في الكاظمية.. آخر السيوف العراقية
بغداد – مصطفى محمد
في منطقة لكاظمية القديمة في بغداد يعيش رجل تحوّل اسمه إلى تمثيل للمهنة التي انغمس فيها بشغف لا يُضاهى، سيد حيدر أحمد، الذي يبلغ من العمر 51 عامًا والذي يحمل اليوم لقب “سيد حيدر أبو السيوف”.
بدأت القصة قبل حوالي أربعين عاماً عندما عمل الصبي حيدر في ورشة للمرحوم عبود الجواهري. هناك اكتشف شغفه العميق بصناعة السيوف والخناجر، لكنه لم يكتفِ بإتقان هذا الفن القديم بل اتسعت مهارته لتشمل التعامل مع مختلف أنواع المعادن من الفضة والذهب والبرونز الأحمر والنحاس والرصاص والقصدير.
يقول سيد حيدر إن صناعة السيوف واحدة من الحرف القديمة والتقاليد الفنية التي تمتد لآلاف السنين في العراق، “إنها صناعة تجسد تاريخاً عريقًا وثقافة عميقة، تعبر عن براعة الحرفيين العراقيين في تلك الفترات الزمنية المختلفة”.
يمتلك سيد حيدر شغفًا حقيقيًا بالعمل اليدوي الذي لا يعتمد على الآلات، ويعمل بعناية فائقة على إنشاء كل قطعة من السيوف والخناجر بدقة متناهية، مؤكداً ان رسالته هي الحفاظ على سمعة السيف العراقي، إذ “تتميز السيوف العراقية بجودة صناعتها وتصميمها الفريد، مما جعلها مرغوبة على مستوى العالم”.
وتعتمد صناعة السيوف على مراحل دقيقة، تبدأ بإنشاء النصل، ثم يتبعه الغمد أو الـ “برشك”، وبعد ذلك المقبض التي يختار فيه المواد حسب رغبة الزبون، سواء كان من العاج أو العظم أو الأحجار الكريمة.
ويرى سيد حيدر أن السيف في العراق أكثر من مجرد أداة قتالية، بل هو “عمل فني يمثل الثقافة والتقاليد العراقية” ويروي قصصاً عن شخصيات عربية ورؤساء دول وشخصيات الدينية اقتنوا سيوفاً صممها بيديه، مشيراً إلى أن السيوف العراقية “مرغوبة لدى النبلاء والقادة في العديد من الدول”، كما أن الحكومات المتعاقبة “كانت تقدم السيف هديةً رمزية لدول وشخصيات هامة”.
ويشدد “أبو السيوف” على أن التقنية وحدها ليس بمقدروها صناعة سيف مثل الذي يصنعه، لكن مع ذلك يعمل العديد من الصانعين العراقيين على الحفاظ على هذا التراث وتطويره مستخدمين التكنولوجيا الحديثة إلى جانب المهارات اليدوية التقليدية لإنتاج سيوف تجمع بين الأصالة والجودة العالية.
وعندما يتحدث عن أنواع السيوف، يشرح أنها تأتي بنصول من فولاذ، مع أغماد تُصنع حسب رغبة الزبون، فتأتي بأشكال وألوان متعددة، مثل الفضة المطعمة بالذهب أو البرونز أو النحاس المطلي بالذهب الأبيض والأصفر.
أما بالنسبة للأسعار، فيوضح أنها تتفاوت حسب نوع المعدن ونوع الصياغة، إذ تتراوح بين 700 و800 دولار لبعضها وتصل إلى 20,000 إلى 25,000 دولار لبعض القطع الفاخرة.
ومع انحسار دور الدولة والمؤسسات في دعم هذه المهنة، وعند التفكير بمستقبل هذه الصناعة في منطقة الكاظمية، يرد بثقة قائلاً: “من خلال مهارة الصانع، يمكن الحفاظ على هذه الصناعة والابتكار بها”.
ولعل أكثر ما يسهم في الحفاظ على هذه الحرفة من الاندثار هو تعليمها ونقل أسرارها للأجيال القادمة، وهو بالفعل يعلم أولاده الثلاثة هذه المهنة خوفاً عليها من الضياع.
ولا يبدو “أبو السيوف” منزعجاً من انتشار كميات كبيرة من السيوف التجارية المعروضة في الأسواق، لكنه يسدي نصيحة لكل من يتطلع للعمل في هذه المهنة قائلاً: “حاول أن تتعلم بيدك لا باستخدام الآلات”، فهو يرى أن اللمسة الشخصية هي ما يميز هذه الصناعة ويجعلها فريدة من نوعها.