جرائم وتهديدات تطال صانعات محتوى.. والسلطات من الصمت بحقهن الى التشجيع ضدهن

تحقيق حنان سالم

مساء يوم الأربعاء الأول من شباط/فبراير 2023 أقدم والد البلوكَر العراقية طيبة العلي على خنقها بيديه حتى الموت في منزله بمحافظة الديوانية جنوبي العراق الذي عادت اليه بعد سنوات من الغربة، ثم قام بتسليم نفسه للجهات الأمنية مبرراً فعلته بأنها كانت “غسلاً للعار”.

بتلك النهاية المأساوية انتهت أحلام الفتاة “طيبة”، لتضاف الى سلسلة طويلة من ضحايا عمليات القتل التي تتشابه نهاياتها وان اختلفت تفاصيلها. عمليات تبررها منظومة اجتماعية تميز بين الرجل والمرأة، وتبقيها قوانين تتساهل مع حالات القتل والتعنيف والتحرش بحق النساء طالما حصلت داخل العائلة والعشيرة.

جاء مقتل “طيبة”، في وقت أطلقت وزارة الداخلية العراقية، خدمة التبليغ عن ما تسميه بالمحتوى الهابط على وسائل التواصل. خدمة يقول معارضوها انها قد تتحول الى ذراع جديدة لقمع فتيات ونساء يعملن في مجال “صناعة المحتوى”، وانها قد تفتح بابا خطراً على فتيات يتم التبليغ عنهن لمجرد ان أحدهم لم يعجبه المحتوى الذي نشرته، لتدخل الفتاة دائرة الاتهام والتحقيق ما قد يعرضها لهجوم عائلتها وصولا الى “غسل العار”.

اغتصاب وغربة وقتل

القصة المتداولة في وسائل التواصل الاجتماعي، تشير إلى تعرض طيبة لاعتداء جنسي من قبل شقيقها وهو ما أدى إلى فرارها من المنزل إلى تركيا، لتتعرف هناك على شاب سوري يدعى محمد، قبل ان تعود الى العراق من أجل إقناع أهلها بالزواج منه.

وبحسب تسجيلات صوتية نشرتها صديقة طيبة على منصة انستغرام بدى أن هنالك مشكلة في عقد القران فالشاب لا يستطيع الدخول الى العراق والشيخ الذي من المفترض أن يعقد قرانهما رفض توكيل محمد، لأحد اصدقائه في العراق.

وبينت التسجيلات تعرض طيبة ليلاً للضرب من قبل شقيقها وهروبها الى الحمام واغلاقها الباب على نفسها، لكن اليوم التالي كان يحمل معه الموت لطيبة.

معدة التقرير تواصلت مع شرطة الديوانية، وأكدت أن الجريمة وقعت بدافع “غسل العار” حسب ادعاء والدها عند تسليم نفسه، وأنه اعترف بقتلها خنقاً بيديه بسبب هروبها الى تركيا بعد خلافات عائلية كبيرة.

نشرت صديقة أخرى لطيبة مراسلات فيها مقاطع صوتية لمشادات كلامية بينها الفتاة ووالدها تعاتبه فيها على صمته عن تحرش أخيها بها وتفضيله على باقي ابنائه، وهو أتهمها بأنها سافرت الى تركيا لتمارس أفعالا لا أخلاقية وأن حادثة التحرش غير مهمة حسب وصفه.

وبعد نشر التسجيلات تعرضت منار جابر (احدى صديقات طيبة) الى تهديدات من قبل ذوي طيبة، أكدتها بمنشور على حسابها في انستغرام.

وبدورها نشرت منظمة نسوية تدعى (ساندها لحقوق المرأة العراقية) عبر حسابها في انستغرام ما يؤكد تعرض طيبة لتهديدات بالقتل، وذلك عبر تسجيل صوتي تقول فيه الضحية لأحد أعضاء المنظمة أنها طلبت حماية من القوات الأمنية.

وزارة الداخلية العراقية اكدت جانباً من هذه القصة عبر بيان صدر عنها يوم 2 شباط/فبراير2023 “بإشارتها إلى أن الشرطة تلقت “مناشدة المرحومة طيبة العلي من محافظة الديوانية، وتم الاستماع لها وتقديم الدعم والمشورة من أجل التوصل الى حلول مناسبة للمشكلة التي حصلت بينها وبين أسرتها التي تم اللقاء بها أيضا لاحقا في مقر دائرة العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية”.

ولفت البيان إلى أن طيبة واسرتها تجاوبا لحل المشاكل التي بينهما وأنها توجهت إلى محافظة الديوانية حيث منزل العائلة وفقاً لواحدة من صديقاتها.ويتابع :”على إثر ذلك، وبعد أخذ الضمانات، توجهت الشرطة المجتمعية في محافظة الديوانية برئاسة مدير الشعبة إلى منزل هذه الأسرة وجرى اللقاء معهم والوصول إلى حلول مناسبة ترضي الجميع لحل الخلاف العائلي بشكل نهائي، إلا إننا تفاجأنا في اليوم التالي الذي من المفروض أن نلتقي بهم مرة أخرى، بخبر مقتلها على يد والدها كما جاء في اعترافاته الأولية”.

وأكد البيان بأن الوالد القاتل سلم نفسه لمركز الشرطة وأن التحقيقات جارية معه لمعرفة ملابسات الحادث بغية إطلاع الرأي العام بنتائجها.

خبر القتل انتشر بشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي، وبينما نقلت ناشطات نسويات، صور للعديد من ضحايا القتل باسم الشرف خلال السنوات الماضية مع التذكير بان القتلى يخرجون من السجون بعدها بفترات قصيرة ليعودوا الى حياتهم الطبيعية، علق الكثير من المتابعين لتلك الصفحات بعبارات تؤيد القتل بداعي الشرف داعمين تعليقاتهم بفيديوهات لطيبة اعتبروها مخلة أو لمجرد انها تعيش في تركيا مع خطيبها.

مقتل طيبة، أثار اسئلة أيضا بشأن حياة “شهيرات مواقع التواصل الاجتماعي” اللواتي يحظين بمئات آلاف المتابعين، وهن من جهة محل انتقاد من صحفيين وناشطين مدنيين كونهن يظهرن في بعض المناسبات العامة كوجوه اجتماعية ويتقدمن الصفوف في حين لا يملكن اي مؤهلات ثقافية ومعرفية ولا يتصدين لمشاكل البلاد ويساهمن في نشر المحتوى الهابط، ومن جهة يتعرضن للهجوم والتشهير من قبل عشرات آلاف المتابعين.

متنمرون ومحرضون، لكنهم متابعون !

(بلوگر، يوتيوبر، تيك توكر) أو غيرها، أسماء تطلق على الناشطات في هذه المنصات. يقول علي أحمد (27 عاما) وهو شاب يعمل في مجال تقنيات صناعة المحتوى على مواقع التواصل، ان هذه الشريحة التي ظهرت في السنوات الاخيرة وحصدت ملايين المتابعين تتعرض لمختلف أنواع الانتهاكات “بدءا من التنمر والتشهير، ومرورا بالتسقيط والتهديد، ويصل الأمر احيانا إلى حد القتل كما حدث لطيبة وكثيرات غيرها خلال السنوات الأخيرة”.

ويعلق علي، على ما يسميه البعض بازدواجية الشخصية لدى الكثير من المتابعين قائلا: “هم ينشغلون لساعات بمتابعة هؤلاء ويستمتعون بالتعليق على المحتوى الذي يقدمنه، لكنهم في ذات الوقت يؤيدون اتخاذ اجراءات قانونية بحقهن ويبررون ما يتعرضن له من اعتداءات”.

هنالك من يعدُ المحتوى الذي يقدمه هؤلاء متوافقا مع روح العصر، وخروجاً ايجابيا عن النمطية السائدة في الفكر الجمعي العراقي بغية دفعه للانفتاح والتطور، لكن آخرين يعتقدون بأنهن يكسرن ثوابت المجتمع، والتعبير عن هذا الموقف لا يتم أحياناً بنحو ودي، بل بعنف مميت كما حدث مع الشابة تارة فارس التي سقطت بثلاث رصاصات أطلقها عليها مسلح مجهول وهي تستقل سيارتها وسط العاصمة بغداد في أيلول/سبتمبر2018.

وشاع في وسائل التواصل الاجتماعي وقتها، أن سبب قتلها هي صورها وتصريحاتها الاجتماعية والسياسية التي كانت تنشرها مستفزة بها جهات مسلحة متطرفة، وقد أشار إلى ذلك وبنحو مباشر وزير الداخلية حينا قاسم الاعرجي، الذي قال بأن “القاتل ينتمي الى جماعة متطرفة” دون أن يسمي تلك الجهة.

ملكة جمال العراق السابقة شيماء قاسم عزت في فيديو على يوتيوب سبب ما وصفتها بموجات القتل التي تستهدف شخصيات من مشهورات في عالم التواصل الاجتماعي، هو تحريض قسم من المتابعين ضدهن، وقالت بأنهم يصفونهن بـ”عاهرات”.

شيماء دخلت نوبة بكاء لأنها كانت متأثرة لمقتل تارة فارس الذي لم يكن قد مضى عليه سوى ساعات فقط، وقالت بحدة :”أصبح دمنا رخيصاً وحياتنا بلا قيمة بسبب ما نتعرض له من تحريض ويتم قتلنا بدم بارد وبأيادٍ خفية اضاعت هيبة الدولة وحولت العراق الى غابة”.

وأكدت هي الأخرى تعرضها لتهديدات عدة اجبرتها على الخروج من العراق، واستشهدت بواحدة من تلك التهديدات “اجاچ السرة لترجعين” أي قد حان دورك فلا تعودي للعراق.

في ذات العام الذي قتلت فيه تارة فارس، تم الإعلان عن وفاة خبيرتي التجميل رفيف الياسري ورشا الحسن في ظروف غامضة، وقد وصف مقربون من الضحيتين ما حدث لهما على أنه جزء من سلسة قتل ممنهج ضد النساء اللواتي يؤيدن تحرر المرأة وممارسة دورها في المجتمع.

الطب العدلي كيف حالتي الوفاة بأنهما نجما عن مواد سامة ومشاكل في القلب. ومع أن ذلك لا يشير بالضرورة إلى حادث جنائي، إلا أن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء حينها  حيدر العبادي، أكد بأن حوادث القتل ورائها “جهات منظمة تستهدف الإخلال بالأمن بذرائع محاربة مظاهر الانحراف وإظهارها على أنها حالات مفردة وهي لاتبدو كذلك”.

 

اتهامات للميليشيات

تشير أصابع الاتهام الى تورط مليشيات بانتهاكات عدة ضد ناشطات على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً اللواتي تصرحن بآرائهن السياسية المعارضة كتارة فارس، ولا يستبعدون أن تكون هذه الميليشيات وراء كل حوادث القتل التي طالت الناشطات، ولاسيما أنها تنامت بعد 2017، أي بعد طرد داعش من المناطق التي كان يسيطر عليها في غربي العراق ومسك الميليشيات للأرض فيها فضلاً عن سطوتها في باقي أنحاء العراق خارج أقليم كردستان.

ويستدلون في ذلك بما حدث للناشطة ماري محمد التي اختطفت بعد مشاركتها في احتجاجات تشرين الأول/أكتوبر 2019 في بغداد، وتم نشر فيديو لها تدعي فيه بعلاقتها مع شخصيات سياسية بارزة.

 

بدت ماري في الفيديو بحالة غير طبيعية وأكدت بعد إطلاق سراحها أنها كانت اثناء تصوير الفيديو تحت تأثير المواد المخدرة التي أعطاها الخاطفون لها وهم يهددونها بالسلاح. بعض الإعلاميين المقربين من الميليشيات استغلوا تلك الحادثة لمهاجمة الشخصيات الوارد ذكرها من قبل ماري والطعن بسمعتها.

اضطرت ماري الى التنقل بين تركيا والعراق بعد ما تعرضت اليه من انتهاكات وصلت الى محاولة اغتيال قرب بيتها في الانبار عام 2020 وهذا لم يبعدها عن دائرة التهديدات، حسبما ذكرت في بث مباشر لها على يوتيوب.

الحقوقية جواهر حسن تؤكد بأن “انتشار السلاح المنفلت وعدم حصره بيد الدولة ساهم بالاستهانة بأرواح النساء المؤثرات ووضع حياة كل من تخالف حامل السلاح على المحك”، وتستدرك “عدم تطبيق القانون على الجميع بعدالة أدى الى تزايد حالات قتلهن بذرائع دينية وافلات الجناة من العقاب”.

وبخلافها يرى الباحث والكاتب سمير عبيد هاني، بأن قسما كبيراً من المشهورات في وسائل التواصل الاجتماعي، مجرد “باحثات عن المال بأي وسيلة، يتصدرن الظهور في المهرجانات الفنية والرياضية والاجتماعية وحتى في بعض الفعاليات الحكومية، واحيناً يتم تقديمهن على أنهن واجهات للبلد”.

ويرى بان شهرتهن متأتية من الجرأة التي يتصرفن بها “خارج القواعد الاجتماعية السائدة وأحيانا بدعم سياسيين ورجال أعمال ومسؤولين في الدولة” حسب قوله بأنهم “يغدقون عليهن بالأموال والهدايا والسيارات، وهن أنفسهن يعترفن بذلك من خلال إشارتهن أحيانا إلى بعض أولئك المسؤولين”. ويستدرك “بعض هؤلاء يواجهن انتهاكات بشعة ويدخلن قائمة الضحايا في ظل منظومة قيمية مختلة”.

عقوبة مخففة للرجل ومشددة على المرأة

الباحث الاجتماعي خليل رزوقي، اتهم وزارة الداخلية بالإسهام في زيادة جرائم القتل بداعي الشرف، من خلال بياناتها التي تصدرها وربطها قسماً من الجرائم بغسل العار، كما حدث بالنسبة لقضية طيبة العلي، وهو ما يراه مشجعاً للكثيرين ولاسيما أن المجتمع العراقي ” قبليٌ بغالبيته ويؤمن بأن غسل العار لا يتم إلا بالقتل”.

فيما يصف الخبير القانوني علي التميمي جرائم غسل العار بالخطرة، لأنها وفقاً لرؤيته “ماسة بالأسرة التي تشكل أساس المجتمع” ويعزو سبب تعامل القانون العراقي مع القضايا المتعلقة بالشرف كظرف مخفف لما لمفهوم الشرف من مكانة عليها في المجتمع العراقي.

لذلك يتعامل القانون مع القضايا المتعلقة بالشرف كظرف مخفف لا تتجاوز عقوبتها الثلاث سنوات حسب المادة 409 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 في قضايا القتل. ويستغرب التميمي من تطبيق ظرف التخفيف على الرجل فقط في حين أن المرأة “لو فاجأت زوجها متلبساً بالزنا وقتلته فستحاكم وفق المادة 406 من ذات القانون وستحاكم على جريمة قتل عمد ما يعطي طابع تمييزي ضد المرأة”.

وتنص المادة 409 على “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن الثلاث سنوات من فاجأ زوجته او أحد محارمه في حالة تلبسها بالزنا او وجودها في فراش واحد مع شريكها فقتلها في الحال او قتل أحدهما او اعتدى عليهما او على أحدهما اعتداء افضى الى الموت او الى عاهة جسيمة ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من هذا العذر ولا تطبق ضده احكام الظرف المشددة”.

المدافعة عن حقوق المرأة، الحقوقية نورس حسين، توافق الخبير علي التميمي وتؤكد أن بعض القوانين مازالت ” تمييزية ضد المرأة” وفقاً لتعبيرها، وتقول عن حوادث قتل صانعات المحتوى: “الضحايا في الغالب نساء مؤثرات في بلد لا يحترم المرأة، وللأسف ساهمت بعض صانعات المحتوى الهابط والبذيء واللواتي يختلقن المشاكل لزيادة شهرتهن، في تشويه سمعة صانعات المحتوى المحترم وتعميم الصورة السيئة على الجميع”.

استغلال الشهرة

مسألة تأثير صانعات المحتوى المثير للجدل والمشهورات في وسائل التواصل الاجتماعي على أخريات يقدمن محتويات هادفة، باتت مرصودة على النطاق الشعبي. ولكن “ينبغي أن لا يعالج الأمر بالعنف” وفقاً لما ذكره المحامي فاروق سليم مزهر.

ويقترح:”على الأجهزة الأمنية المختصة تولي متابعة واضعي المحتوى المسيء للذوق العام وفقاً للقانون”. ويلفت إلى أن بعضاً من البلوكَرات يتباهين بعلاقاتهن مع مسؤولين وقادة أمنيين ويعرضون نتائج ذلك في محتواهن، ويكون في الغالب مكاسب شخصية.

وكانت وسائل التواصل الاجتماعي في العراق قد ضجت في شهر كانون الثاني /يناير 2023 اثناء بطولة خليجي 25 في البصرة، إذ كانت الجماهير تواجه صعوبة بالغة في الحصول على أماكن فارغة في ملعب جذع النخلة حيث تجري مباريات المنتخب العراقي بكرة القدم، بينما انتشرت صور لبلوگرات في مقصورة الشخصيات المهمة، ما أثار تساؤلات بشأن الطريقة التي وصلن بها الى هناك.

وهنالك من اشتكى من سطوة بعضهن ونفوذهن المدعوم بالسلاح، إذ ذكرت المحامية رقية الطائي في حسابها الخاص على فيسبوك مطلع شباط/فبراير 2023  أن” فانشيستا فنانة” وفقاً لتوصيفها، تمكنت من الوصول إلى إضبارتها في نقابة المحامين، وحصلت منه على عنوان سكنها، وأرسلت مسلحين إلى هناك وأطلقوا عليه النار ورمانة يدوية.

وناشدت محامي العراق لمساندتها إزاء خصمتها التي تملك “وساطات” وفقاً لتعبيرها وقالت:” للأسف القضاء لم يحمني، وأحكامه التي أصدرها ضدها كانت غرامات مالية فقط، بحيث زادت خصمي في تهديدي والتعرض لي علنا مستخدمة واسطاتها”.

إجراءات في اتجاه آخر

مشاهير منصات التواصل، اللواتي يواجه بعضهن تهديدات مختلفة من افراد عوائلهن، ويتعرضن لشتى الانتهاكات التي تصل الى القتل، يبدو ان عليهم دخول مواجهات أخرى هذه المرة مع مؤسسات حكومية، إذ أعلنت وزارة الداخلية في مطلع العام 2023 عن اطلاق خدمة “بلغ” عبر موقعها الإلكتروني الرسمي، لتلقي شكاوى المواطنين بشان صانعي المحتوى”الهابط” كما يتم وصفهم.

وكشفت الشرطة العراقية يوم الجمعة 3 شباط/فبراير2023، عن اعتقال عارضة أزياء وصانعة المحتوى عسل حسام،  في أحدى مناطق بغداد، بتهمة نشر محتوى سيئ وخادش للحياء عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وكانت وزارة الداخلية قد احالت قبلها بأيام، صانعة محتوى تلقب بـ أم فهد وأسمها الحقيقي غفران مهدي سوادي إلى محكمة جنح الكرخ في العاصمة بغداد بتهمة نشر المحتوى السيء. وتمت إدانتها وإصدار حكم بحقها  في 8 شباط/فبراير2023 .

المحكمة ذاتها أصدرت أحكاماً أخرى أحدهم بالحبس الشديد سنتين ضد(محمد عبد الكريم حسين الباوي) المعروف بلقب(حسن صجمة)، وحكمين آخرين بالحبس الشديد لسنة واحدة فقط ضد كل من، محمد جرمط سيد، الملقب بـ(سيد علي)، والمدعو أحمد علي حميد شلاش، الملقب بـ (حمودي هيبة)، واستندت هذه الأحكام على المادة 403 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969.وتلتها أحكام أخرى في الأيام اللاحقة.

وتنص المادة (403) من قانون العقوبات على أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تزيد على مائتي دينار او بإحدى هاتين العقوبتين كل من صنع او استورد او صدر او حاز او أحرز او نقل بقصد الاستغلال او التوزيع كتابا او مطبوعات او كتابات اخرى او رسوما او صورا او افلاما او رموزا او غير ذلك من الاشياء إذا كانت مخلة بالحياء او الآداب العامة. ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل من أعلن عن شيء من ذلك او عرضه على انظار الجمهور أو باعه أو أجره أو عرضه للبيع أو الايجار ولو في غير علانية. وكل من وزعه او سلمه للتوزيع بأية وسيلة كانت. ويعتبر ظرفا مشددا إذا ارتكبت الجريمة بقصد افساد الاخلاق”.

الصحفي والحقوقي دلوفان برواري، ذكر بأن ن المادة 403 من قانون العقوبات العراقي صيغت قبل عصر الأنترنيت “وهي لا تواكب التطور التكنلوجي الهائل الحاصل في عصرنا الحالي” وأن المجتمع العراقي ذاته ليس كما كان قبل نحو خمسة عقود أي في وقت تشريع القانون رقم 111.

ويعتقد انه من الضروري تشريع قوانين خاصة يتضح للعراقيين بموجبها: “الحدود التي ينبغي عليهم عدم تخطيها بما يتوافق مع فكر المجتمع وتقاليده وعاداته”.

ويوضح برواري وجه نظره: “النص الحالي يشير إلى أشياء مخلة بالحياء والآداب العامة، وهذا قد لا يعني مفهوماً جمعياً، وقد يفسر أي شخص تصرفاً أو قولاً على أنه مخالف للحياء والآداب العامة التي فهمها هو فيتقدم بشكوى، لذا أعتقد أن على النص أن يبين ماهية تلك الأفعال والاقوال التي تعد مخلة، وهذا قطعاً مستحيل”.

وكان مجلس القضاء الأعلى قد وجه تعميماً في 8شباط/فبراير2023  أشار فيه إلى أنه قد لوحظ عبر”الرصد الإعلامي استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لنشر محتويات تسيء للذوق العام،  وتشكل ممارسات غير أخلاقية إضافة إلى الإساءة المتعمدة وبما يخالف القانون للمواطنين ومؤسسات الدولة بمختلف العناوين والمسميات”. ودعا تعميم مجلس القضاء إلى اتخاذ الإجراءات القانونية المشددة بحق من “يرتكب تلك الجرائم وبما يضمن تحقق الردع العام”.

والشق الأخير من تعميم مجلس القضاء” الإساءة المتعمدة وبما يخالف القانون للمواطنين ومؤسسات الدولة بمختلف العناوين والمسميات” أثار حفيظة الكثيرين من الناشطين والمتابعين لقضايا الفساد والمحاصصة التي يقولون بأن كل مفاصلة الدولة تشكو منها، وعدوها محاولة من السلطة لإسكاتهم وترهيبهم.

الباحث الاجتماعي خليل رزوقي، يحذر من أن إجراءات وزارة الداخلية والقضاء  قد تتسبب بمزيد من جرائم غسل العار من جهة وترويع منتقدي الأداء الحكومية، ولا يستبعد في أن ترفع خدمة بلغ من معدلات الانتهاكات بحق النساء وأصحاب، ويوضح:” اعتقال امرأة وإحالتها إلى القضاء بتهمة الإساءة إلى الأخلاق قد يكون مبرراً كافياً للبعض من أجل اقتراف جريمة قتل بحقها، وكذلك الحال بالنسبة للمعارضين ومنتقدي أداء المؤسسات الحكومية”.

ودعا وزارات التربية والتعليم والثقافة والداخلية، إلى القيام بحملة وطنية لتوعية الشبان والشابات في كيفية التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي الموجهة للمجتمع العراقي، ويقول:” من الجيد حماية الذوق العام من كل ما يسيء إليه، لكن ينبغي ألا يكون ذلك عبر فرض عقوبات مقيدة للحرية أو مستهدفة للحياة”.

ويقترح توجيه إنذارات أو إدخال من يعتقد بانها يسء من خلال ما يقدمه من محتوى في دورات إرشادية أو توفير فرص عمل لهن “لأن البطالة والفقر هما حتماً ما يدفعهن لفعل أشياء غير لائقة لجلب أكبر عدد ممكن من المتابعين لمحتواهن”.

انجز التقرير باشراف شبكة “نيريج” للصحافة الاستقصائية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى