حكايات يرويها الغزالي عن تجارته البسيطة

ذي قار- مرتضى الحدود

على إحدى الأرصفة وسط عشرات القطع النحاسية التراثية يجلس رجل خمسيني يقوم بترتيبها ومسح الغبار عنها بانتظار زبون يأتي لشرائها. 

“إنها قطع وأدوات نحاسية قديمة، أناس كثر تعاقبوا عليها وهي تنتقل من جيل الى جيل”، يقول سالم الغزالي صاحب البسطة على رصيف محاذٍ لإحدى مدارس الناصرية، ويتابع: “لقد احتضنتها دواوين العشائر وسمعت أحاديثهم وسقتهم القهوة اللذيذة وتدفأت على جمر نارهم في شتاء السنين الماضية”.

يجمع الغزالي منذ أكثر من ثلاثين عاماً أوان نحاسية ودلال القهوة القديمة ويقوم ببيعها حتى بات معروفاً لدى معظم وجهاء العشائر وجامعي الأنتيكات.

يمكن في هذه البسطة العثور على دلال القهوة ذات أعمار تصل لقرابة 200 عام وقد نقشت عليها رموز تبين اسم صانعيها ومن أبرزهم “سيد مهدي” و”سيد صالح” وأيضاً الحساوي والشطري والنجمي. 

وبخلاف دلال أخرى حديثة ذات لون أصفر براق يظهر على الدلال القديمة بشكل واضح اللون الغامق من آثار الجمر الذي كان يوضع تحتها والماء والبن الموضوع في داخلها، كل هذا اخذ من بريقها لكنها حافظت على صلابتها. 

القطع المعدنية المصفوفة على بسطة الغزالي لا تباع بالدينار العراقي فروادها ليسوا من ذات المدينة بل ان اغلبهم من البصرة وآخرين من دول الخليج وسعر والواحدة منها يتجاوز الـ 100 دولار امريكي ويرتفع بحسب حجم الدلة واسم صانعها.

يبدو الغزالي فخوراً بامتلاكه أصناف معدنية أخرى من النحاس الأحمر صنعها يهود كانوا يسكنون الناصرية قبل عقود ثم صارت تنتقل من بيت إلى بيت، منها ما يسمى “مصفاة الرز” و”منقلة الجمر” التي يوضع فيها الخشب المتقد للتدفئة، وقد صنعت من النحاس لطرد الجن وفق معتقدات اليهود آنذاك واسعارها تبدأ من 50 دولار ويصل سعر بعضها الى 150 دولار.

يذكر الغزالي أن معظم مشتري هذه القطع من السعودية والكويت وقطر يحتفظون بها في دواوينهم ويتفاخرون باعمارها التي تتجاوز المائة عام  أو أكثر، أما داخل الناصرية فرواجها غير مزدهر بسبب الواقع الاقتصادي لأبناء المحافظة “بينما يختلف الامر في البصرة لظروفهم الاقتصادية الجيدة وهناك أيضا من يقوم بتصديرها لزبائن في الخليج العربي”، يوضح الغزالي.

يحصل بائع الدلال على هذه القطع الفريدة عن طريق باعة جوالين يبيعون المواد المستخدمة او ما يسمى “العتاكة” او “الدوارة”. يقول: “ما أن يحصلون على قطع منها حتى يتصلوا بي هاتفياً أو يرسلوا صورها ومن ثم يتم الاتفاق على سعرها”.

ويتابع “هم يشترونها بثمن بخس فأصحابها لا يعرفون قيمتها الحقيقية وهناك بعض الأشخاص يمتلكونها لكنها متروكة في مخازنهم ويودون التخلص منها”.

المختص في مجال التراث والآثار عامر عبد الرزاق يصف للمنصة هذه الأدوات بانها “تحكي قصة جماعات سكانية عاشت في حقب مختلفة فبعضها يعود للعصور الملكية أو العثمانية وتتجاوز أعمارها المائة عام”.

ويرى أن هذه القطع تعبر عن تراث المدينة وتاريخ الجنوب، “لذا من غير المعقول أن لا يكون هناك متحف للتراث يضم هذه الأدوات والقطع المتناثرة، ومن الجريمة ان تكون مهملة في المنازل”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى