اقتصاديات الكربون: مشروع لتلبية التزامات العراق المناخية ودعم الاقتصاد الوطني

سارة القاهر ـ  بغداد

سعياً منها للالتزام بالاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية المناخ  أعلنت الحكومة العراقية عن تأسيس “شركة اقتصاديات الكربون الوطنية” مهمتها الرئيسة انشاء نظام جديد لسوق الكربون يهدف إلى التخفيف من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الهواء بسرعة أكبر وبتكلفة أقل.

ويتوافق هذا الهدف الذي حددته الحكومة مع ما نصت عليه المادة السادسة من اتفاقية باريس للمناخ الذي انضم اليها العراق في عام 2021 والتي ورد فيها ان هذا النظام من شأنه “مساعدة الحكومات التي ترغب في شراء أرصدة كربون لتطوير مشاريع خضراء، كما يتيح للدول التي خفضت انبعاثاتها أكثر من المتوقع بيع فائضها للدول التي لم تتمكن من تحقيق ذلك”.

وكان مجلس الوزراء  قد في تشرين الثاني من العام الماضي بتأسيس شركة عامة لاقتصاديات الكربون تابعة لوزارة البيئة، كما وجه بتنظيم عقود الطاقة بطريقة تتوافق مع نهج الحكومة بمعالجة آثار التغيرات المناخية الحاصلة بسبب النشاط الضارّ للانبعاثات الكربونية.

وزير البيئة العراقي نزار ئاميدي قال في تصريح صحفي ان “البلاد امام تحول عملي من (انتاج) النفايات الى (انتاج) الطاقة وبالتالي (فإن نظام سوق الكربون) هو تنويع في اقتصاديات البلد لتشجيع الطاقات المتجددة وخفض الانبعاثات والتكيف مع التغيرات المناخية” مضيفاًَ أن هذا النظام “يسهم في تنفيذ جزء من التزامات العراق الدولية بموجب اتفاق باريس ويدعم الجهود المتميزة لاستدامة الطاقة والاستفادة من اقتصاديات الكاربون والحصول على الدعم الدولي”.

رئيس اللجنة المشكلة لتاسيس هذه الشركة محمد صاحب الدراجي صرح للمنصة انه تم تأسيس الشركة بالفعل قبل نحو شهر مشيرا إلى أن “نسبة 95 بالمئة من أرباح الشركة العامة الاقتصادية للكربون ستذهب إلى الخزينة العامة “.

واضاف ان سندات الكربون وفق اتفاقية باريس تلزم بلدان العالم بمتطلبات تخفيض انبعاث الكربون بنسبة 2%  مقابل ثمن يتم الحصول عليه بطريقتين، وهما أن تعمل الحكومة مشاريع صديقة للبيئة أو تغير مشاريعها بطريقة تقلل من انبعاث غاز ثان اوكسيد الكربون، وتروج سنداتها لاي دولة اخرى في سوق متداول عالمياً.

يقول الدراجي للمنصة: “قمنا بتحويل المولدات من النفط الى الغاز الذي من شانه خفض الانبعاثات”، لافتا الى انه “يمكن للعراق ترويج سنداته في أي دولة تكون ملزمة بخفض نسبة الكربون دون أن تتمكن من تحقيق ذلك”.

واكد الدراجي أن “الطريقة الثانية لاستلام الاموال تكمن بقيام شركة استثمارية بعمل مشاريع في العراق على حسابها الخاص، يتم خلال هذه المشاريع خفض انبعات الكربون مثل محطات الطاقة الشمسية ويحصل العراق مقابل ذلك على سند أو مبلغ نقدي”.

واحتل العراق المرتبة الـ 81 عالميا والثامنة عربيا بـ 4.3 طن من نصيب الفرد الواحد من ثاني اوكسيد الكاربون بحسب ما اعلنته مجلة امريكية ceoworld فيما تحتل دولة قطر  المرتبة الاولى من حيث حصة ثاني اوكسيد الكربون للفرد حيث سجلت ما يقارب 67.38 طنا، واحتلت البحرين المركز الثاني بـ 26.7 طنا، وتلتها الكويت ثالثا بـ 25 طنا للفرد الواحد.

وبحسب المركز العراقي الاقتصادي فان “معدلات التلوث البيئي في العاصمة بغداد ارتفعت  لمستويات خطيرة تناهز 173 وحدة في مقياس درجة تلوث الهواء (AQI) وهذا الرقم يعادل 11 ضعفا عما كان عليه المؤشر أواخر ثمانينيات القرن الماضي”.

المعدلات المرتفعة في تلوث المناخ دفعت الحكومة للبحث عن حلول لمكافحة التلوث، “ومن هنا تهدف هذه الشركة لإنشاء مشاريع خضراء تقلل من التلوث وانبعاث الكربون وتدعم الاقتصاد الوطني”.

عضو مرصد العراق الاخضر عمر عبد اللطيف يرى بان العراق بدأ يفكر بشكل جدي بقضايا المناخ بعد مؤتمر كوب 28 وكانت اولى خطواته هي تاسيس شركة للكربون سيما وان العراق واحد من البلدان العشرة الأولى في مستوى التلوث وأن العالم يتجه بخطوات متسارعة للتخلص من ملف الكربون.

ويجد  عبد اللطيف أن واحداً من الاسباب التي ادت الى زيادة التلوث هو الشركات النفطية وعوادم السيارات والمولدات الكهربائية ومعامل الطابوق غير المجازة، ويصف ارتفاع اسعار وقود البنزين بأنه محاولة في اتجاه استخدام المركبات التي تعتمد على الكهرباء بدل البنزين.

وتضمنت خطة وزارة النفط لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ستة مشاريع على الأقل جزء منها من تنفيذ “شركة غاز البصرة” كمشروع مشترك بين “شركة غاز الجنوب” العراقية وشركتي “شل” و “ميتسوبيشي”. وقد تم بحسب الوزارة تحقيق بعض التقدم في السنوات الأخيرة في تخفيف الانبعاثات، على الرغم من أن العراق يحرق 1200 مليون قدم مكعب قياسي يومياً من الغاز بينما يستورد 1000 مليون قدم مكعب يومياً من إيران المجاورة.

وزير النفط العراقي حيان عبد الغني كشف في تصريح سابق عن انطلاق أول مشروع يمول من سندات الكاربون بسعة 12 مليون قدم مكعب قياسي (مقمق) في حقل شرقي بغداد وهي البداية لانطلاق حزمة من المشاريع التي تخطط لها الوزارة ويتم تمويلها من سندات الكاربون، لخفض ابعاثاته من خلال الاستثمار في غاز “الفلير”

وبحسب خبراء يفتقر العراق الى قانون ينظم عمل الطاقة المتجددة يمكن أن يسهم في تعزيز مصادر الطاقة النظيفة لذا يجب أن تعمل الحكومة بخطوات متسارعة نحو اعداد قانون يشجع الاستثمار في مجال الطاقة النظيفة.

الصحفي البيئي خالد سليمان في حديث لـ”المنصة” استبعد ان يتحقق هدف انبعاثات خفض الكربون في العراق في غضون سنوات قريبة إذ إن البلاد تعتمد في اقتصادها بنسبة أكثر من 95% على انتاج النفط و”لكن يمكن ان يبدأ بخطوات أخرى تسهم في تخفيض الكربون من خلال استخدام وسائل النقل الكهربائية وترشيد الطاقة والاعتماد على الطاقة البديلة”.

واشار الى ان العراق أعلن في مؤتمر كوب 28 الذي انعقد في دبي عن تأسيس البنك الاخضر ووظيفته تمويل المشاريع المتعلقة بالطاقة الخضراء وتوفير فرص العمل في هذا المجال، “ولكن هذا الإعلان يجب ان تتبعه خطوات عملية لا أن تكون مسألة دعائية”.

أستاذة الجغرافية البيئية منار ماجد تجد ان تأسيس الشركة ليس هو الهدف وانما هي خطوة ضمن سلسلة خطوات. 

فالانتقال نحو صفر كربون في العراق يتطلب عدة خطط يجب تطبيقها في المؤسسات والمنشآت الحكومية في مقدمتها ان تبدأ الشركات النفطية باستغلال الغاز بدلاً من حرقه والتحول نحو الطاقة المتجددة والتعامل مع السيارات التي يتم استيرادها بكميات كبيرة فضلا عن السيارات القديمة المتهالكة وهي تنتج كمية كربون مضاعفة فضلاً عن مشكلة حرق النفايات بدل العمل على تدويرها والاستفادة منها.

“هذا الامر يتطلب سنوات وعلينا ان نبدأ الآن للوصول الى سوق صفر كربون” تقول الباحثة العراقية، كي نتمكن من تحويل هذه السموم إلى الى سلعة اقتصادية يمكن الاستفادة منها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى