بداية العام الدراسي الجديد تشكل عبئاً على الفقراء
فاطمة كريم- بغداد
كان الطفل سجاد ممسكاً بيد أبيه بقوة يسحبها في وسط شارع مخصص لبيع المستلزمات الدراسية، يقف على عتبه إحدى المكتبات ويختار بعناية كل ما يحتاجه مع بداية خطوته الجديدة في المدرسة.
سلمان والد كل من سجاد وحسين وفاطمة، يعمل نجاراً في منطقة تقع على اطراف بغداد، يصطحب أولاده في بداية كل موسم دراسي جديد إلى أسواق الشورجة التي تعد شريان العاصمة التجاري ويبدأ بتحضير وتهيئة كل ما يحتاجونه من مستلزمات.
يقول سلمان “لا يتوفر في منطقتي مكتبات لبيع القرطاسية، وإن توفرت فالأسعار مرتفعة جدا تشكل عبء علينا نحن الآباء”.
بالنسبة لسلمان شهد هذا العام ارتفاعا مبالغاً بأسعار القرطاسية لم تشهدها الاسواق من قبل تزامنا مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي.
سلمان يقول” لدي ولدان وبنت، ابنتي موهوبة جداً بالرسم ومن واجبي ان اشد على ساعديها واطور موهبتها لكن البضاعة غالية جدا و احاول اوفر لجميعهم ما يحتاجونه بالتساوي”.
العائلات محدودة الدخل تلجأ إلى سوق الشورجة بحثاً عن أسعار مناسبة، وهي من أسواق بغداد القديمة والمشهورة يعود تاريخ إنشائها إلى عصر الدولة العباسية المتأخر، ويمتد موقعها القديم من شارع الكفاح ثم شارع الجمهورية ولغاية موقع جامع مرجان في شارع الرشيد.
يشتكي سلمان من أن “تجهيز الطالب بكل المستلزمات الدراسية أمر مكلف جداً ومع بدء العام الدراسي يقوم أصحاب المحلات بزيادة الاسعار إلى الضعف، الأطفال لا يفهمون هذه الامور ومن واجبنا توفير ما يحتاجونه كي لا يشعروا بنقص”.
عبد الرحمن هو الآخر يقطع مسافة 74كم من منطقة الصويرة إلى بغداد وبالتحديد إلى سوق الشورجة ليشتري كل ما يحتاجه اطفاله من دفاتر وأقلام ومستلزمات دراسية أخرى.
لدى عبد الرحمن أربعة ابناء في مختلف المراحل الدراسية، وهذا يتطلب الكثير من الاموال لتجهيزهم حسب قوله، ويتابع: “كل عام أتي الى سوق الشورجة فاسعاره تختلف نسبيا عما يباع في الصويرة”.
ويكمل:”تفاجأت اليوم بأن الأسعار مرتفعة جدا هذه السنة حتى في سوق الشورجة وهذا يشكل عبئاً كبير علينا”.
وتعد الشورجة سوق تراثية وشعبية عند البغداديين فأغلب البيوت البغدادية تقصدها للتبضع خصوصا في أيام رمضان والمناسبات والأعياد والمواسم الدراسية كافة.
ويضم سوق الشورجة عدة فروع تزيد عن 19 فرعاً منها سوق الصابون، وسوق التوابل، وسوق القرطاسية، وآخر للزجاجيات والفرفوري والفافون إلى غير ذلك.
بدأ عبد الرحمن بانتقاء الدفاتر والاقلام والكراسات وكان يتفاوض مع صاحب المحل ليخفض له من الاسعار، لكن صاحب المحل أصر على السعر المعروض قائلاً: “لا أربح في البضاعة كثير والاسعار مرتفعة بسبب الدولار لا استطيع أن اخفضها”.
استمر الحديث بين عبد الرحمن وصاحب المحل وتمكن عبد الرحمن من اقناع صاحب المحل وخفض السعر قليلاُ. يقول عبد الرحمن “تجهيز الطالب الواحد من ملابس وقرطاسية يكلف بحدود 150 الف دينار عراقي فما بالك بمن لديه ثلاثة أو أربعة أبناء”.
فاضل الجميلي أحد اصحاب المكتبات في سوق الشورجة يعمل في هذا السوق منذ اكثر من 20 سنة لديه محل لبيع المستلزمات الدراسية، يقول “نبدأ بتحضير وتجهيز محلاتنا استعدادا للعام الدراسي الجديد قبل شهر من الموعد والبضاعة تأتينا من الخارج، جميعها مستورد من الصين وتركيا وباقي الدول”.
لكن تقلّب سعر صرف الدولار في العراق بالفترات الاخيرة جعل أسعار البضائع ترتفع في الاسواق ومن بينها المستلزمات الدراسية، رافقه ارتفاع في سعر الرسوم الجمركية، فكان المتأثر الاكبر هم اصحاب الدخل المحدود بحسب ما يوضح التاجر.
يقول الجميلي “سابقا كانت الاسعار زهيدة جدا مقارنة باليوم، فكانت القرطاسية توزع على الطلاب في المدارس عند بدء الدوام وكانت البضاعة محلية الصنع عكس ما يحصل اليوم تماماً”.
ويكمل قائلاً “مع هذا نحاول أن نوازن الاسعار ولا نبالغ بالربح، فالذي يشتري بمبلغ كبير نخفض له السعر قليلاً”.
لا تقتصر مشتريات الأهل على المستلزمات الدراسية كالدفاتر والأقلام والملابس والحقائب المدرسية، فتدهور واقع التعليم في في العراق جعل المناهج المدرسية أيضاً ضمن قوائم المشتريات.
يقول سلمان” منذ أكثر من ثلاث سنوات لا توجد كتب دراسية فالوزارة لا تمنح المدارس ما يكفي من الكتب مما يضطر الطلاب الى شرائها من السوق أو استنساخها في المكتبات”.
ويكمل “هذا الامر يفوق طاقة أصحاب المهن البسيطة و ذوي الدخل المحدود” مطالباً وزارة التربية والحكومة العراقية بتأمين احتياجات الطلاب بأسعار مدعومة “كي لا يحصل ابن الغني على التعليم بينما يحرم منه أولاد الفقراء”، على حد تعبيره.