العنگر والچولان طوقا النجاة الاخيرين لمربي الماشية في البصرة

البصرة- نغم مكي
يقود مربّي الحيوانات عبد الخضر دراجته الهوائية لمسافة لا تبعد كثيراً عن منزله في شرقي البصرة متجهاً بها إلى نهر “الحوامد” وسط قضاء شط العرب، يتوقف بالقرب من ضفة النهر ثم يترجل منها، يلتقط منجله ويشمر عن ساعديه ويبدأ بقطع نباتات العنگر والچولان من سيقانها.
حزم النباتات التي يجمعها الرجل السبعيني يضعها في السلة الخلفية للدراجة، يكتفي بهذا القدر فرحاً بما حصده ويهمّ بالعودة إلى حظيرة الحيوانات التي يملكها ليشبع جوع ماشيته، فالنخالة والطحين والخبز اليابس والحنطة باتت مواد يصعب الحصول عليها في الوقت الحالي بأسعار مناسبة كعلف للحيوانات.
ورث عبد الخضر مهنة تربية الحيوانات أباً عن جد فلديه في مزرعته قطيع من الماعز والأبقار وعدد قليل من الدجاج يستفيد من من منتجاتها في زيادة دخله، أما المرتّب التقاعدي الذي يتقاضاه من عمله السابق كموظف في الحكومة فبالكاد يكفي لشراء أدوية الضغط والسكر وحاجات المنزل البسيطة.
يقول عبد الخضر الملقب بأبي حيدر إن مربي ماشية كثر باتوا يأتون إلى نهر الحوامد لجزّ العنگر والچولان أو يقصدون مناطق أخرى مثل الگرمة شمالي البصرة أو التنومة لتعويض نقص الأعلاف في مزارعهم، ويعلق قائلاً: “هنا الزرع خير من الله”.
يتوقف ابو حيدر قليلاً مشيراً بسبّابته لشط العرب مسترسلاً في الحديث: “وين هسة الشط وقبل وين؟” موضحاً أن الشطّ كان سابقاً بحراً يعجّ ببواخر الشحن تنقل إليه شتى أنواع البضائع وتنتشر حوله أنشطة اقتصادية عدة لكن دوره التجاري تراجع بسبب انحسار المياه وارتفاع نسب الملوحة، وترافق ذلك مع تراجع في كميات المحاصيل الزراعية والأعلاف في عموم الجنوب العراقي.
حال المزارع أبو عباس لا يختلف كثيراً عن حال أبي حيدر، فهو يقطع مسافات تأخذ منه وقتاً طويلاً على دراجته الهوائية لثلاث مرات في الأسبوع لجمع نباتات العنگر والچولان لإطعام ماشيته. بدا الحزن واضحاً على وجه أبي عباس عندما روى لنا كيف اضطر لبيع معظم ما يمتلك من ماشية بسبب ارتفاع أسعار العلف، “بعت الأبقار والجواميس ولم يتبق لدي اليوم سوى عدد قليل من رؤوس الماعز”.
وبحسب مدير زراعة البصرة هادي حسين يبلغ المجموع الكلي لرؤوس الماشية في المحافظة حوالي 400 ألف ربعها تقريباً من الجواميس، وحوالي 85 ألف من الأبقار، وحوالي مائتي ألف رأس من الأغنام، فضلاً عن قرابة عشرة آلاف رأس ماعز و15 ألف رأساً من الإبل.
يوضح الخبير البيئي والأستاذ الجامعي عبد الرضا أكبر علوان أن الأزمة المناخية التي تشهدها البلاد دفعت مربي الماشية وتحديداً مربي الجواميس للاعتماد على النباتات علفاً لماشيتهم، وفي مقدمتها العنگر والچولان.
والعنگر نبات دائمي معمر ينتشر في شط العرب ومعظم المسطحات المائية في العراق وهو ويعد من النباتات المميزة لبيئة الاهوار إضافة إلى نبات البردي ومن ثم الچولان.
لا يخشى الخبير البيئي من تأثيرات قطع العنگر على مستقبل الغطاء النباتي في الجنوب لأن “ريزومات العنگر باقية تحت التربة وبإمكانها النمو مجدداً عند توفر ظروف النمو وكذلك الحال بالنسبة للچولان” موضحاً أن الريزومات سيقان أو جذور تنمو تحت سطح التربة بشكل أفقي.
ويؤكد الخبير إن نوعي النبات هذين مهمان لبيئة الاهوار وسكانها كونهما يشكلان علفاً للحيوانات و”لهما فوائد رعوية مهمة جداً في زيادة الحليب عند الحيوانات مقارنة مع بقية الأعلاف”، كما أنهما يدخلان في أنشطة اقتصادية أخرى كصنع البواري والسلال والحصران.
ويتابع الخبير أن مراحل نمو هذين النباتين لا تستغرق وقتاً طويلاً وأن قطعها من الساق أو رعيها يساعدان على تجديدها باستمرار.
أبو حيدر، مربي الحيوانات يوضح أن المربين لا يحشّون سوى النباتات الفتية، أما تلك الطويلة والقديمة فتبقى مزهرة وينقل الهواء بذورها إلى أمكنة أخرى فتنبت وتكوّن مجتمعات نباتية جديدة.
لكن وفي ظل نقص العلف الحاصل وارتفاع أسعاره، ينصح الخبير الخبير البيئي بإدارة وتنظيم عمليات الرعي وجمع النباتات بطرق تبادلية بين المناطق كي يتسنى لكل منطقة تجديد نفسها.
ويعزو هادي حسين أسباب نقص الأعلاف وغلاء اسعارها لتناقص مساحات رعي الحيوانات مثل مناطق رعي الجاموس في الاهوار والمستنقعات نتيجة لجفاف هذه المناطق وشحة الأمطار وبناء السدود عند منابع الأنهار في الدول المجاورة.
قلة الغطاء النباتي سببت بحسب هادي في زيادة الطلب على الأعلاف الجافة المركزة في ظل ارتفاع صرف سعر الدولار بالمقارنة مع الدينار العراقي، ولكون معظم الاعلاف الجافة مستوردة فقد تأثرت أسعارها بشكل كبير.
كما أن الحرب الأوكرانية الروسية أسهمت في مضاعفة الأسعار “كون معظم الأعلاف مستوردة من أوكرانيا وخصوصاً فول الصويا وهو المصدر الرئيس للبروتين في أعلاف الحيوانات”، يو ضح هادي.
أما مربي الماشية ابو عباس فيأمل أن تجد السلطات العراقية حلاً لمشكلة نقص المياه في الجنوب العراقي كي لا يضطر لبيع ما تبقى من رؤوس الماعز في حظيرته، وإلى ذلك الحين تبقى نباتات شط العرب طوق نجاته، ربما الأخير.