التوتر الأمني يسابق عجلة الانتخابات المحلية في البصرة   

البصرة- نغم مكي 

تستعد الأحزاب والقوى السياسية في محافظة البصرة لخوض التنافس على مقاعد مجلس المحافظة خلال أسابيع قليلة في ظل مخاوف من حصول توترات امنية قد تكون مرتبطة بسخونة الأجواء الانتخابية ومحاولة بعض الأطراف إزاحة منافسيها عن الحكم.

وحددت السلطات العراقية يوم 18 ديسمبر المقبل موعداً لانتخابات مجالس المحافظات بعد عشر سنوات على إجرائها آخر مرة. وتشمل هذه الانتخابات 15 محافظة من أصل 18، إذ هناك ثلاث محافظات ضمن إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي غير مشمولة بالانتخابات.

وستكون هذه أول انتخابات مجالس محافظات محلية تجري في العراق منذ أبريل 2013 التي تصدرت خلالها القوائم التابعة لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي النتائج. 

مخاوف المراقبين من حصول توترات أمنية بنيت على ما حصل في عددٍ من عمليات الاقتراع السابقة منذ 2003 خصوصاً في الأيام التي سبقت عقد الانتخابات البرلمانية أو المحلية، من عمليات اغتيال لمرشحين بارزين أو لمستقلين ينضوون في قوائم معينة فضلاً عن تهديدات كان يتلقاها أكثر من مرشح لدفعه للخروج من حلبة المنافسة.

وبالرغم من أن أياً من هذه الأحداث لم يتصدر المشهد إلى الآن، إلا أن الإعلامي أيسر ابراهيم وهو مدير إذاعة الرشيد في البصرة يؤكد للمنصة أن هناك خروقات واشتباكات وقعت بالفعل قد تنذر بتصعيد أمني، من بينها “تمزيق وتشويه صور بعض المرشحين إضافة إلى حالتين أمنيتين في شمالي البصرة تمثلتا بقيام مجموعة مسلحة مجهولة بتهديد مرشح واطلاق عيارات نارية على منزله في حين اعتقلت مجموعة مسلحة مرشحاً آخر من إحدى التيار المدني”.

وتشير تقارير إعلامية إلى أن ناشطين من الحراك التشريني والتظاهرات السابقة رشحوا أنفسهم في السباق الانتخابي تعرضوا لحملة “منهجية” من خلال تشويه وتمزيق صورهم.

ولا يستغرب الإعلامي العراقي ما يحصل، فأبناء البصرة على حد قوله “اعتادوا قبيل كل انتخابات أن تشهد المحافظة حالة من التوتر الأمني وقد يتكرر الأمر نفسه هذه المرة أيضاً، خصوصاً ان البصرة تحظى بأهمية اقتصادية وسياسية بالنسبة للأحزاب وتتركز الثروة النفطية والموانئ والمعابر الحدودية فيها” معتبراً أن ما وقع إلى الآن “أمر اعتيادي سوف يزول مع انتهاء حمى التنافس وإعلان نتائج الكتل الفائزة”.

ويتوقع محللون أن تكون المنافسة شرسة في المحافظة الجنوبية  للوصول إلى مقاعد مجلس المحافظة سيما بعد تعديل قانون الانتخابات الذي قلص مقاعد مجالس المحافظات فأصبح للبصرة 23 مقعداً بعد أن كانت 35 مقعداً.

“هذا التقليص في عدد المقاعد قد يجعل بعض الأحزاب تستخدم كل الحيل والوسائل لتسقيط المنافسين أو تقليل شعبيتهم، والعكس هو ما سوف تفعله فيما يتعلق بمرشحيها لضمان حصولهم على المقاعد المطلوبة”، يؤكد الإعلامي العراقي. 

التنافس المحتد في البصرة لم ينعكس على أداء الأحزاب السياسية ولا على برامجهم الانتخابية التي  خلت من الخطط الواضحة والبرامج العملية لإخراج المحافظة من واقع البطالة وتردي الخدمات، وتفشي الفساد والمحسوبيات وتقاسم النفوذ في المؤسسات الإدارية والخدمية.

يشير ابراهيم إلى أن “معظم البرامج أشبه بالحبر على ورق، فهناك قوائم لها نفوذها ولها امكانياتها المادية ووجودها وعمقها في الدولة وهي عبارة عن أحزاب تمتلك السلطة والمال والقدرة على تحشيد الناخبين ولا تشعر انها معنية بتقديم برنامج انتخابي”، أما القوائم المدنية والمستقلة فتفتقر بحسب ابراهيم إلى الإمكانات والقدرة على الدعاية وتتعرض للتسقيط والتشويه حتى قبل أن تبدأ الحملات الانتخابية.

“معظم التجاوزات والتهديدات التي تتعرض لها القوائم المدنية تأتي من جهات مجهولة لا نستطيع ان نسميها” يقول ابراهيم، “لأن الدولة لحد الآن لم تصرح من وراء الاعتداءات التي حصلت في شمال البصرة ومن هو المسؤول عن تمزيق صور المرشحين ومن هو المسؤول عن زعزعة الامن في المحافظة وخصوصا في يومي 17 و19 تشرين الثاني (نوفمبر)”.

في كلام ابراهيم إشارة إلى ما شهدته منطقة كرمة علي في البصرة من توتر بين ميليشيات “سرايا السلام” التابعة للتيار الصدري و”عصائب أهل الحق” بزعامة قيس الخزعلي التي تتمتع بنفوذ كبير في قوات الحشد الشعبي بعد تنظيم السرايا استعراضاً عسكرياً. 

وأفادت تقارير إعلامية بأن عناصر مسلحة هاجمت منزل قياديّ في ميليشيا السرايا بمنطقة كرمة علي ودفع هذا الهجوم إلى تجمع عناصر وقيادات ميليشيا السرايا في مكتب الصدر وسط المحافظة لتنظيم استعراض في شوارع البصرة. كما أشارت التقارير إلى أن عبوة ناسفة انفجرت بالقرب من منزل قيادي في ميليشيا السرايا في منطقة كرمة علي، يعتقد أنها كانت محاولة اغتيال له.

سبق هذه الأحداث بأيام اندلاع اشتباكات على خلفية التنافس الانتخابي بين “السرايا”و”العصائب” بعد لحظات من دخول نائب من العصائب الى أحد مجالس العزاء بحي الجهاد وسط مدينة البصرة، ليتحول هذا الحضور الى نزاع ٍ مسلح قُتل على أثره شخص داخل المجلس بعد نشوب خلاف مع أحد أطراف التيار الصدري.

ولم تنتهِ المعركة عند هذا الحد بل إن الصراع أمتد لاحقاً الى بناية الطب العدلي في البصرة بين الطرفين مما ادى الى مقتل شخصين آخرين وثلاثة أفراد من القوى الأمنية التي تتواجد في المكان والتي حاولت فض النزاع.

ومازالت نار الخلاف مشتعلة بين الطرفين الذين دخلا التنافس الانتخابي في المدينة الجنوبية التي تبعد عن بغداد 530 كم ويسعى كُلاً منهما للفوز بمنصب المحافظ.

وفي نهاية شهر آب (أغسطس) الماضي قتل شخص في منطقة الزبير رمياً بالرصاص وانتشرت شائعات في المحافظة عن علاقة مقتله بالانتخابات المحلية دون أن تكشف السلطات عن خلفيات الجريمة، في حين يشير مراقبون إلى ان الحادثة قد تكون عرضية بسبب ثأر عشائري أو خلاف شخصي لكنها تزامنت مع حمى الانتخابات ومع تهيأ الأحزاب لدخول غمار المنافسة.

وتبدو الصراعات بين الاحزاب السياسية أشبه بنار تحت الرماد تستعر ما أن تحركها التطورات السياسية، إذ يتذكر البصريون حادثة سابقة وقعت  في الأيام الأولى من شهر أيلول (سبتمبر) من العام الماضي عندما قتل عنصران من سرايا السلام بالقرب من مقر العصائب، وبحسب شاهد عيان آنذاك فإن العنصرين كانا يتجولان على مقربة من مقر العصائب، أحدى الفصائل الأكثر نفوذاً في قوات الحشد الشعبي.

الباحث في العلوم السياسية مصطفى طلال يعزو هذه التوترات إلى الأهمية الكبرى التي تحظى بها المحافظة الجنوبية، ويرى أن الصراع في ظاهره نتخابي أما في الحقيقة فهو تنافس شرس على اقتسام المنافذ  الحدودية والموانئ والمصادر النفطية وكذلك على حصص كل حزب من الوظائف الحكومية والعقود الخدمية” مضيفاً أن “المحافظة تحتاج إلى برامج انتخابية وشخصيات وطنية قادرة على ضبط القانون وفرضه”.

ويتولى رجل الأعمال أسعد العيداني منصب المحافظ منذ ست سنوات خلفاً  لماجد النصراوي الذي فرّ إلى إيران بعد اتهامه بجرائم فساد مالي، ويحظى المحافظ الحالي بحسب مراقبين بتأييد شعبي من أبناء المدينة، في حين عمدت الأحزاب التقليدية إلى ترشيح وجوه جديدة في محاولة لتغيير صورتها السلبية عند آلاف الناخبين.

وتتنافس على مقاعد مجلس محافظة البصرة 517 مرشحاً منهم 380 رجال و137 نساء ضمن 7 احزاب و 11 تحالف بالإضافة إلى 3 مرشحين لا ينتمون إلى أي من تلك المكونات.

نسرين احمد المرشحة في انتخابات مجالس المحافظات عن قائمة محافظ البصرة “تحالف تصميم” تجد ان “الاحداث الامنية التي تسجلها المحافظة هي أشبه باستعراض القوة بين القوائم لإخافة المواطنين وأن المجاميع تحاول ان تفرض وجودها بالسلاح سواء كسبت الأصوات ام لم تكسب وتحاول اضعاف المحافظ الجديد الذي يعد منافساً قوياً لها”.

وتكمل المرشحة بأن المواطن البصري “أصبح اليوم أكثر وعياً بما يدور حوله ويشخص الأخطاء، وسوف يحدد بنفسه من هو الأصلح له في ظل الوضع الحالي”.

أما الإعلامي أيسر ابراهيم، فيرى أن “على المفوضية أن تلعب دورها في تثقيف وتوعية المرشحين والكتل السياسية على آلية التنافس بشكل نزيه بعيداً عن لغة العنف والإقصاء والتشهير”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى