مراكز ثقافية للأطفال في بغداد.. نحتاج إلى الدعم وليس بيدنا “فانوس سحري”

مهدي غريب _ بغداد
دأب “الفانوس السحري” منذ عقود على تنمية قدرات أطفال بغداد في مجال الغناء والتمثيل والرسم بل حتى الصحافة، كواحد من مراكز ثقافية تعد على أصابع اليد الواحدة، مخصصة للطفل البغدادي.
لكن الدعم المقدم لهذا “الفانوس السحري” من قبل وزارة الثقافة والهيئات الرسمية الأخرى لا يسمح سوى للعشرات فقط من الأطفال أن يستفيدوا من خدماته.
العراقيون الذين يصطحبون أولادهم اليوم إلى البناية الواقعة في حي المنصور في بغداد ينظرون إلى المركز الثقافي بنوع من الحنين والتأثّر، كيف لا وبرنامج “سينما الأطفال” الذي كانت تقدمه الإعلامية نسرين جورج كان يبث من بناية الفانوس عندما كان الأهالي أنفسهم اطفالاً صغاراً، وكان البرنامج بالنسبة لهم آنذاك يمثل بوابة تعليمية هامة، وكانوا يتسابقون فيما بينهم لإبراز مواهبهم كي يظهروا بالتلفاز.
أما اليوم فتقام في هذا المركز العديد من النشاطات الثقافية التي تختص بتنمية مواهب الأطفال ويخرّج الفانوس السحري في كلِ دورةٍ صيفيةٍ ما يقارب من 30 طفلاً بمواهب متعددة بحسب الدكتور اسماعيل سليمان مدير عام دائرة ثقافة الأطفال.
سليمان لا يعتقد أن هذا العدد من الأطفال كبير، لكن ما العمل، “حالياً هذه هي الامكانيات المتوفرة، ولو تتوفر لدينا أموال أكثر مخصصة لدار ثقافة الأطفال نستطيع أن نضم مئات الأطفال الجدد ونعلم الأطفال تعليماً يلائم متطلبات العصر”.
ويشتكي أهالٍ كثر في بغداد ومحافظات عراقية أخرى من ندرة المراكز الثقافية التعليمية المخصصة للأطفال قبل بلوغ المدرسة “فالعملية التعليمية في هذا السن تقتصر على رياض الأطفال الخاصة أو العامة والتعليم في الروضة لا يركز على الفنون كما تفعل المراكز الثقافية”، بحسب أحد الآباء الذين التقيناهم في المركز.
في المقابل “يغيب عن ذهن بعض العائلات فكرة التعليم وتطوير مهارات الطفل بعد الولادة بسبب الوضع الاجتماعي والاقتصادي التي تعانيه العائلة مما يؤدي إلى تراجع مهارات الطفل”، يكمل الوالد.
انتصار خزعل مديرة قسم المراكز الثقافية في دار ثقافة الأطفال، تتحدث عن تلك المهارات التي يكتسبها الطفل في “الفانوس السحري” بالقول: “نخرج أطفالاً قادرين على التمثيل فوق خشبة المسرح، فنحن هنا نجالس الصغار لنترجم عقولهم حتى نحقق أحلامهم”.
وتضيف خزعل ” أغلب الصغار يحبون الظهور سواء كان ذلك في التمثيل أو في الوقوف أمام الكاميرا حتى يبرزون نفسها في الصدارة، فأخذنا على عاتقنا تقوية ثقتهم بأنفسهم”.
على خشبة المسرح يقف سبعة أطفال في خط واحد ثم يتفرقون سريعاً ليؤدوا دوراً مسرحياً تم الإعداد له منذ أكثر من شهر في مسرحية حظيت بإعجاب ودهشة الجمهور كانت تجسد الفرق بين المعرفة والجهل.
وسن محمد واحدة من الأطفال الممثلين في المسرحية، يبلغ عمرها ثماني سنواتٍ وهي أكبر المشاركين عمراً، انضمت إلى المركز عندما كان عمرها خمس سنوات وظلت تتردد الى بناية الفانوس في كل دورة صيفية.
تقول وسن “أنا أحب التمثيل ومن دخلت للفانوس كان حلمي اصير ممثلة وهسة وبعد أريد أصير ممثلة، واليوم مثلت دور المعلمة الي تنصح الطلاب بالدراسة”.
تضيف وسن ممسكة بيد والدتها بعد انتهاء العرض: “الفانوس خلاني أحب الدراسة وأحب التمثيل، وراح أصير ممثلة كل الناس تحبها بس أكبر”.
رغم الدعم المقدم لأطفال العراق من قبل المؤسسات الحكومية وحتى من الهيئات والمنظمات المدنية المحلية والعالمية لكنه يدور في حيزٍ ضيق إذا ما نظرنا لعدد الأطفال المشرّدين أو التاركين مقاعد الدراسة بسبب الظروف الاجتماعية والأمنية التي ألمت بهم، خاصة بعد عام 2003 وما تلاها من حروب جعلتهم فريسة سهلة للفقر والتشرد.
حسب احصائية مركز جنيف الدولي للعدالة فإن ما يقارب خمسة ملايين طفل عراقي مشردون في الشارع بينما أكثر من ثلاثة ملايين طفل خارج صفوف التعليم، في ظل غياب خطة حكومية واضحة للحد من الأزمة.
وسن تعتبر نفسها محظوظة لتمكنها من التواجد في دورات “الفانوس السحري” الفنية، فهناك أطفال في مدرستها حاولوا التسجيل لكن عدد المقاعد في الدورة لم يكن كافياً لاستقبالهم، ربما بسبب حاجة هذا المركز للمزيد من الدعم.