عن البيع في محلات السوق بسبب الحظر لذا وجدت في شبكة الأنترنيت حلاً بديلاً. تقول “ركزت جهودي على الإعلان من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وإجراء بث مباشر لشرح طبيعة العمل ونوعية المنتجات وبهذا زاد عدد الزبائن الذين يتواصلون معي لشراء منتجاتي”. 

وتنتج مريم مجموعة من المنتجات الطبيعية الغذائية كما تنتج الصابون الطبيعي دون إدخال مواد حافظة أو ملوثة وبصلاحية تستمر لمدة أربع سنوات، متنقلة على دراجتها النارية من من ورشتها إلى البساتين أو إلى الأسواق.

ومن أهم ما تنتجه اللوز والجوز الذي تقطفه من بستانها ودبس الرمان الذي تصنعه بنفسها بعد شرائه من الفلاحين، “اجهز الطلبات يوميا واشتري بعض المواد من بساتين حلبجه مثل  ثمار شجرة الغزوان او شجرة الحبة الخضراء لصنع حلج المر والكرزات”.

كما تنتج انا مجموعة من الزيوت منها زيوت جوز الهند واللوز الحلو  والمر  وزيت الخردل وزيت الخروع، ومن بينها زيوت تحتاج أشهراً من التحضير أو التعتيق قبل بيعها في الأسواق مثل زيت عرق السوس  واكليل  الجبل واللافندر.

عندما تتذكر مريم وضعها قبل سنوات كمندوبة مبيعات وتقارنه بعملها الحالي تبدو وكأنها تتحدث عن شخص آخر. تقول “البطالة ليست قدراً.. على كل امرأة في العراق وفي اقليم كردستان أن تخلق مشروعها الخاص.. الأمر يحتاج منا إلى اتخاذ قرار والإصرار عليه”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى