قضاء بلد.. من ساحة حرب إلى منتجع سياحي

فاطمة كريم- بغداد
كان قضاء “بلد” الواقع بين بغداد وسامراء مسرحاً لصراعات عديدة بين جماعات إرهابية وقوات الجيش العراقي، لكنه تحول اليوم الى قبلة للاستجمام والراحة يقصدها سائحون من مختلف المحافظات العراقية للترفيه عن أنفسهم في مزارعها.
يتبع قضاء “بلد” إدارياً لمحافظة صلاح الدين ويعد واحداً من أكبر الأقضية في العراق وهو معروف بمزارعه الكبيرة التي تنتج كميات كبيرة من محاصيل العنب والتفاح.
تعيش هذه المنطقة اليوم حالة من الاستقرار الأمني بعد سنوات من الهجمات المستمرة نفذها تنظيم “داعش” على محيطها أو داخل حدودها بالسيارات المفخخة والانتحاريين، آخرها كان في عام 2016 وأسفرت عن مقتل وجرح العشرات.
عودة الامن إلى “بلد” شجع عشرات المزارعين في القضاء على تحويل مزارعهم إلى أماكن سياحية وترفيهية تستقطب السياح من مختلف المحافظات العراقية.
ابو احمد المشهداني وهو في الخمسينات من عمره صاحب احدى المزارع في “بلد” يروي لـ المنصة كيف استطاع تحويل أرضه لمشروع سياحي. يقول المشهداني “حدث الامر بالصدفة عندما أتى لي عروسان من بغداد ارادوا استئجار مزرعة ليلة زفافهم وانا وافقت على ان اقدم لهم ثلاث ليالي إضافية بشكل مجاني هدية لعرسهم”.
ويضيف: “ترددت في أخذ مقابل مالي من الافراد الذين يأتون الى مزارعنا فهو بالنسبة لثقافتنا امر معيب إذ لم تكن لدينا نشاطات سياحية في المزارع والذي يأتي الينا نضيفه ونرحب به دون مقابل”.
لم يتقبل ساكنو “بلد” فكرة تأجير المزارع لاعتبارات تتعلق بتقاليد المدينة العشائرية التي ترحب بالضيف من دون مقابل، حتى إن البعض اعتبر ما فكر به المشهداني “وصمة عار” واتهمه بتشويه سمعة المدينة المعروفة بكرمها، لكن “بعد فترة بدأوا يقبول الأمر خصوصاً في ظل تراجع محاصيلهم الزراعية”.
يشرح هذا المزراع المحاصيل الزراعية في هذا العام شهدت تراجعاً ملحوظاًر نتيجة التغيرات المناخية التي ألمت بالبلاد ويحمل الحكومة مسؤولية عدم توفير المياه والأسمدة، ولهذا السبب بدت فكرة تحويل جزء من المزاع إلى شاليهات سياحية حلاً مثالية يضمن دخلاً للأسر المتضررة.
يقول المشهداني “المدهش أن كثيراً من الأهالي ممن اعترضوا على في البداية يعرضون مزارعهم اليوم للاستئجار كون الأمر مربحاً، كما أن السائحين من بغداد وبقية المحافظات يقبلون على دفع الإيجار بكل رضا ويجدون في المكان بستاناً متكاملاً لأجل الترفيه”.
ويوجد في قضاء “بلد” نحو 280 مزرعة حالياً تستقبل يومياً السياح القادمين من بغداد والمحافظات الأخرى بعد حجزهم عن طريق الهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب ابو أحمد المشهداني، الذي أكد أن مزرعته تستقبل يومياً نحو 20 شخصاً، مرجحاً دخول خمسة آلاف سائح يومياً إلى المدينة للمبيت في تلك المزارع.
أثناء تواجدنا بالمزرعة، كان ابو أحمد هو يتفقد كل جزء منها ويشرف على عمل العمال داخلها لكي يتجهزوا لقدوم أسرة من بغداد طالبة منهم التأكد من نظافة المكان واتمام أعمال الصيانة وتبديل مياه المسبح وكذلك تنظيف الاثاث.
ويضيف أبو احمد لـ المنصة “هناك بعض أصحاب المزارع الذين ينسقون مع الشركات السياحية في بغداد لجلب مزيد من السياح”، مشيراً إلى أن الذين يستأجرون هذه المزارع من جميع الفئات”. ويتوقع أن يكون المستقبل مزدهراً بالاستثمار في تلك المزارع لدخول تصاميم حديثة وشركات كبرى تنفذ هذا النوع من المنتجعات، معتبراً إياه مصدر رزق لكثير من عائلات المدينة”.
يوسف عمر وهو في الثلاثينات من عمره اتى من محافظة بغداد مع عائلته لأستأجار احدى المزارع في قضاء بلد.
يقول يوسف إن إمضاء الوقت وسط المزارع بعيداً عن ملوثات المدينة أمر ممتع وفكرة جيدة بنسبة لكثيرين، “فعلى الصعيد الشخصي كنت اواجه مشكلة في العثور على مكان مناسب للتنزه ولم يكن لدي خيار سوى شمالي العراق الذي يبعد عن العاصمة مسافة كبيرة اما الان فالعكس تماماً”.
وتتراوح أسعار استئجار المزرعة الواحدة بين 150 ألف دينار عراقي (100 دولار) و 700 ألف دينار (500 دولار) في الليلة الواحدة بحسب مساحة المزرعة ووسائل الترفيه المتوفرة بها. كما ان هناك إيجار لتوقيتات صباحية أو مسائية فقط لمن يريد إمضاء نصف اليوم فقط.
يقول أبو أحمد “بعض الأشخاص لا يستطيعون المبيت في المزرعة فيحجزون النهار فقط أو الليل فقط” .
في مشهد لافت وسط مزرعة المشهداني طلب يوسف من صاحب المزرعة السماح له بدخول البستان الخاص به وقطف بعض الثمار فرد عليه ابو أحمد قائلاً: “اقطف ما تشاء المزرعة لك وانا الضيف هنا”.
ذهب يوسف مع ابنته ذات الثماني أعوام تركض فرحة ضحكتها تملأ المكان أما والدها فبدأ بقطف بعض الفواكه من الاشجار بينما عائلة يوسف منشغلة في الشواء والاستمتاع بوقتها.
هشام حكمت وهو ناشط سياحي يتحدث التحول الذي جرى في القضاء قائلاً إن السياح القادمين من العاصمة بغداد يشكلون الغالبية العظمى، يأتي بعدهم ابناء محافظات ديالى والأنبار، ثم المحافظات الجنوبية والشمالية بشكل أقل، مشيراً إلى أن اقتصاد مدينة بلد كان يعاني ركوداً كبيراً في السابق، وأن “دخول مئات السياح الوافدين للمدينة يومياً أنعش الاقتصاد فازداد الطلب على السلع الاستهلاكية والغذائية والمواصلات الداخلية وغيرها”
ويبدو أن الوضع الأمني الذي شهدته صلاح الدين في السابق على الرغم من تحريرها من سيطرة “داعش” عام 2017 جعل كثيراً من الأهالي يتخوفون من الذهاب للمحافظة، ومنها إلى قضاء “بلد” الذي شهد محيطه في السنوات الماضية عمليات عسكرية وتغلغلاً لـ”داعش” في بعض أجزائه لا سيما النائية منها.
إلا أن هذه السمعة الأمنية السيئة لم تمنع كثيرين حتى في تلك الفترة من أن يقصدوا قضاء بلد، بحسب هشام، الذي أشار إلى أن هذه السمعة بدأت تتحسن لا سيما بعد مجيء أعداد كبيرة اليوم من السياح لقضاء فترة إجازاتهم.
ويرى هشام أن لمواقع التواصل الاجتماعي الدور الكبير في تكوين انطباع جيد عن طبيعة المدينة التي تضم عديداً من المزارع، فضلاً عن حملة الدعاية لأصحابها من خلال جلب مشاهير ومؤثري “وسائل التواصل الاجتماعي” لغرض الترويج للمزرعة وتحسين صورة القضاء وازالة الانطباع السيء عنه.
أخيراً يشير ابو احمد إلى تناقص عدد السواح قليلاً مع اقتراب فصل الشتاء بعكس فصل الصيف حين ترتفع درجات الحرارة وتبدأ العوائل بالهروب من الحر وصخب المدن، ويؤكد ابو احمد أنه عازم على توفير مزايا جديدة داخل المزرعة تتناسب مع فصل الشتاء كي يضمن الحصول على المردود المالي نفسه.