تجارة الورود تنتعش في بغداد 

فاطمة كريم _بغداد 

في شارع الجمهورية في بغداد متجر يمتلأ بالورود من كل جانب، تبدو الكثير منها وروداً طبيعية يصعب دون لمسها معرفة أنها صناعية.

يعمل احمد صالح، 28 عاماً، في هذا المتجر منذ سنوات، معظم زبائنه من ذوي الدخل المحدود الذين لا تسمح ظروفهن الاقتصادية بشراء الورد الطبيعي مرتفع الثمن، أغلبهنّ من النساء والفتيات اللواتي يتحضرن لحدث هامّ في حياتهن سواء كان يوم التخرج أو حفل زفاف.

بدأ صالح في هذا العمل مع اخيه الاكبر عندما كان في الرابعة عشر من عمره، يقول “كنت اخرج للعمل لأساعد اخي وأوفر مصروفي البسيط لكن بعد ان اتقنت المهنة اصبح لدي محل الخاص بي في موقع تجاري مهم داخل بغداد”.

الجمهورية شارع قديم يقع في وسط بغداد، يبدأ من ساحة الخلاني وينتهي بمنطقة باب المعظم بطول 2,600 متر، ويمر بشكل موازٍ لشارع الرشيد ويعد مركز تجارياً مهماً يعجّ بالمحال التجارية ومخازن بيع الملابس والأثاث والعطور ومحال الورود، حيث تتمركز البضائع التي تدخل من خارج البلاد في هذه الاسواق ثم تشحن إلى باقي المتاجر في مختلف المناطق والمحافظات.

محال بيع الورود في هذا الشارع متواجدة منذ سنوات عدة لكن عددها تضاعف الى عشرات المحلات بعد ازدياد الطلب على الورد بسبب كثرة الحفلات والمناسبات، يقول صالح.

ويضيف أن ثقافة جديدة ظهرت في المجتمع العراقي لم تكن موجودة قبل عقدين من الزمن، وهي الاحتفاء بالورد في معظم المناسيات التقليدية وظهور مناسبات وتقاليد جديدة كحفلات التخرج وعيد الفالنتاين وأعياد الميلاد وزيارات المباركة وغيرها، بات يقدم الورد فيها كهدايا.

يقول صالح “تتضاعف الطلبات على الورود بمختلف اشكالها بسبب ازدياد حالات الزواج في العراق وكثرة الحفلات التي كانت تعدّ سابقاً دخيلة على المجتمع العراقي مثل حفلة معرفة جنس الطفل حيث يتم اختيار الزهور ذات اللون الوردي للبنات والأزرق للذكور”.

ويروي بائع الورد للمنصة اغرب الاحتفالات التي شهدها اثناء عمله، “اكثر شيء صدمني عندما اتت امرأة تختار الزهور والزينة احتفالا بطلاقها من زوجها”، فبعض النساء اليوم يحتفلمن بطلاقهن وتعتبر الاحتفال وسيلة للانتقام من الطليق على حد توضيحه.

ينتعش محل صالح في موسم التخرج في الجامعات الذي يبدأ من شهر شباط الى نهاية شهر نيسان، إذ يبدأ الطلب على شراء مسكات الورود من قبل الطالبات اللواتي يحملنها  في يوم حفلة التخرج وعادة ما تفضلن شراء الورود الصناعية على وجه الخصوص وليس الطبيعية من هذا الشارع.

ويمتاز الورد الصناعي برخص أسعاره مقارنة بالطبيعي، اذ يقول صالح “عند بدء موسم التخرج نبدأ بعمل عروض وتخفيضات للطالبات على مسكات التخرج ونوفر جميع المستلزمات التي تحتاجها الزبونة لتزيين مسكتها”.

سماح مجيد، 24 سنة، طالبة في جامعة بغداد، تحتفي هذه السنة بتخرجها في الجامعة، أتت إلى محل صالح لتختار الورود لعمل مسكتها، تقول “من عادات الطالبات في يوم التخرج حملهن باقات الورود، اذ يعتبر من اكثر الايام المميزة في مسيرة الانسان ويجب اختيار الورد بعناية ليتلاءم مع ألوان الزي التخرج”.

سماح ذات الوجه السمح سعيدة بتجهيز مستلزمات تخرجها وابتسامتها لا تفارق شفاها، تقف وسط المحل حائرة تحيط بها الزهور من كل جانب بمختلف الاحجام والأشكال والألوان، تطلب من صالح أن يساعدها في اختيار نوع الورد.

بدأ صاحب المحل يخرج لها باقات عديدة محاولاً أن يرضي ذائقة زبونته، لكن دون جدوى. يقول ممازحا سماح “لم يبق شيء ألا وأخرجته.. انتن النساء من الصعب إرضاء ذوقكن”، لتختار بعدها سماح مسكتها بلون أحمر.

تقول سماح “أنا افضل الورد الصناعي على الطبيعي وذلك لأنه يدوم فترة طويلة وكذلك يمكنني الاحتفاظ به كذكرى من هذا اليوم”.

14 شباط الفائت كان اليوم الأهم بالنسبة لصالح، اذ بات هذا اليوم في السنوات الاخيرة يوم احتفال بعيد الحب لدى اغلب شعوب العالم ومنها العراقيون. في هذا اليوم يكون الورد من أكثر الهداية المميزة التي يهديها العاشقون.

في شارع الرشيد الموازي للجمهورية، وهو واحد من أقدم شوارع بغداد، يحول كاظم محمد أغصان الزهور البسيطة الى سنادين رائعة، يضع في وسطها ما يسمى بـ “بورق” وهي مادة تقوم بتثبيت الاغصان داخل السنادين لتكوّن منظراً جميلاً فتوضع داخل المحال والبيوت كقطعة ديكور. 

يقول محمد “مثلما يوجد مواسم تزداد فيها الطلبات توجد أيضا مواسم ركود ويجب الابداع في العمل في تلك المواسم لتيسير البيع وإلا تحصل خسائر كبيرة”.

ويتابع: “اقوم بعمل هذه السنادين لبيعها لأصحاب المحال والمطاعم وغيرها من الاماكن لتوازن الركود الحاصل في البيع”. 

يعمل كاظم محمد في تصفيف وبيع الورد منذ أكثر من عشرة سنوات، يتحدث للمنصة عن منشأ بضاعته قائلاً: “اغلب الورود الصناعية المستوردة تأتي من الصين والهند وتركيا وغالباً ما تكون بأسعار التصفية للمحلات التجارية الكبيرة (المولات)، اذ يتم تصفية هذه المحلات سنوياً وبيع الورود بنصف سعرها الأساسي”. 

تتضاعف الكمية والقيمة للورود المستوردة سنوياً و تتركز الواردات من هذه التجارة على حسب قول محمد في ثلاث محافظات وهي اربيل، بغداد ودهوك، يقول” بلغت قيمة الواردات من الورود الصناعية لسنة ٢٠٢٣ اكثر من عشرة ملايين دولار أمريكي”. 

ويرى محمد أن افتتاح محال الورود من اكثر المشاريع الناجحة في بغداد اليوم، وذلك بسبب انخفاض تكاليف تأسيسها وانتشار ثقافة إهداء الورد لدى العراقيين، خصوصاً بعد تحسن الوضع الأمني في معظم مناطق البلاد.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى