أهم منارة إسلامية في البصرة مهددة بالانهيار بسبب العوامل المناخية
البصرة- نغم مكي
في منطقة المشراق القديمة يقع جامع الكواز ذو المنارة الاثرية التي يعود تاريخ تشييدها إلى أكثر من ثلاثة قرون، الا أن مناخ البصرة المتميز بارتفاع درجة الحرارة والرطوبة في أشهر الصيف الملتهبة قد يؤدي إلى انهيارها.
يتفق معظم آثاريي العراق على أن منارة هذا الجامع أهم معلم إسلامي في المدينة الجنوبية، إذ يعود تاريخ بنائها إلى 1720م وكما وصفها الشيخ مصطفى عبد الاله الهيتي في كتابه “من معالم البصرة التراثية جامع الكواز إنموذجاً” فإنها “مئذنة تضاهي مئذنة جامع سوق الغزل في بغداد وليس في البصرة مايدانيها”.
أثير الجدل حول منارة الكواز إثر منشور كتبه الكاتب والصحفي داود الفريح على صفحته على منصة “فيسبوك” في 18 تموز/يوليو الفائت حذّر فيه من وجود ميلان فيها قد تصل نسبته حسب رأيه إلى 10% من استقامتها الاساسية عازياً هذا الميلان إلى التغييرات المناخية في البلاد، وإلى المطبات والحفر العميقة في الشارع المحاذي للمنارة.
الفريح أضاف أن المطبات سببت ارتجاجاً متكرراً للمنارة والمباني القريبة منها خاصة عند مرور سيارات الحمل الكبيرة محذرا الكاتب من خطر انهيارها على المارة، كما وجه الكاتب البصري نداءً للجهات الرسمية للاسراع في صيانتها وتبليط الشارع محذراً من سقوط أجزاء منها في حالة هطول أمطار غزيرة.
التحذير الذي وجهه الفريح للمسؤولين ليس الهدف منه هدم المنارة كي لا تسبب خطراً على السابلة “إنما حمايتها وصيانتها بما تمثله من إرث تاريخي وحضاري للبصرة والعراق”، يقول للمنصة.
علي طاهر خليل، وهو مسؤول وحدة تراث البصرة أوضح أيضاً أن جامع الكواز يحتوي على منارة قديمة ومئذنة من المآذن النادرة البناء في الفن المعماري والتصميم الإسلامي. وتبلغ مساحة الجامع الكلية ألف متراً مربعاً بينما تبلغ مساحة الحرم الداخلي مع الغرف 600 متر مربع ويستوعب المصلى حوالي خمسمئة مصلِّ كما أنه يحتوي في جزئه الخلفي على عدد من القبور القديمة.
طاهر يؤكد على أن الموقع الخاص للجامع داخل ساحة دوارة (فلكة) للسيارات أثر بشكل واضح على المنارة. يقول: “كثرة الاهتزازات التي سببها مرور المركبات الثقيلة جعل الحالة الإنشائية للمئذنة غير جيدة ومهددة بالانهيار.. نحن نشاهد اليوم ميلانها نحو الجنوب الغربي واضحاً”. وأضاف “لا ننسى العوامل الجوية في البصرة والتي أثرت هي الأخرى على حال المنارة”.
يستمر فصل الصيف في العراق لأكثر من سبعة أشهر وتصل درجة حرارة الظل في البصرة خلاله إلى أكثر من 45 درجة مئوية وبهذا تتعرض القشرة الخارجية للمنارة بحسب خبراء مختصين الى موجات حرارية قاسية فيحدث فارق كبير بين درجتي حرارة الهواء الملامس للقشرتين الخارجية والداخلية للمقطع الانشائي للمنارة خلال ساعات اليوم الواحد اضافة الى المدى اليومي الكبير نسبياً لتغير درجات الحرارة (ليلاً ونهاراً) والذي يصل لأكثر من 20 درجة مئوية.
الباحث الآثاري عامر عبد الرزاق يرى أن الظروف المناخية لها تأثير كبير على المواقع والشواخص الأثرية بغض النظر عن فترة تشييدها سواء كانت تعود لحقب قديمة كالسومرية والآكدية والبابلية أو شواخص إسلامية، “فأجواؤنا المناخية قاسية من جفاف وعواصف الترابية وتصحر وورمال إضافة لدرجة الحرارة والرطوبة العالية التي يصل معدلها إلى مئة بالمئة خاصة في الجنوب؟”.
ويتابع: “العوامل المناخية ذات تأثير على الأبنية والمنارات الاسلامية وخصوصاً آجر البناء الذي بدأ بالتآكل، ويتأثر على الزجاج الملون والكتابات والزخارف التي بهتت بعد فترة زمنية”.
وبرأي عبد الرزاق فإن “هذا الأثر مهدد بالانهيار في ظل عدم وجود صيانة للموقع الأثري، وفي ظل ارتفاع نسبة الأملاح في التربة، ونسبة الرطوبة في الجو، وعدم وجود مصدات هوائية تحمي الآثار من ذرات الرمل المتطاير”.
الشيخ محمود العلي مسؤول جامع الكواز ينظر إلى منارة الجامع وفي عينيه حزن على حالها، قائلاً إن المنارة “ليس لها نظير في عموم العراق من ناحية التصميم وكيفية بناء الحجر”.
وأكد الشيخ أن المنارة تعرضت للميلان عندما تم افتتاح الشارع لكنه توقف قبل حوالي 25 سنة دون زيادة بحسب بروفسور تركي جاء بصفة رسمية قبل 8 سنوات وعاينها.
وأضاف الشيخ إن صيانة الجامع تكون عادة بحهود المتبرعين من المصلين والأهالي بعد أخذ الموافقات الرسمية أما المنارة “فلم يسأل عنها إلا بعد أن أثيرت المسألة على صفحات التواصل الاجتماعي فجاء وفد من دائرة الآثار لتقصي أمرها”.
مصطفى الحصيني مدير الآثار والتراث في البصرة أكد أن نسبة الميلان في المنارة اتجاه اليمين قدرها 80 سم وأن لجنة الآثار في تدرس سبل إصلاحها، “لكننا لم نرسل إلى الآن أي كتاب إلى هيئة الوقف السنّي”.
ويتألف الفريق الذي تشكل في 24 تموز/ يوليو من مفتشين في مديرية آثار وتراث البصرة مهمتهم استقصاء حالة المبنى واستحصال المعلومات الهندسية حول مسألة ميلان المنارة التي تحمل في سلما حلزونياً يصعد به المؤذن إلى أعلى نقطة، “وهذا الدرج الحلزوني آيل للسقوط كما أن التاج الخاص بهذه المنارة مفتت بسبب عوامل التعرية البيئية والرطوبة”.
وقال الحصيني إن المنارة “لم تأخذ حقها في الصيانة والترميم فهي تحتاج لصيانة دورية كل سنة أو ثلاث أو خمس سنوات، فالرطوبة عدوة المباني التراثية ونحن تحتاج بين فترة وأخرى لامتصاص هذه الرطوبة ومعالجتها”.
وتتبع المنارة لمديرية الوقف السني لكن حسب قانون الآثار لسنة 2002 فإن جميع المشيدات التراثية والأثرية تبقى تحت تصرف السلطة الاثارية في المحافظة وهي دائرة الاثار و التراث في البصرة في حالة جامع الكواز.