عمّال التوصيل.. “حاملو السعادة” يتجولون في شوارع بغداد 

فاطمة كريـم – بغداد 

على دراجته النارية يحاول أكرم تجاوز المناطق المزدحمة في أزقة بغداد كي يصل في الوقت المناسب ملبياً طلب الزبون الذي يطلق عليه مازحاً لقب “حامل السعادة” لما يحمله من منتجات تدخل السعادة إلى قلوب الزبائن.

أكرم حسن أحد  الأشخاص الذي يعملون في خدمة توصيل الطعام “دليفري” في حي الجوادين في العاصمة منذ سنتين. “وقتها قرأت إعلاناً على الفيسبوك نشره أحد المطاعم يطلب عمال توصيل، فاشتريت دراجة نارية وبدأت العمل”، يتذكر أكرم أولى أيامه مع هذه المهنة.

في السنوات القليلة الماضية اصبحت خدمة التوصيل مرافقة لمعظم المطاعم في العاصمة، وساعد الانترنت و وسائل التواصل الاجتماعي على تطويرها وانتشارها في مختلف المناطق.

بل إن الوضع الأمني المتردي الذي شهدته العاصمة في بعض الأوقات والازدحام المروري وحرارة الطقس أسهمت أيضاًَ في اعتماد الزبائن على خدمات التوصيل تجنباً للسير في الطرقات، وذلك في مجالات تجارية وخدمية عدة لا تقتصر على المطاعم التي كانت المجال الرئيسي لهذا النشاط.

يقول اكرم ” بعد ارتفاع درجات الحرارة والاختناقات المرورية أصبح أكثر الناس يفضلون الجلوس في المنزل لأن الطلب عبر الانترنت يوفر لهم وقتاً وجهداً”.

مع حداثة هذه المهنة، إلا أنها تمثل فرصة لتحقيق الدخل للمنتفعين منها وهم في معظمهم أفراد بسطاء يبحثون عن فرصة عمل بعد تراجع فرص التشغيل في قطاعات عدّة بالبلاد، كما أنها تحقق في الوقت نفسه مكاسب تجارية أكبر لأصحاب المحال والمطاعم الذين بدأوا يلحظون الزيادة في حجم مبيعاتهم.

يرى أكرم إن “خدمة إيصال البضائع إلى المنزل خدمة ذات جدوى وتتماشى مع متطلبات العصر فقد بات بإمكان الزبون شراء كل ما يحتاجه من مختلف السلع بعد الاطلاع على قوائم الأسعار وكل المعلومات التي يحتاج اليها”.

يشير عامل التوصيل الشاب إلى أن أسعار معظم المنتجات باتت موجودة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة فيسبوك “الذي تنتشر فيه صفحات لمحال تجارية وشركات تتعامل تحديداً مع هذه الخدمة ولا يوجد لديها مقر خاص للبيع”، اذ ليس من الضروري الآن أن يكون لديك محل داخل السوق لتتمكن من البيع بل أصبح بإمكانك العمل من المنزل مع توفير خدمة التوصيل للمنزل، يوضح أكرم.

وعن أسعار التوصيل، ذكر أكرم أن الأجور مختلفة وتفرض من قبل البائع على المشتري، لكنها تتراوح ما بين ألف وعشرة آلاف دينار عراقي (أقل من دولار إلى ثماني دولارات) وفي أغلب الأحيان يقوم المشتري بإعطاء العامل إكرامية أو “بقشيش” في حال لم يكن هناك أجور مفروضة من قبل البائع.

غير أن سعر خدمة التوصيل قد يختلف باختلاف المسافة التي يقطعها العامل على دراجته، فكلما كانت المسافة أبعد أصبحت أجور التوصيل أعلى وقد تصل إلى 12 دولاراً، “وهذا ادى بدوره الى خلق مجال للتنافس بين المحال من خلال عروض خدمة التوصيل التي قد تكون مجانية أو مخفضة”.

أكثر من عامل توصيل قابلناهم أكدوا أن المبالغ التي يتقاضونها لا تتناسب مع حجم الجهد الذي يبذلون إذ ايصل عدد ساعات العمل الى 16ساعة يومياً ويعانون الكثير في هذا العمل الشاق في ظل ارتفاع درجات الحرارة وضعف البنى التحتية التي تعرضهم لحوادث كثيرة بالإضافة الى الإجراءات المرورية الصارمة بحقهم في منعهم من ادارة عملهم بحرية “فنحن غير محببين بالنسبة لرجال المرور” يقول أحدهم. 

يقول الخبير الاقتصادي منار العبيدي إن “عدد العاملين في هذا النشاط الذي كان محدوداً في السابق يتنامى يوماً تلو الآخر خاصة أن هناك الكثير من سكان بغداد لا يستطيعون التحرك بحرية”.

ويضيف أن أكثر ما أسهم في انتشار الخدمة هو وباء كورونا والاجراءات الصحية التي فرضتها خلية الأزمة آنذاك مانعة المواطنين من التنقل وفارضة الحظر الصحي عليهم”. 

حسين أحمد في العشرينيات من عمره يعمل في خدمة التوصيل لحساب محل حلويات منذ أكثر من سنتين يقول “اكثر ما نعاني منه في هذا العمل هو الغاء الزبون طلبه بعد الحجز او عدم الرد على الهاتف اثناء التوصيل أو يختلق عذرا ما لعدم استلام الطلب”.

ويكمل:”اما عن وصف المنزل او ارسال الموقع فهذه مشكلتنا الأزلية إذ إن خرائط جوجل لا تعمل بشكل مثالي في جميع المواقع السكنية والأحياء”.

بعض المطاعم اذا ما تعرضت لإلغاء الطلب تستقطع مبلغ الطلب من اجور العامل وتحمله المسؤولية، يشتكي عدد من العمال.

لكن بحسب قول المحامي عدنان الصفار  المختص في قانون العمل العراقي “يتحمل صاحب العمل كافة الاتعاب اذا ما تم الغاء الطلب او عند حصول حادث للعامل او دراجته ويجب على صاحب العمل توفير كل الامكانيات التي يحتاجها العامل للعمل”.

أما عن عدد ساعات العمل في قانون العمل العراقي فيجب ان لا تتجاوز 8 ساعات بحسب المحامي، وان تكون بها فترة راحة بالإضافة الى عطل وان يكون هناك ضمان للعامل في حال تعرض لأي حادث. 

يقول الخبير الاقتصادي منار العبيدي العبيدي لـ المنصة إن معظم العاملين في العراق لا يعرفون حقوقهم وواجباتهم المتعلقة بعملهم ويجهلون قانون العمل الذي يعد ضماناً لحقهم في حال حصول اي تجاوز من قبل صاحب الشغل

وأضاف العبيدي إنّ “هذا النشاط التجاري الجديد “ظاهرة حضارية وهو بنفس الوقت يوفر الجهد والمنفعة لكلا الطرفين البائع والمشتري” مشيرا إلى أن انتشار الإنترنت ساهم في انتعاش هذه الظاهرة في بغداد وكذلك في باقي محافظات العراق، حيث أصبح التسوق عبر الإنترنت متاحا للكثير من المستخدمين.

ويُقدر العبيدي عدد العاملين في مهنة “الدليفري” بالألف عامل على مستوى العاصمة موضحاً أن هناك شركات خاصة توفر فرص عمل لمئات الأشخاص كعمال في خدمة توصيل البضائع لمختلف القطاعات التجارية وليس للمطاعم فحسب، خاصة التجار الذين يعتمدون على مواقع التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك”، في الترويج لبضاعتهم، والذين غالباً ما يكونون بحاجة إلى عمال توصيل البضائع إلى الزبائن ما يجعلهم يلجأون إلى الشركات الخاصة بتوظيف العمال وهذا ما يوفر المئات من فرص العمل للباحثين عنها.

من جهته يشتكي أكرم وعمال توصيل آخرون من تعامل قوات الشرطة والأمن معهم أثناء أدائهم عملهم، يقول أكرم “مهنتنا من بين أكثر المهن صعوبة وجهداً، وفي الوقت نفسه من أكثر المهن نزاهة وأمانة، إلّا أن القوات الامنية في غالب الأحيان تتعامل مع سائقي الدليفري على أنهم مجرمين”.

فالإجراء الأول بعد أي حادث أمني أو مروري كما يروي اكرم يكون بحق سائقي الدرجات فيجري توقيفهم. “لقد أصبحنا نشعر بالقلق الشديد، فحين تحدث بالعاصمة عمليات قتل أو اغتيال فإن أنظار قوات الأمن تتجه مباشرة لنا، وتبدأ المضايقات والحجز من دون معرفة الأسباب، وكثير من الأحيان، نضطر لدفع مبالغ مالية لبعض المنتسبين من أجل حماية دراجتنا من الحجز”.

وكان قرار قد صدر هذا العام من قبل مديرية المرور في العاصمة بحظر تجول الدراجات النارية بعد الساعة السادسة مساءً، لكن بعد وقفات احتجاجية ومناشدات عده حسب قول اكرم تم اعفاء عمال الدليفري من خلال اصدر هويات خاصة بهم من قبل مديرية المرور. 

ورغم كل هذه المصاعب تبقى خدمة الدليفري “حاملة السعادة” كما يصفها أكرم، ويبقى ألف عامل في بغداد يعملون جاهدين بواسطة دراجاتهم الصغيرة يقودونها في شوارع خطرة او مزدحمة لإيصال تلك السعادة الى قلوب زبائنهم. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى