اليشماغ العربي.. لم يعد يقتصر على الرجال

فاطمة كريم- بغداد 

“الأسود الغامق لأهل بغداد، والفاتح لعشائر الوسط، والأحمر لقضاء الغرب والصابئة، والأخضر للكورد” هكذا قال العم صالح وهو يتكلم عن اليشماغ العراقي ويروي تفاصيله.

العم صالح خلف، سبعون عاماً، احد اصحاب محال بيع اليشماغ العراقي في سوق الستر بادي في مدينة الكاظمية، يمتلك هذا المحل منذ عام 1991 يوم كان يعمل في خياطة اليشماغ، لكن بعد عام 2003 ومع دخول المستورد توقف العم صالح عن الخياطة وبات يتاجر بع فقط.

واليشماغ كلمة سومرية الأصل تتكون من مقطعين (أش – ماخ) ومعناه غطاء رأس الكاهن العظيم، وكانت ترتبط بهذه الشبكة معتقدات خاصة تتعلق بطرد الأرواح الشريرة وهو ما يظهر في منحوتات الحاكم السومري “كوبيا” المحفوظة في متحف اللوفر. ومع الزمن تحول اليشماغ إلى ملبوس عُرف به أبناء المنطقة من العرب والكرد وبعض الشعوب الأخرى.

يقول صالح “في اليشماغ رسوم متعددة ترمز كل واحدة منها إلى شيء معين فتوجد به شبكة الصياد التي تدل على موسم الخير ووفرة الأسماك كذلك الأمواج التي تدل على أهوار العراق وزعانف السمكة التي هي دلالة على طرد الأرواح الشريرة”.  

سوق الستر بادي أحد اقدم الاسواق في بغداد عمره يتجاوز الـ 120 عاماً وهو متخصص في خياطة الزي العربي وتصديره الى باقي الدول. وعرف هذا السوق واشتهر بجودة اليشماغ الذي يخيطه. 

وكلمة “استربادي” التي أخذ السوق تسميته منها هي لقب عائلة تركية الأصل ما زالت مالكة للسوق رغم عدم تواجدها في العراق إذ تدار املاك السوق من قبل محامي العائلة والوكيل المتواجد في السوق نفسه. 

ورغم أن اليشماغ واحد إلا ان ألوانه وأشكاله تختلف من محافظة الى اخرى في العراق فسكان الاهوار يلبسون اليشماغ ذو الخطوط السوداء العريضة التي تشبه عيون اشباك الصيد اما سكان المحافظات الغربية فيكون لون اليشماغ عندهم احمر. أما أهالي بغداد فيلبسون الاسود ذا الخطوط الرفيعة وكانوا قديماً يلبسونه بطريقة تسمى “الچراوية”. 

وعلى الرغم من تعدد الوانه وطريقة لبسه لكن تبقى الدلالة واحدة اذ يدل على الهيبة والوقار والاحترام وهي من القيم الاجتماعية المشتركة في المنطقة والممتدة منذ زمن الحضارة السومرية. 

ولا يقتصر اليشماغ اليوم على العراقيين، فبعد الاحتلال البريطاني للعراق سارعت الشركات البريطانية إلى تصميمة وتصنيعه، فأول شركة اجنبية قامت بتصنيعه هي شركة نسيج في لندن فعرف بين الناس باليشماغ اللندني ثم انتشر في باقي دول العراق وشبه الجزيرة العربية والخليج وبلاد الشام.

يقول صالح “في الوقت الحالي لم يعد اليشماغ مقتصراً على الرجال وانما دخل في موضة النساء فأصبحن يرتدينه في بداية الأمر لنبذ الطائفية في العراق بمزج اليشماغ الأسود الذي يلبسه ابناء الوسط واليشماغ الاحمر الذي يلبسه ابناء المناطق الغربية وهذا دليل على ان العراق شعب واحد ثم اصبح انتشاره واسع بينهن واصبح موضة رائجة تدل على الفلكلور العراقي”.

احمد حسن احد اصحاب المحال المجاورة لمحل عم صالح  يبيع الاشمغة والزي العربي منذ قرابة ثلاثة عقود، يقول: “رغم وجود معامل كثيرة في كربلاء ونجف وبغداد والانبار تقوم بخياطة اليشماغ إلا أن مرتادي هذا السوق كثيرون من مختلف الأماكن والمحافظات، نظراً لتاريخه العريق وجودة بضاعته”. 

يبلغ طول سوق استربادي حوالي 350 متراً يطل على باب القبلة مرقد الامام موسى الكاظم ويمتد الى الشارع العام. وعلى الرغم من ان هذا السوق يعاني من مشكلات في بنائه القديم بحكم عوامل الرطوبة والتآكل خاصة ان سقوفه خشبية، إلا انه مازال يشكل تحفة تراثية وفنية.

يروي العم صالح تفاصيل اكثر عن اليشماغ  وعاداته عند الشعب العراقي ليذكر بعض حالات التي يلبس فيها اليشماغ بشكل مختلف ليكون دلالة على حدثٍ ما.

يقول “يلبس اليشماغ دون العقال (العكال) في حالة الحزن اذا توفي شخص عزيز، كذلك عند المرض الى ان يشفى المريض”.

علي عباس الذي اتى من محافظة النجف الأشرف (161 كم جنوب غرب بغداد) قاصداً منطقة الكاظمية لزيارة الأمام موسى الكاظم يقول: “كل فترة أتي للزيارة والتبضع من أسواق الكاظمية، كنت آتي إلى هنا مع والدي عندما كنت طفلاً والآن آتي مع زوجتي وأولادي”.

لا يشتري عباس اليشماغ من محل احمد لنفسه فقط إنما لابنه الذي يبلغ من العمر 16 عاماً أيضاً. يقول احمد: “توجد انواع مختلفة من اليشماغ فمع دخول المستورد بدأ تصنيع اليشماغ الشبابي الذي يكون بألوان ونقوش مختلفة لكنه ليس كالشماغ العربي الأصيل إذ غالباً ما يستخدم فقط للزينة”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى