رحلة أفراح الصباغ مع اعادة التدوير 

فاطمة كريم- بغداد

تجلس السيدة افراح في احدى زوايا منزلها واضعة امامها لوحة رسم وحولها قطع أكياس نايلون ملونة تعمل على تحويلها إلى عمل فنيّ. 

أفراح الصباغ، السيدة ذات الـ 53 عاماً وهي استاذة في البحوث النفسية والتربوية في كلية العلوم السياسية جامعة بغدد أحبت الرسم منذ طفولتها واستغلت موهبتها الفنية لنشر ثقافة اعادة التدوير والتعامل مع المخلفات البلاستيكية في ظل التغيرات المناخية التي تشهدها البلاد. 

تقول أفراح أنها شهدت قسوة الحصار الاقتصادي على العراق في تسعينيات القرن الماضي، وإن تلك الظروف الصعبة علّمتها قيمة الأشياء التي تشتريها او تحصل عليها، فطوّرت شغفًا فريداً في إعادة تدوير ما تلف منها او لم يعد نافعاً للاستعمال.

وتضيف: “منذ حوالي عام وانا ذاهبة للتسوق نظرت الى كمية الاكياس المرمية على الأرض والتي استهلكها الناس، فخطرت لي فكرة اعادة تدويرها في الرسم فلاقت الفكرة قبول واستحسان الكثرين”.

بدأت افراح برسم لوحتها من خلال جمع قطع الاكياس وتعقيمها من ثم الرسم على اللوحة باستخدام اقلام الرصاص لتضع بعدها اكياس النايلون فوق الخطوط المرسومة وتثبتها بالصمغ، وفي النهاية زينت اللوحة بخيوط الخيش.

حرصت أفراح على نقل ثقافة إعادة التدوير ليصبح منزلها اشبه بورشة صغيرة تضم عددا من القطع الفنية التي تم اعادة تدويرها. “نحن في المنزل لا نرمي شيئاً في النفايات الا ما ندر، حتى اصبح منزلي لا يتسع للقطع المعاد تدويرها، فأصبحت أهديها إلى الأهل والأصدقاء”.

لدى أفراح المزيد من الأفكار الفنية المعتمدة على تدوير المخلفات، فهي تحول الكراسات المستهلكة الى لوحات فنية، والعلب الى مقلمات يستفيد منها اطفالها في المدرسة، والملابس القديمة تعيد حياكتها، والطعام الزائد تقوم بطمره ليصبح سماداً جيدا للتربة، وتقول”اتمنى ان تصل افكاري الى اكبر عدد من الافراد وأن نتعلم جميعاً قيمة الاشياء حتى نستفيد منها بالشكل الأمثل ونقلل الضرر على البيئة”.

أما في الجامعة، فتحرص الأستاذة الجامعية على مشاركة طلابها هذه التجربة، إذ تحوّلت قاعات الدروس في جامعتها إلى معرض فني نابض بالحياة، فأبدع الطلاب في تحويل الموادّ البسيطة مثل عبوات المشروبات البلاستيكية وأكياس النايلون إلى أعمال فنيةٍ تجسّد إبداعهم وطاقاتهم.

والحال نفسه كان مع زملائها في العمل الذين شجعتهم أفراح على اعادة التدوير وعلى الزراعة أيضاً، حتى أصبح كل واحد منهم يزين مكتبه بنباتات قام هو نفسه بزراعتها.

ولم تكتفِ افراح  بعرض أعمالها داخل أسوار الجامعة، بل حرصت على المشاركة في مختلف المعارض والبازارات المحلية، لتُعرّف الجمهور على إبداعاتها وتُروّج لثقافة إعادة التدوير. 

“في بداية الامر كنت اتردد من عدم قبول الناس الفكرة، فكنت أتساءل هل من الممكن أن يعلقوا لوحة في منازلهم او مكاتبهم مصنوعة من النايلون؟ كان علي ان اخوض التجربة من خلال مشاركتي في البازارات وارى ردة فعل الافراد”. 

القبول والاستحسان الذي لاقته افراح من قبل الناس بعد عرض لوحاتها وبيعها داخل البازارات شجعها على الاستمرار في العمل مما دفعها لمشاركة مختلف الادوات المعاد تدويرها داخل عدد من المدارس الابتدائية للأطفال، وتعليمهم كيف ممكن ان ينفذوا اعمالاً فنية من مواد بسيطة متوفرة داخل المنزل. 

تقول افراح “سعادة الاطفال وهم يتعلمون هذه الفن وتشجيع الأهل دفعني لإنشاء صفحة على الفيس بوك خاصة بفن اعادة التدوير كوسيلة لنشر هذه الثقافة”. 

أفراح الصباغ حوّلت قسوة الحصار إلى فرصةٍ للتعبير عن نفسها ونشر ثقافةٍ حماية البيئة لتثبت، أنه حتّى في أسوء الظروف يمكن للإنسان أن يُبدع ويُنتج.

 

أنجزت هذه القصة ضمن سلسلة مقالات بدعم من برنامج قريب، وهو برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى