التغيرات المناخية تحاصر خلايا النحل وتكبّد النحالين خسائر غير متوقعة

الديوانية- منار الزبيدي 

اضطرت المهندسة الزراعية آسيا أمانة الزيادي إلى الاستغناء عن عدد من العاملين في منحلها  الذي أنشأته قبل (14) عاماً بسبب انخفاض إنتاج العسل في هذا الموسم.

فبينما كان مشروعها الاقتصادي يدر عليها دخلاً يسمح لها بدفع تكاليف دراسة ابنتيها وتشغيل عدد من الايدي العاملة النسوية والسفر خارج العراق للمشاركة في المؤتمرات العلمية الخاصة بتربية النحل لتطوير مشروعها باتت اليوم غير قادرة على الإيفاء بتلك الالتزامات التي كانت تؤمنها من بيع العسل والنحل.

تقول الزيادي صاحبة “منحل المروج”: “لم اعد قادرة على تأمين متطلباتي فقد انخفض مستوى الإنتاج الى دون النصف من الإنتاج المعتاد في كل موسم”.

وبسبب موجة الحالوب الاخيرة (تساقط حبات البَرد) تضررت مزرعة الزيادي بشكل كبير حيث تعرضت الكثير من النباتات التي تعتبر غذاءً رئيسياً للنحل، الى التلف.

“تضررت جميع المحاصيل الزراعية وخاصة شجرة الكالبتوس واشجار الفاكهة والجت (البرسيم الحجازي) وغيرها من النباتات الموسمية التي تزهر في وقت مبكر”، تقول الزيادي.

لا يبدو حال المهندسة الزراعية نازك احمد الكمولي مختلفاً فقد لحقت بها خسارة كبيرة بسبب انخفاض الانتاج خلال الموسم الحالي ضرب كل حساباتها، “هذا العام لم اجن العسل ولم أستطع بيع النحل”. 

تنشغل الكمولي اليوم في كيفية استدامة مشروعها لهذا العام ودفع اجور العمال خصوصاً ان مزرعتها تفع في أرياف محافظة الديوانية بينما تسكن هي في مركز المحافظة مما يرتب عليها تكاليف نقل وإدارة مضاعفة. 

الزيادي والكمولي من أبرز سيدات الاعمال البارعات في مجال المشاريع الاقتصادية الزراعية المحلية وتحديداً في “انتاج العسل” كما أنهنّ نساء مستقلات مالياً يشغلن عدد من الأيدي العاملة بينهن نساء.

نكبة بعد وفرة

خلال العام الماضي حققت محافظة الديوانية ارتفاعاً ملحوظاً في انتاج كميات العسل وفقا لبيانات قسم وقاية المزروعات في مديرية زراعة الديوانية، فقد انتجت مناحل الديوانية حوالي (80) طن من العسل وشارك في الانتاج (426) نحال ونحالة يملكون حوالي (9800) خلية نحل.

وكشفت وزارة الزراعة في عام 2022 عن نيتها لتصدير العسل العراقي إلى الأسواق العالمية بعدما حقق وفرة كبيرة في الإنتاج مقارنة بالأعوام الماضية، إذ وصل لنحو ( 670) طن، شمل عموم المحافظات محققاً الاكتفاء الذاتي.

وبين مدير زراعة الديوانية السابق المهندس الزراعي حسن الوائلي ان كميات العسل المنتجة خلال العام الماضي 2022 شارك فيها  (148) نحال ونحالة مجازون، بواقع (4627) خلية، اضافة الى مشاركة  النحالين غير المجازين والبالغ عددهم (278) نحال ونحالة، بواقع (5173) خلية نحل.

غذاء النحل 

تتطلب تربية النحل بحسب الزيادي توفر البيئة الملائمة لضمان الحصول على منتج عسل بنكهة مميزة وجودة عالية، لذا فإن الطقس الملائم يشجع  النحل على الخروج لجمع الرحيق، توضح المهندسة الزراعية.

وتضيف أن على النحّال أن يوفر محاصيل زراعية نموذجية لتغذية النحل أبزرها أشجار الكالبتوس التي تعتبر غذاءً رئيساً للنحل كما أن لها تأثيراً ايجابياً على المحيط الحيوي عموماً.

معظم مربي النحل يزرعون أنواعاً مختلفة من الكالبتوس كالابيض والاسود والاحمر، وذلك بحسب مواسم السنة.

ففي بداية شهر نيسان يزرع النوع الأبيض وفي شهر حزيران يتم زراعة اللون الاسود اما الاحمر فهو نوع جديد يفضله النحل ويعطي نكهة مميزة للعسل، وقد بدأ النحالون بزراعته في الوقت الحالي.

لكن الكالبتوس والجت وأنواع كثيرة من النباتات والأشجار تعرضت لأضرار كبيرة في هذا الموسم بسبب عوامل المناخ، لاسيما النباتات الشوكية ونبات ابو خنجر الذي يسمى “كبوسين كبير” أو “طرطور الباشا”، ونبات اللفت او السلجم، وكذلك القبار الطبيعي الذي يسمى  “الكَبَر” أو “الشَفَلَّح” بالإضافة الى القداح  وأشجار الفاكهة وجميع النباتات التي تزهر مبكراً،كما اوضحت الزيادي. 

التغير المناخي يهدد الإنتاج

يشخص نائب رئيس جمعية نحالي الديوانية التخصصية جواد كريم العيساوي، جملة من العوامل المناخية التي تسببت بشكل مباشر في تدني انتاجية العسل خلال الموسم الحالي، من اهمها طول فترة اعتدال المناخ. 

فالملكات تنشغل بإنتاج البيوض و تستهلك ما تنتجه من العسل لصغارها، وهذا لا يحصل في المواسم المعتادة عند ارتفاع درجات الحرارة في بداية شهر أيار، لكن  بسبب استمرار اعتدال درجات الحرارة استمرت الملكات بوضع البيض وتكوين حاضنة كبيرة جداً.

وتستهلك كل خلية بحسب العيساوي قرابة (2) كغم من العسل يومياً، أي أن ما ينتجه النحل من عسل لا يكفي لسد حاجة الخلية.

كما أثرت الأمطار الغزيرة التي هطلت في موسم تزهير بعض المحاصيل الزراعية على مستوى الإنتاج، فبعض المحاصيل تمثل مصادر رئيسة لغذاء النحل الذي لم يخرج في اوقات كثيرة واصبح يستهلك ما جمعه من عسل في وقت سابق. 

فضلا عن هذه الأسباب، أدى الجفاف وشحة المياه و العواصف الترابية إلى تضرر مساحات واسعة مزروعة بالكالبتوس والجت ونباتات أخرى يتغذى عليها النحل، الامر الذي ادى الى انخفاض انتاج العسل لهذا الموسم الى 50% في مناحل الديوانية وبقية محافظات العراق.

أضرار مالية 

 لم تسلم مشاريع انتاج النحل في عموم العراق من الخسائر المالية بسبب التقلبات والعوامل المناخية، إذ إن هناك مناحل انعدم انتاجها الى الصفر والبعض الآخر منها انخفض انتاجه الى أقل من 50%.

ويتخوف معظم أصحاب المناحل من الديون التي عليهم سدادها الى المصارف وديون اخرى لصالح مكاتب التجهيزات الخاصة بالنحل كونهم اخذوا قروض مصرفية لدعم مشاريعهم، و كانوا يعتقدون بانهم سيسددون دفعاتها المالية من خلال ارباح بيع العسل والنحل.

ويبدو هؤلاء النحالين عاجزين عن رفع أسعار المنتج لتعويض الخسارة، خصوصاً أن السوق العراقي غارق بالعسل التجاري المستورد الذي يمتاز بأسعاره الرخيصة، علماً ان اغلب أنواعه “صناعية أو مغشوشة”، وفقا للعيساوي.

معالجات وحلول

ينصح العيساوي النحالين باستخدام الحاجز الطولي لمنع الملكات من وضع البيوض والانشغال بجمع العسل وكذلك نقل الخلايا الى مناطق اخرى تتوفر فيها محاصيل تشكل مصدر غذاء للنحل وخاصة نبات الجت المعروف بالبرسيم.

كما دعا العيساوي الجهات الحكومية المعنية إلى إطلاق حملة وطنية شاملة باشراك جميع القطاعات المعنية و منظمات المجتمع المدني من اجل زراعة النباتات الرحيقية داخل المدن والاشجار خارج المدن لصد الرياح. 

ويقترح نائب رئيس جمعية نحالي الديوانية ضرورة الزام المزارعين بزراعة النباتات المهمة التي تعتبر غذاء للنحل ومصدات الرياح وذلك م عند تجديد عقودهم الزراعية من قبل مديريات الزراعة، “فهذا الامر سيسهم بحل مشكلة المحاصيل الزراعية وايضا تحسين الواقع البيئي في المحافظة” يقول العيساوي.

كما أنه يشدد على أهمية توفير المستلزمات والأدوية ذات المناشئ الجيدة من خلال تفعيل دور شركة التجهيزات الزراعية، مشيراَ الى اهمية تفعيل قانون حماية المنتج المحلي وتنظيم استيراد العسل المستورد الذي اثر بشكل كبير مشروعات النحالين وادى الى عزوف الكثير منهم عن ممارسة المهنة.

ويوصف العسل العراقي بأنه من اجود انواع العسل ويعتبر ثروة اقتصادية مهمة، كما ان مشاريع انتاج العسل  تشّغل عشرات الأيدي العاملة كمصدر دخل وحيد لهم.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى