التصوير بالهاتف.. وسيلة دفاع النساء ضد المتحرشين
فاطمة كريـم- بغداد
“كان سائق سيارة الأجرة يرسل لي ايماءات وإشاراتٍ جنسية بوجهه ويده وبشكل صريح، ولم يكن أمامي خيار آخر لأدافع به عن نفسي غير تصويره بواسطة الهاتف”، تقول زينب التي تعرضت لحالة تحرش “صادمة” كما وصفتها.
زينب محمد (الاسم مستعار) فتاة بغدادية في العشرين من عمرها تروي قصتها بعد تعرضها لتحرش ومضايقات اثناء خروجها من المنزل مثلها مثل الكثير من النساء، لكن اليوم زينب وعدد من الفتيات لجأن الى التصوير بواسطة الهاتف كوسيلة للدفاع عن انفسهن.
تكمل زينب:” طلبت منه التوقف فورا ولم يرد على كلامي وبدأ يعمل حركات بيده ويحاول لمسي.. بدأت بالصراخ عليه محاولة الدفاع عن نفسي ولم يتوقف أبداً، أخرجت الهاتف وبدأت بتصويره لتوثيق الاعتداء علي”.
بدأ الأمر العام الماضي في شهر تشرين الاول بالتحديد عندما وثقت امرأة حالة تحرش داخل المواصلات العامة في منطقة الكرادة في بغداد ليتم بثها على منصات مواقع التواصل الاجتماعي لتلقى تفاعلاً واسعاً من قبل متابعين أدانوا فعل المتحرش وطالبوا بانزال أقسى العقوبات بحقه، ليتحول هذا المنشور الى قضية رأي عام.
في تلك الفترة انتشر وسم #اوقفوا_متحرش_الكرادة من أجل لفت نظر الرأي العام والمؤسسات الحكومية المعنية، ما شجع أُخريات على حذو خطى الفتاة الشجاعة ونشر فيديوهات أخرى تباعاً.
ومع تكرار دعوات كانت قد انطلقت العام الماضي لفضح المتحرشين كنوع العقوبة المجتمعية التي تحل محل العقوبة القانونية شبه الغائبة بهذا الصدد، بدأت نساء بتصوير ورصد حالات تحرش تعرضن لها متخذين من الكاميرا ومنصات مواقع التواصل الاجتماعي سلاحاً يدافعن به عن أنفسهن ضد كل من يعتدي عليهن.
تقول زينب “في هذه اللحظة تذكرت حادثة الكرادة وقمت بتصوير السائق لفضحة وبالفعل صورته وارسلت الصور الى عدة منصات امينة وتم نشره وفضحه امام المجتمع وعائلته”.
توضح زينب أن النساء يلجأن الى هذا النوع من الدفاع عن انفسهن بعد ان فقدن الثقة في المجتمع والقانون والاهل، بسبب العادات وتقاليد والاعراف التي ترمي باللوم على الضحية وتحملها المسؤولية.
اليوم يوجد العديد من المنصات المدافعة عن حقوق النساء تدين هذه الافعال وتقدم يد العون لضحايا التحرش الجنسي، تقول زينب، أبرزها منصة ” هي ثورة” التي تأسست منذ عدة سنوات لملاحقة المتحرشين وتعرف عن نفسها بأنها صوت مناصر لجميع قضايا النساء، ومن خلال تعاملها مع عدد كبير من المشكلات بنت هذه الصفحة قاعدة جماهيرية آمنة، فالعديد من النساء يلجأن اليها إذا ما تعرضن لحالة تحرش او عنف.
تعزو هذه المنصة سبب إنشائها إلى مجموعة من الأسباب، أولها ضعف الرادع القانوني للتحرش مع كثرة حالات التحرش في كل مكان، سواء بالبيت أو الشارع أو مكان الدراسة والعمل أو في وسائل المواصلات، فالقانون العراقي يعجز عن معالجة القضية ولا يأخذ الموضوع على محمل الجد.
أما السبب الثاني بحسب ناشطات في المنصة فهو “الخوف من الحديث أمام الأهل، وهذا يرجع الى طبيعة المجتمع العراقي الذي تحكمه العادات والأعراف، فدائماً ما ترمى ذرائع ومبررات عبثية على أنها أسباب للتحرش”.
ساعدت منصة” هي ثورة “ومنصات أخرى على ملاحقة المتحرشين والقبض عليهم وعلى ردع كل من يحاول ان يمس النساء من خلال تطوير أساليب الضغط المجتمعي على المتحرشين.
زينة سالم (اسم مستعار) وهي في الثلاثينات من عمرها تعمل في احدى مولات بغداد في منطقة المنصور، تقول “كثيرا ما اتعرض للمضايقات في عملي وخارجه، وغالباً ما اصمت لكي احافظ على مصدر رزقي أو خوفاً من أن يصل الموضوع إلى أهلي فيرفضوا ذهابي الى العمل مرةً ثانية”.
يمكن القول إن الاهل والتربية هي المسبب الاول لما يحدث من قبل المتحرش والضحية، “فالاعراف والعادات تجعل سلوكيات الذكور مباحة وتلقي باللوم على النساء لارتدائهن ملابس معينة أو خروجهن بمفردهن أو وضهعن مساحيق تجميل”، توضح زينة.
تتابع زينة سرد قصتها فتقول: “بعد انتهاء عملي قررت أن اطلب خدمة تكسي من احدى التطبيقات باعتبارها أكثر أماناً وحرصاً، لكن تفاجأت بعد عودتي الى المنزل بالسائق يبعث لي رسائل على تطبيق واتساب من هاتفة الشخصي ويضايقني كثيراً فقمت بحظره”.
تكمل:” في اليوم التالي واثناء عودتي الى المنزل في نفس الوقت رأيته يجلس أمام المول بسيارته، بدأ يلاحقني ويتحرش بي، شعرت بالخوف وقمت بالصراخ في وجهه لكن لم يتوقف بل اخذ يتمادى وقمت بتهديده لكنه لم يأخذ كلامي على محمل الجد، لم يكن لي خيار اخر سوى أن قمت بتصويره بواسطة الهاتف”.
بحسب خبراء قانونيون تحدثت غليهم المنصة، لم يرد “التحرش” كمفردة في قانون العقوبات العراقي إذ يتعامل القضاء معه تحت عنوان “الجرائم المخلة بالحياء” التي وردت في قانون العقوبات (رقم 111 لسنة 1969) وأفرد له المواد (400-401-402).
وتوضح المحامية لبنى محمد أن القانون العراقي يعاقب على التحرش باستخدام القوة أو التهديد بالسجن 7 سنوات مع إمكان تمديد السجن إلى 10 سنوات. أما التحرّش بالطلب فتشمل عقوبته السجن فترة 3 أشهر أو دفع غرامة مالية لا تزيد عن مليون دينار عراقي ، وتضاعف هذه العقوبة إلى 6 أشهر في حال تكرار الفعل.
وتشدد لبنى على أن “هناك حاجة فعلية لتشريع قانون خاص بالتحرش من خلال وضع بنود في القانون في خانة واحدة من أجل تحجيم الجرائم المرتكبة، ومنع تطورها وتفشيها”.
الناشطة النسوية بشرى العبيدي تلفت إلى عدم وجود احصائيات خاصة بحالات التحرش بالعراق لكنها تؤكد أن النسبة لا تتراجع بل تزيد في ظل عدم وجود رادع قانوني أو مجتمعي، ما يدفع المزيد من المتحرشين إلى الظهور في الأسواق العامة والشوارع وحتى الجامعات.
وتتابع: “تعمد نساء يتعرضن لتحرش إلى تصوير المخالفين ونشر صورهم ومقاطع مسجلة لما تعرضن له عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في محاولة لإحراج هذه الشريحة أمام المجتمع”.
الضحية زينة وقفت بوجه المتحرش محاولة تطبيق القانون وردع مثل هكذا اشخاص “مرضى نفسياً” كما وصفتهم.
تقول: “طلبت المساعدة من افراد الشرطة وقدمت كافة الادلة من تصوير ومحادثات وقمت برفع شكوى ضده لكن تفاجأت بعد ذلك بخروجه بكفالة ودفع غرامة مالية.
وتتابع : “لجأت الى مواقع التواصل بعد فشل القانون العراقي في معاقبته وقمت بإرسال الفيديو لعدة منصات على مواقع التواصل الاجتماعي ليكون درسا له ولأمثاله”.
الناشطة النسوية بشرى العبيدي أشارت إلى هذا أيضاً بالقول إن “المشكلة في ظاهرة التحرش بالنساء في العراق تتمثل في خروج مرتكبيها بكفالات بعد توقيفهم، وعدم تنفيذ قرارات السجن التي تستبدل بدفع غرامات مالية ما يشير إلى وجود تساهل قانوني واضح مع المتحرشين”.
وتكمل: “الناشطات النسويات يبحثن موضوع تصوير المتحرشين الذي تؤيده شريحة منهن باعتباره طريقة تجعل المتحرّشين يخشون ارتكاب هذه الأفعال، لكن الرادع الأساس يبقى تنفيذ القانون”.
لم يكن الفيديو الذي صورته الفتاة في وسيلة نقل عامة في منطقة الكرادة الأول من نوعه، فعلى مدار السنوات الأخيرة وبين فترة وأخرى، تتم مشاركة تجربة مريرة لضحية من ضحايا التحرش أو فيديو أو صور توثق للحادثة سواء عن طريق الضحية نفسها، أو بمساعدة ناشطات، أو صفحات خاصة بمجموعات، أو منظمات تُعنى بحقوق المرأة.
وانضمت نساء كثر إلى هذا التصدي عبر مشاركة تجاربهن، إذ وجدن في التفاعل الكبير مع الفيديو وانتشاره فرصة سانحة لهن لكسر الأغلال المجتمعية والتحدث عن تجارب قاسية بغية تحقيق العدالة، ولو جزئياً.