نساء يجبرن على الحمل.. “نحن مجرد آلات لانجاب الأطفال الذكور”

الأنبار- حنان سالم
لا تذكر “همسة” متى تزوجت بالضبط، ربما كانت في الرابعة عشر أو الثالثة عشر من العمر، لكنها اليوم في سن الـ 36، لديها ستة بنات وولد واحد تعيش معهم ومع زوجها في إحدى قرى محافظة الأنبار.
بالنسبة لـ “همسة” فإن المرأة في مجتمع تقليدي توضع في قفص الزوجية قبل أن تعيش طفولتها كاملة فتكون أولى مهامها بالعام الأول من الزواج هو إنجاب طفل، ثم تتابع إنجاب المزيد من الأطفال حتى لو لم تكن ترغب في ذلك.
منذ بداية زواجها انصاعت هذه السيدة لرغبة أهل زوجها في الإنجاب فأنجبت بنتاً، “بعدها بفترة قصيرة بدأت الضغوطات مجدداً عليّ للحمل مرة أخرى وإنجاب أخ لها” وتتابع: “منعوني من اتباع أي وسيلة منع حمل بعد ولادة ابنتي لرغبتهم بحفيد ذكر فاضطررتُ للحمل مرة أخرى وأنجبتُ ابني”.
إجبار النساء على الحمل والانجاب من قبل الزوج او ذويه ظاهرة شائعة في العراق خصوصاً في المناطق الريفية ذات البنية الاجتماعية العشائرية، إذ يرتبط التقدير الاجتماعي غالباً بعدد الأطفال الذكور تحديداً.
وفي ظل أزمات اقتصادية متكررة وتعداد سكاني تجاوز الـ 41 مليون نسمة بحسب احصائيات وزارة التخطيط، لم تلتفت الحكومات المتعاقبة الى قضية إجبار النساء على الانجاب.
لم ترغب همسة بإنجاب أكثر من أربعة أطفال خصوصاً بعد المشاكل الصحية التي واجهتها بعد ولاداتها المتقاربة في سن لم يتجاوز الثامنة عشر، فانجابها للولد الذكر لم يخفف من وطأة الضغوطات لإنجاب المزيد من الأولاد الذكور كي يكونوا عوناً لأخيهم.
“انجبتُ بنتين بعد الولد لكن جسدي لم يحتمل وصرت اشعر بالتعب لأي مجهود خصوصاً بعد النزيف الحاد الذي لازمني بعد ولادتي الرابعة” تصف همسة ظروف ولادتها.
الحالة الصحية المتردية لهمسة أقنعت زوجها بفكرة الذكر الوحيد، لكن بمجرد استعادتها عافيتها عادت مطالب أهله بانجاب ولد آخر “يحمل اسم ابيه ويعين أخيه” وانصاعت مرة أخرى لإرادتهم.
“اتبعتُ جدولاً للحمل ونصائح شعبية كي ألد ذكراً هذه المرة لكن الله أراد ان ارزق ببنت” تروي همسة.
وتشير إلى أن حملها الخامس لم يكن بظروف مناسبة فقد تزامن دخول داعش الى محافظة الانبار، وعندما بدأت آلام المخاض أثناء رحلة نزوحها من الانبار الى بغداد بعد السير على الأقدام لمسافات طويلة أنجبت مولودتها بعملية قيصرية هذه المرة.
بعد ذلك انجبت همسة فتاتين قبل أن يقرر زوجها قراراً نهائياً بعدم انجاب المزيد من الأطفال. “لم يقرر زوجي عدم الانجاب مجدداً الا بعد رآني لا اقوى على المزيد من الولادات وقد اقصر في واجباتي اتجاه اطفالي وأهله”.
عواقب صحية
حال همسة التي عانت من الانجاب في سن مبكرة هو حال ربع العراقيات المتزوجات على الرغم من العواقب الصحية للزواج والانجاب قبل بلوغ الثامنة عشر التي توضحها الطبيبة المختصة بالأمراض النسائية والتوليد رغد العبيدي.
تقول العبيدي: “تكون الفتاة قبل بلوغها الثامنة عشر أضعف جسدياً واقل تهيئاً لمضاعفات الحمل التي تزيد شدتها كلما كانت الحامل اصغر بالعمر، اذ يكون الوحام اشد، كما تكون اكثر عرضة لارتفاع ضغط الدم المصاحب للحمل وهو ما يسمى تسمم الحمل الذي يعرض حياة الام والجنين للخطر. وتزداد نسبة الحمل بطفل يحمل كروموسومات غير طبيعية عندما تكون الام قاصراً”.
وتؤكد العبيدي على أهمية الحالة النفسية للأم قائلة: “يجب ان تكون الأم مهيأة نفسياً للزواج والحمل واستقبال طفل والتعامل معه، والقاصر تختلف عن غيرها في الوعي النفسي والقدرة على التعامل مع مسؤولياتها الجديدة كالعناية بالطفل وتربيته بصورة صحية”.
وتشدد على ضرورة المباعدة بين الولادات لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات في حالة الولادة الطبيعية وثلاث إلى خمس سنوات في حالة الولادة القيصرية كما تنوه الى حالات من الولادات القيصرية تمنع الام من الحمل مجدداً لما يقف خلفها من خطر على حياتها.
أمراض عدة تشكل خطراً على حياة الام في حال حدوث حمل اثناء الإصابة بها تذكرها الطبيبة المختصة بأمراض النسائية والتوليد مروة منعم “هناك امراض تتعارض مع الحمل قطعياً كارتفاع ضغط الدم الشرياني الرئوي الحاد وتضيق الصمام الثابت الشديد وقصور القلب الاحتقاني حيث اذ ان قلب الام لا يحتمل الولادة في هذه الحالات. كما ان هناك حالات يجب علاجها قبل الحمل او اثناءه وتعتبر موانع حمل ثانوية كالضغط والسكري والربو والفايروسات التي تسبب الإجهاض كداء القطط والحمى الألمانية”.
وتوضح منعم ان ولادة اكثر من اربعة اطفال وخصوصا الولادات التي تطول فيها مدة المخاض قد تسبب تهدل او نزول الرحم والسلس البولي وفقدان الأعضاء التناسلية لشكلها الطبيعي ما يضطر الأم للخضوع لعملية تثبيت الرحم او عمليات تجميلية.
الدين والقانون
تقف المنظومة الدينية موقف الرفض لفكرة تحديد النسل من قبل المرأة اذ تتفق المذاهب الإسلامية على عدم جواز امتناع المرأة عن الحمل دون اذن زوجها او دون مانع طبي يؤدي الى ضرر في حال حدوث الحمل. وهذا ما اكده مفتي الديار العراقية رافع العاني ورجل الدين الشيعي محمد الزهيري.
وقد تضمن قانون العقوبات العراقي رقم 111 لعام 1969 عقوبة تصل الى السجن لعام كامل لكل امرأة أجهضت نفسها بأية وسيلة كانت او مكنت غيرها من ذلك برضاها وفق المادة 417.
لذا فإن قرار الإجهاض للمرأة المجبرة على الحمل له تبعات قانونية تمنع اللجوء اليه، وفي المقابل فإن تشريع قانون يحدد عدد الأطفال لكل عائلة في وقت يشهد فيه العراق نمواً سكانياً تجاوز المليون نسمة سنوياً يواجه اعتراضات لا تقل وجاهة.
الخبير الاقتصادي جليل اللامي يقول إن “الحديث عن تشريع قانون لتحديد النسل لأسباب اقتصادية ليس سهلاً” ويضيف ” تراجعت نسبة النمو في العراق إلى 2.6% بعد ان كانت 3.3% قبل عشرة اعوام. هذا يعني أن هناك انحداراً وتراجعاً في النمو السكاني في العراق ويعود هذا التراجع الى ارتفاع الوعي لدى المواطن من جهة وانخفاض معدلات الخصوبة من جهة اخرى فأصبحت بعض العوائل تخطط وتكتفي بطفل أو طفلين فقط او ثلاث أطفال اقصى احتمال”.
وبالإضافة الى احتمالية رفض المجتمع لهكذا قانون بسبب تعارضه مع منظومة القيم الدينية والاجتماعية في العراق ومع حرية الأشخاص، هناك تداعيات سلبية لتشريعه وتطبيقه على الواقع الاقتصادي تتمثل باحتمالية تحول المجتمع بمرور الوقت من مجتمع شاب نحو “شعب كهل ومستهلك” بحسب اللامي.
الباحث الاجتماعي علاء الصفار يرى ان تحديد النسل وتنظيم الاسرة في العراق لا يخضع للعلمية بسبب ثقافة “الرزق على الله” حسب وصفه ويوضح عواقب اجبار النساء على الانجاب قائلاً إن “تشجيع الزيادة على الأنجاب ستزيد من استمرار وتصاعد التعداد السكاني في البلد وهذا يرتبط مباشرة بوفرة المواد الغذائية وامكانية استيرادها من الخارج”.
القانوني حسنين فارس يوضح ان لا مانع دستوري من تشريع قانون يحدد النسل قائلاً “لا يوجد أي مانع قانوني في تشريع قانون يحدد النسل في العراق خصوصاً وان الوضع الاقتصادي والسياسي في البلد يدعو لتشريع هذا القانون اذ سيساهم في توفير حياة كريمة للمواطنين”.
ويضيف أن “وزارة التخطيط العراقية بإمكانها اقتراح القانون عن طريق مجلس الوزراء وتوضيح الأسباب الموجبة لتشريعة”.
تحفظ على الحقوق
زهرة ذات الاربعين عاماً عانت هي أيضاً من ثقافة “الطفل يجي رزقه وياه” على حد وصفها، فقد أدت بها الى إنجاب أربعة أطفال مع الكثير من المشكلات الصحية.
بدأت رحلة زهرة مع الاجبار على الانجاب منذ الشهر الأول لزواجها إذ كانت تتعرض لضغوطات من قبل زوجها وأهله وحثها على الذهاب الى طبيب للكشف عن أسباب عدم حدوث حمل.
انجبت زهرة طفلين وعانت بعدها من زيادة في الوزن اضطرتها للجوء الى عملية قص المعدة للتخلص من الوزن الزائد لكن ذلك لم يشفع لها.
“حذرني الطبيب الذي اجرى لي عملية قص المعدة من الانجاب قبل اقل من سنتين لكن ما ان استعدت عافيتي حتى بدأت الضغوطات مرة أخرى للإنجاب واصبحتُ حاملاً فشعرت بأنني آلة للإنجاب ليس الا”، تقول زهرة واصفةً حملها الثالث الذي حدث بعد أقل من ستة أشهر من عملية قص المعدة.
مرت زهرة بحالة نفسية صعبة بعد ولادتها فجسدها لم يحتمل عناء الحمل والولادة في ظل نظام غذائي يعتمد بالدرجة الأساس على السوائل، “كنتُ كمن يأكل السم بيديه ويقول هنيئاً، لم استطع البوح لأهلي خشية لومهم لي ولم استطع فرض رغبتي بعدم الانجاب على زوجي”.
بعد أشهر من ولادتها لطفلها الثالث حملت زهرة بالطفل الرابع الذي لم تستطع رفض الحمل به “إذا رفضت الحمل ستتحول حياتي الى جحيم وستبدأ مشاكل لن تنتهي الا بالإنجاب مرة اخرى” تقول زهرة، وتتابع “لا استبعد ان يطلب طفلاً خامساً، كثيراً ما يقول لي من سيعتني بنا إن كبرنا. هو وأهله يعتقدون ان الأولاد عزوة وسند”.
تعتقد زهرة ان الحل يكمن في تشريع قانون يحدد عدد الأطفال كون أغلب النساء مسلوبات الإرادة حسب وصفها وتضيف “اغلب النساء في العراق لا يملكن سلطة على اجسامهن لان الرجل يعتقد ان جسد زوجته ملك له وبإمكانه التصرف به كما يشاء”.
وعلى الرغم من ان العراق قد وقع على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) عام 1986 الا انه تحفظ على عدة مواد منها قد يكون أبرزها المادة 16 التي تضمن حق تحديد عدد الأطفال في الفقرة هـ منها والتي تنص على “تساوي الرجل والمرأة في نفس الحقوق في أن تقرر، بحرية وبإدراك للنتائج، عدد أطفالها والفاصل بين الطفل والذي يليه، وفى الحصول على المعلومات والتثقيف والوسائل الكفيلة بتمكينها من ممارسة هذ الحقوق”
الناشطة في مجال حقوق المرأة بشرى العبيدي تعزو تحفظ العراق على هذه المادة الى الفكر الذكوري في إدارة الدولة وتقول “تحفظ العراق على المادة 16 من اتفاقية سيداو بذريعة أنها تخالف الشريعة الإسلامية لكن الحقيقة انها تخالف هيمنة الذكورية في العراق، وعلى الرغم من انها لا تخالف الدستور العراقي الصادر في 2005 الا ان العراق لم يرفع التحفظ على هذه المادة”، وتعلل ذلك بتغيير الوجوه السياسية دون تغيير الفكر الذي تصفه بـ”الموروث”
وتؤكد العبيدي ان مؤسسة الزواج عامةً وتنظيم الاسرة خاصةً بحاجة الى إصلاحات وتشريعات من شأنها النهوض بواقع الاسرة والطفل.