أصحاب المحال يعيدون البهجة لـ “شارع السجاجيد” 

فاطمة كريم – بغداد 

عادت الحياة إلى “شارع السجاجيد” التراثي في بغداد بعد حملة ترتيب وتنظيف بدأها أصحاب المحال منذ نحو ثلاثة أشهر لتخليصه من حالة الإهمال التي كان يعاني منها.

يحاذي هذا الشارع مدرسة المستنصرية في قلب بغداد وهو متخصص ببيع السجاد العراقي والنفائس التراثية والأنتيكات لكنه كان طوال السنوات الماضية يعاني من الاهمال والفوضى بسبب كثرة التجار وانتشار مخازن بيع الجملة فيه وعشوائية ترتيب البضائع المعروضة.

مطالبات عديدة قدمها اصحاب المحال لأمانة بغداد بأن يحظى شارعهم بشيء من الاهتمام والتجديد وبأن تخصص للباعة أماكن لعرض بضائعهم التراثية القيمة، لكن دون جدوى. 

أبو محمد وهو في الخمسينات من عمره واحد من أقدم الاشخاص الذين عملوا في الشارع في بيع السجاد، يقول للمنصة: “أعمل هنا منذ عشرين عاماً، ورثت المهنة اباً عن جد فاغلب عائلتي تعمل إما في حياكة السجاد أو في بيعه، وهي مهنة تراثية تحظى بأهمية لدى أهالي المدينة”.

أراد ابو محمد وزملاؤه أن يحافظوا على مهنتهم من الاندثار فتشاركوا بحملة لانعاش هذا الشارع وبدأوا بتنظيفه وترتيبه وتزينه وترميم اجزاء منه ليصبح محط انظار الأهالي وواجهة سياحية للأجانب. يقول “فكرنا بتنظيم الحملة لأننا نعتبر أن هذا الشارع ليس فقط مكان عمل بالنسبة لنا بل هو منزلنا الآخر والمكان الذي نشأنا وتعلمنا منه وكسبنا رزقنا بفضله”. 

تتركز مهنة حياكة السجاجيد في محافظات جنوب العراق بالإضافة الى بعض المناطق في الوسط والغرب وتنقسم أنواع السجاد إلى عدة أنواع منها الحمزاوي والسماوي والبغدادي والنجفي والكوتي، كل نوع تتميز به محافظة عن الأخرى لكن جميعها يحتوي على رسوم وزخارف من وحي الحضارة العراقية ومعظم هذه الأنواع يمكن العثور عليها في الشارع.

يروي الباعة أن دخول المستورد بعد عام 2003 وظهور مئات الموديلات من السجاجيد أسهم في خفض الطلب الصناعات اليدوية عموماً ومن بينها حياكة السجاد كما أسهم في خفض عدد العاملين فيها.

يقول أبو محمد: ” لدينا بعض المعارف في أكثر من محافظة عراقية نشتري منهم السجاجيد وكذلك توجد بعض العوائل في مناطق الجنوب ما زالت الى الان تعمل في حياكة السجاجيد وتورّد لنا بضاعتها”. 

ويرى أبو محمد أن لهذا الشارع تحديداً أهمية في الحفاظ على المهنة إذ تجتمع فيه كافة انواع السجاجيد من مختلف المحافظات بالإضافة الى أن أسعارها مناسبة لا تتجاوز 50 الف دينار عراقي اي ما يعادل 30 دولاراً تقريباً للسجادة الواحدة.

كل من يتجول داخل الشارع تجذبه قطع السجاد ذات الألوان الزاهية والمفروشات التراثية التي كانت تستخدم في منازل بغداد القديمة. هذا ما يجعل اكثر الطلبيات تأتي من اصحاب المحال والمطاعم والفنادق لاستخدامها في الديكور.

وبحسب أبو محمد “شاع في الاونة الاخيرة افتتاح المطاعم والمقاهي بجلسات عربية تراثية تحاكي الثقافة العراقية مما أسهم في انتعاش المبيعات”.

حسين كاظم، 43 عاماً، احد زبائن ابو محمد، اعتاد على زيارة شارع السجاجيد كل يوم جمعة للتبضع أو لمشاهدة آخر ما تم عرضه في الشارع، يتحدث لـمنصة قائلا “أعتبر ان التمشية في أيام الجمع في هذا المكان رحلة استجمام، فأنا اتوجه الى سوق النهر وبالأخص إلى شارع السجاجيد لمشاهدة كل ما هو جميل وفريد وأتحدث إلى أصحاب المحال وأصطحب معي بعض الأصدقاء أحياناً لتعريفهم بالمكان”.

لا يخفي حسين فرحته بالتغيرات التي طرأت على الشارع باعتباره احد الزبائن القدامى. “كان الشارع مهملاً ولا يليق بقيمته الحضارية أما اليوم فقط تحول إلى واجهة سياحية ومصدر فخر لأهالي العاصمة”.  

حالة الاستقرار الأمني التي شهدتها البلاد في السنوات الاخيرة انعكست على الشارع الذي اصبح يزوره المئات من السياح يومياً، لا سيما وأنه يقع في منطقة تعج بالمعالم السياحية الشهيرة كالمدرسة المستنصرية وشارع المتنبي والقشلة والمتحف البغدادي بالإضافة الى القصر العباسي وغيرها من المعالم التي اصبحت محط انظار السواح.

“عندما يزور السواح قلب العاصمة يمرون من الشارع ومعظمهم يرغب ا باقتناء هذه السجاجيد وأحيانا يشترون اكثر من قطعة كهدايا لأصدقائهم”، يعلّق أبو محمد. 

ورغم ان حالة شارع السجاجيد باتت أفضل بما لا تقاس من وضعه في السابق إلا ان العاملين هنا يطالبون أمانة بغداد بان تمنح هذا المعلم التراثي الاهتمام الكافي وتقوم بإعداد خطة لإخراج كافة اسواق الجملة والمخازن من الشارع إلى مكان أكثر ملائمة بسبب تشويهها لمعالم الحي والضرر الذي تلحقه بالسياحة على حد وصفهم.

كما يطالبون الحكومة بدعم أصحاب المهن التراثية التي تشكل مصدر دخل لفئات واسعة من الأسر الفقيرة ومصدر جذب للسياح الاجانب.

 

 

 

  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى