“عمليات تخريبية” بمسمى “عمليات تجميلية”

فاطمة سمير-بغداد

“كنت متأثرة جداً بالممثلة والعارضة اللبنانية نادين نسيب فهي امرأة جميلة بملامح حادة وشفاه ممتلئة، وكنت أتصفح صورها كل يوم وأتمنى أن أجري عملية تجميل لشفتاي فأجعلها ممتلئة مثل شفاهها تماماً”،  بهذه العبارة بدأت سارة تروي حكايتها عن التدخّل التجميلي الذي قامت بإجرائه فأثّر سلباً على شكلها وعلى حالتها النفسية.

كانت سارة الفتاة البغدادية العشرينية تتصفح في منصة الانستجرام عندما وجدت إحدى المنشورات التي تطلب من المتابعين أن يرسلوا إعلاناً تجارياً إلى ثلاثة أشخاص كي يربحوا عملية “فيلر شفاه” في إحدى صالونات التجميل في بغداد. 

“شاركت في المسابقة وبعد أسبوع أيام تواصلت معي صاحبة الصفحة واتفقت معي على الموعد المحدد” تتابع سارة التي ذهبت إلى المكان فكان كما وصفته صالوناً صغير المساحة بتصميم متواضع ولا يبدو على صاحبته أنها تمتلك خبرةً أو اختصاصاً بهذا النوع من التدخّلات التجميلية.

“عملت الفلر فتورّمت شفتاي مباشرةً، وعند عودتي إلى المنزل توقعت أن يزول ورم الشفاه لكن يوماً بعد يوم كان الورم يزداد وشكل الشفتين صار ملفتاً للنظر، غير متناسقٍ ومسبب للإحراج”.

سارة ليست الضحية الوحيدة لمثل هذا النوع من العمليات بل ربما هي أقل تضررا من غيرها فهناك نساء فقدن حياتهن داخل غرف التجميل غير المرخصة المنتشرة في احياء العاصمة وضواحيها، وخير مثال على ذلك ما تناولته المواقع الإخبارية في الشهر الماضي عن امرأة أجرت عملية نحت الجسم في إحدى المنازل في بغداد والتي انتهت بإنتهاء حياة الشابة وهروب السيدة التي انتحلت صفة طبيبة التجميل.

في السنوات الاخيرة، مع اجتياح صور  النساء والرجال ذوي المواصفات الشكلية الاستثنائية لمواقع التواصل الاجتماعي والمسلسلات الدرامية، نساءً يمتلكن جسداً رشيقاً وصدراً وشفاهاً ممتلئة وانفاً صغير الحجم وجهاً يخلو من التجاعيد، ورجالاً بفك العريض وشعر مزروع وأنف متناسق، بات عدد كبير من المراهقين مصابين بما يعرف بـ “هوس التجميل” فلا يثقون بأشكالهم ومظهرهم ويرافقهم في حياتهم السؤال نفسه: “متى أجري عملية تجميل لأصحح شكلي؟”.

وتعني الجراحة التجميلية إجراء تدخل جراحي تجميلي بهدف تحسين مظهر الفرد حتى لو لم تكن هناك مشكلة طبية، وذلك في جميع مناطق الجسم بدءاً من الأنف وانتهاء بعملية شد الجسم والتي تعتبر أخطر عملية يمكن أن يجريها الفرد.

وبحسب أ.د قاسم حسين صالح مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية فإن عملية التجميل بأكملها سواء خضعت لها امراة أو رجل هي “عملية سيكولجية خالصة تقوم على معادلة الشعور بالنقص وبناء الثقة بالنفس”.

ويعزو حسين انتشار هذا النوع من العمليات إلى أسباب اجتماعية وثقافية وإعلامية، فنسبة النساء في العراق تحديدا ارتفعت من حوالي خمسين بالمئة إلى حوالي خمسة وستين بالمئة بسبب الحروب الكارثية وهجرة ملايين الشباب، وهذا ما أدى بحسب حسين إلى أن يكون عدد المتنافسات على الزواج أكثر، ما يدفع نسبة كبيرة منهن الى الذهاب الصالونات والعيادات التجميلية لإجراء التدخلات التجميلية، و”لأن نسبة كبيرة من النساء لديهن قناعة بأن الجمال هو الطريق للزواج والعمل، ولأن المتنافسات كثر والفرص قليلة فإنهن أصبن بهستريا التجميل”.

ويضيف حسين أن وسائل الإعلام تلعب الدور الأكبر في انتشار هذا النوع من الهستريا، “فكما أن لكل سنة موضة للملابس كذلك للتجميل موضات، سواء للشفاه أو الأنف أو العيون او بقية مناطق الجسم، لكن ملاحقة المظهر والشكل بهذه الطريقة قد يؤدي إلى أمراض نفسية أخطرها الإدمان على التجميل”، يوضح الطبيب.

يخبرنا سلام وهو شاب عشريني شغوف بالتقاط صور السيلفي ونشرها على حساباته في مواقع التواصل الإجتماعي ولديه آلاف المتابعين المهتمين بتنسيقات الملابس والأزياء عن تجربته مع عملية تجميل لأنفه وعن الأثمان التي تكبدها نتيجة هذه العملية. 

“كنت أمتلك أنفاً بغضروف دائري وكان هذا يسبب لي بعض الإحراج  فلو كان شكله مدبب سيصبح أجمل”، يقول سلام، ويكمل “بعض الأصدقاء نصحني بإجراء العملية وبالفعل ذهبت لأحد الأطباء وأجريتها فأصبح شكل أنفي مقارب لما كنت أريد لكني أشعر اليوم بمشكلة في التنفس”.

ويتحدث نقيب الأطباء جاسم العزاوي عبر تقرير في وسائل الإعلام أن “مئات المراكز التخريبية غير مرخصة  منتشرة في بغداد والمحافظات رغم محاولات النقابة الحد منها وإعدادها تفوق اعداد الكوادر المختصة بمراقبة عمل الأطباء داخل هذه المراكز”.

 من جهته، يعتقد الجراح عمر داغر أن “كثيراً من العاملين في هذه المراكز لا يملكون مؤهلات وشهادات الطب أو الخبرة، ومن ضمنهم بعض الأطباء الذين استسهلوا الأمر، مثل أطباء الأسنان والصيادلة وحتى خريجي التحليلات المرضية، وهذه مهمة خطيرة ومجازفة كبيرة، خاصة التدخلات التجميلية التي تتطلب مخدرا وغرفة عمليات وكادرا طبيا متكاملا، على الرغم من أن العمليات تحتاج إلى أشخاص يمتلكون من الخبرة ما يكفي لتشخيص المضاعفات مسبقا والعمل على تجنبها”.

ورغم المشكلات الصحية الناتجة عن العملية لكن سلام يعلق على ذلك بالقول: “لا بأس، المهم أني أصبحت الآن أكثر ثقة عندما أنشر صورة ويقابلها الكثير من الإعجابات.. صعوبات التنفس اعتدت عليها”.

شيماء عبدالعزيز أستاذة علم النفس في جامعة بغداد ترى أن سلام وسارة ما هما إلا ضحايا تقليديين لهوس التجميل بسبب ما تنشره وسائل الإعلام ومواقع التواصل من صور لأشخاص أجروا عمليات تجميل وكذلك ما يتم نشره من قبل مشاهير وفنانين.

وترى عبدالعزيز أن هذا النوع من الأمراض النفسية يعتبر خطيراً موضحة أن “المعجبين يقتدون بمثل هؤلاء حتى لو لم يحتاجوا لذلك فيدمنون على العمليات إلى أن تصبح هوساً”.

أما إذا أردنا أن نقارن من هم أكثر هوساً بالتجميل الرجال أم النساء، فتؤكد الخبيرة النفسية أن  النساء أكثر عرضة للإصابة بهذا الهوس بسبب ظروف اجتماعية وثقافية تبدأ منذ التنشئة الأولى مع التنمر الذي تتعرض له الفتاة في حال لم تكن تتمتع بالمواصفات الجمالية المعروفة، أو لأن الجمال صار بالنسبة لكثيرات بوابة للحصول على زوج مناسب أو على عمل. 

عند مراجعتها لتجربتها ترى سارة اليوم انها ربحت فلر مجاني لكنه قاد إلى تشويه شكلها لا إلى تحسينه، كما انها خسرت أموالاً دفعتها لمشفى مختص لعلاج مشكلتها “فالتي اجرت لي الفيلر لم تعد ترد على رسائلي وهي بكل الأحوال غير قادرة على إصلاح الضرر الذي تسببت به، ناهيك عن التأثير النفسي الذي حدث لي”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى