شارع النهر يستعد لاحياء “ليلة زكريا”

فاطمة كريم- بغداد 

قد يظن المتجول في شارع النهر في بغداد في الأول من شعبان أنه في حفل زفاف، فنداءات”يا زكريا عودي عليا” تملأ الشارع في كل سنة، يرددها الاهالي بينما يضيؤون الشموع ويقرعون الطبول المصنوعة من الفخار.

الاستعدادت ليوم النبي زكريا الموافق لـ 11 شباط (فبراير) من هذا العام بدأت بالفعل، فالعراقيون بمحتلف مشاربهم يسارعون للقدوم إلى هنا لشراء حاجيات العيد.

ويوم زكريا بحسب المعتقدات الدينية هو اليوم الذي بشرت فيه الملائكة النبي زكريا عندما كان قائماً يصلي بانه سيرزق بمولود ذكر اسمه “يحيى” كما ذكر في القرآن في سورة مريم.

أما مكان الاحتفال، شارع النهر، فهو واحد من اقدم الاسواق التي تقع في قلب العاصمة بغداد وأحد مراكزها التجارية الهامة التي يقصدها مئات الزائرين يومياً، وقد بدأت واجهات المحال التجارية في الشارع بعرض البضائع الخاصة بالاحتفال كما بدأت العوائل العراقية بالتوافد لشراء مستلزمات إحياء هذه الليلة.

يحمل شارع النهر هذا الاسم  بسبب محاذاته لنهر دجلة لكنه يحمل أسماء اخرى منها “شارع البنات” أو “شارع العرسان” إذ يمثل أحد أكبر أسواق الموضة والجمال منذ ما يزيد عن نصف قرن من الزمان، كونه المركز الرئيس لبيع الفساتين النسائية ولوازم العروس من من حلي وإكسسوارات ومصوغات ذهبية ومفارش زينة، إضافة إلى الأقمشة والماكياج والعطور، كما أنه يتفرد بطرازه المعماري المميز. 

قاسم حسن شاب في السابعة عشر من عمره يعمل في سوق شارع النهر منذ خمس سنوات مع والده، وهو طالب متفوق في الوقت نفسه. تعلم قاسم المهنة وبرع بها وقرر ان ينفرد بمحله الخاص. يتحدث للمنصة قائلا: “بدأت بتحضير جميع مستلزمات عيد زكريا قبل شهر من قدومه بسبب ارتفاع طلبات الناس على البضاعة وسرعة نفاذها”. 

يمسك قاسم الدف بيده ويضرب بأصابعه الماهرة على سطحه، وما يلبث الشارع أن يمتلئ بصوت قرع الدفوف من كل جانب يحملها اطفال يجربونها مع أهاليهم.

الحناء والشموع والمكنسة بالإضافة الى التحفيات بأشكال عدة هي أهم مكونات “صينية زكريا” يوضح قاسم، ثم يكمل: “تصنع التحفيات والدفوف في معامل النهروان داخل بغداد أما المكنسة والاطباق مختلفة الاحجام فتصنع من الخوص (سعف النخيل)”. 

ولأن قصة النبي زكريا تبعث الأمل لدى العديد من النساء المحرومات من الإنجاب، فإن العديد منهن يتجهن في هذا اليوم إلى شارع النهر لإيفاء نذورهن، يشعلن الشموع على نية ان يرزقن بالذرية الصالحة كما حصل مع النبي زكريا الذي رزق بمولود وهو في التسعين من عمره، يحملن في أيديهن “صينية زكريا” التي  تضم الياس والحنة وحلوى الزردة وهي الطبق الرئيس في الصينية إلى جانب بعض الاكلات البغدادية.

أم كرار إحدى زبائن قاسم، تستعد لدخول شهر شعبان بتجهيز حلوى مناسبة لأحفادها وتقول للمنصة، “تعودنا منذ القدم على إحياء هذا اليوم في ساعات المغرب بإشعال الشموع في الصينية” وتضيف أن “النساء اللواتي لم يرزقن بالأولاد يشعلن الشموع بعد ان يضعن دبوساً في الشمعة ويطلبن نذورهن، وكذلك يطلبن تحقيق باقي الامنيات سواء كانت تتعلق بالنجاح في العمل او شراء منزل أو غيرها”.

ويحرص بغداديون كثر على الاحتفال بهذه المناسبة لاعتبارها طقساً يقوي الاواصر الاجتماعية بين الأهالي بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية، حيث غالبا ما يتبادل الجيران فيما بينهم الحلوى المصنوعة داخل كل بيت. 

وعند سؤالها عن الفرق بين طقوس الاحتفال بيوم النبي زكريا بين الماضي والحاضر، اكدت ام كرار أن الطقوس في الماضي كانت أكثر بساطة كما ان الاقبال على العيد كان أكبر بكثير من اليوم. “الناس اليوم منشغلون بالذهاب إلى المطاعم والمولات وأماكن الترفيه وكثيرا منهم يعتبرون القدوم إلى شارع النهر موضة قديمة”.

لكن مع ذلك، يستمر هذا الشارع بأحياء يوم النبي زكريا ليكون واحداً من النقاط المضيئة التي تجمع العراقيين بجميع اطيافهم ومذاهبهم بعد أن فرقتهم الأحزاب الطائفية والحروب المتعاقبة.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى