ثلثا نفايات ذي قار ترمى في مواقع تشكل خطراً على الأهالي
الناصرية- مرتضى الحدود
قبل أسابيع استيقظ أحمد محمد من نومه في إحدى غرف الطابق العلوي من منزله في منطقة الإسكان الصناعي جنوبي الناصرية وقد شارف على الاختناق.
كان أحمد غير قادر على التنفس بسبب أدخنة وروائح كريهة كانت تنبعث من المكان، وما ان أطل برأسه من الشباك حتى رأى أعمدة الدخان تحجب كامل الرؤية داخل الحي السكني الذي يبعد عن مجمع الطمر الصحي مسافة تتجاوز الـ 3 كيلو مترات.
مكبّ الطمر الصحي التابع لبلدية الناصرية يقع جنوب مركز المدينة بمسافة تقدر بعشرين كيلو متراً الا انه لا يبعد سوى مسافة قريبة عن حي الاسكان الصناعي الذي يقدر تعداد سكانه بثلاثة آلاف نسمة ودائماً ما يشكو أهله من الاختناق نتيجة الادخنة المتولدة من الطمر بفعل ما يسمى “النباشة”.
و”النباشة” مجموعة من الشباب والصبية والنساء يعمدون إلى حرق النفايات كي يتمكنوا من الحصول على المعادن المخلوطة مع البلاستيك وبيعها لسد قوتهم اليومي إذ لا تتجاوز قيمة ما يجمعونه يومياً قرابة الخمسة عشر الف دينار في أفضل الحالات.
لكن أحمد يؤكد أن هذه المجموعة هي الأكثر تضرراً إذ يتجولون داخل النفايات التي دائما ما تكون مخلوطة بالنفايات الطبية والتي تشكل خطرا على حياة الإنسان.
مكب الطمر الصحي في الناصرية واحد من المواقع الملوثة للبيئة في المحافظة، وكانت مديرية بيئة المحافظة قد تمكنت من استصدار أمر بإغلاقه نظراً لأثره السلبي على صحة المواطنين والأحياء القريبة، وهو واحد من بين 14 موقع طمر صحي تضمه محافظة ذي قار منتشرة بين الاقضية والنواحي.
ووفقا للجهاز المركزي للإحصاء فإن تسعة مواقع منها غير حاصلة على الموافقات الرسمية تعمل خارج الضوابط والمحددات البيئية وتعد مخالفة لشروط قانون حماية وتحسين البيئة.
مدير بيئة ذي قار كريم هاني تحدث للمنصة ان ما تم تحديده وتسجيله من قبل الفرق الفنية التي تنفذ أعمال الكشف الميداني هو رمي النفايات في مكان الطمر بشكل عشوائي، فختلط فيه النفايات الطبية مع المنزلية في الوقت الذي يجب معاملة النفايات الطبية بشكل معزول لخصوصيتها واحتوائها على مواد كيميائية حساسة وضارة.
ويكمل هاني بان ثلاثة من هذه المواقع تم مقاضاتها في المحاكم المختصة وأن المديرية بانتظار اصدار اوامر غلق لبقية المواقع التي لم تستحصل على رخصة بيئية، إذ إن “أمر الغلق من صلاحية وزير البيئة والموقع الذي لا يحصل على موافقة ويستمر بالعمل يشكل خطرا على صحة المواطن” بحسب قوله.
ويبلغ عدد المؤسسات البلدية المعنية بالتنظيفات ورفع النفايات بحسب اخر إحصائية لعام 2021 20 دائرة بلدية تقوم برفع 666625 طن من النفايات سنويا تشكل منها النفايات الاعتيادية التي يخلفها المواطنون نسبة 93.5%.
أي ان المعدل اليومي للنفايات المرفوعة يبلغ 1826 طن بمقدار 1.4 كيلو غرام من النفايات للفرد الواحد.
ووفقا للبيانات الحكومية الرسمية فان اكثر من 64% من النفايات التي يجب التخلص منها في مواقع بعيدة ومعزولة ترمى في موقع طمر مخالفة للضوابط والمحددات البيئية وتشكل خطورة على الواقع الصحي فضلا عن الاثار البيئية التي تخلفها والحرائق التي تحصل فيها.
بلدية الناصرية وعبر مديرها علي عبد الستار ذكرت للمنصة انها عملت على اختيار مكان بديل للطمر الصحي الا ان الموقع الجديد تم عرضه امام المستثمرين لغرض القيام بأعمال رفع النفايات من المدينة ومعالجتها،وإلى ن يتم الأمر لا يوجد بديل في الوقت الحاضر عن الموقع الحالي.
وأضاف عبد الستار أن البلدية عملت على حفر خندق حول الموقع لمنع “النباشة” من الدخول وحرق النفايات لاستخراج القطع البلاستيكية والمعادن وبيعها.
ويكشف عبد الستار عن خطوة لدى البلدية في المرحلة المقبلة تتمثل بتأمين عجلة متخصصة برفع النفايات الطبية ومعالجتها لضمان عدم الضرر منها بعد أن يتم التنسيق مع نقابة الاطباء بهذا الخصوص.
مدير عام مجلس حماية وتحسين البيئة في جنوب العراق محسن عزيز يصف المواقع التي لم تحصل على إجازة بيئية بأنها “مكبات نفايات” ولا يمكن وصفها بمواقع طمر، مضيفاً ان ما يحصل فيها من حرق عشوائي من قبل مجاميع تسمى بالنباشة يشكل خطر كبير على الجهاز التنفسي إذ أن انبعاثات الدخان قد تصل لمسافة 4 كيلو متر.
أما أحمد وأهالي منطقته السكنية فما زالوا يعانون من ادخنة النفايات المحترقة حتى الان ويطلقون المناشدات والنداءات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لإيجاد حلول تتيح لهم تنفس هواء خال من الروائح والغازات السامة التي سببت لهم أمراض تنفسية مزمنة.