هبة محمد الشباني: “ملاك الرحمة” تبث الأمل في قلوب الصم والبكم

الديوانية – منار الزبيدي 

منذ أكثر من عشرين عاماً بدأت هبة محمد الشباني عملها ضمن كوادر معهد الأمل للصم والبكم في الديوانية. وعلى الرغم من تعدد الفرص التي كانت تسمح لها بالانتقال إلى عمل آخر إلا أنها أصرت على البقاء مع الأطفال ذوي الإعاقة وتعليمهم وتطوير مهاراتهم، فتعلقت بهم وتعلقوا بها حتى أصبحت بالنسبة لهم ولذويهم “ملاكاً منقذاً”.

الشباني ذات الـ (41) عاماً والحاصلة على شهادة البكالوريوس في التربية تدرجت في عملها حتى أصبحت اليوم مديرة معهد الأمل للصم والبكم، وبفضل إتقانها لغة الإشارة حصلت على صفة خبير قضائي بتخصص “مترجمة اشارة” لدى محكمة استئناف القادسية.

خبرات ومشاركات

أدركت الشباني منذ البداية حاجتها للتعامل بفهم مع شريحة اطفال الصم والبكم، فطورت مهارتها ودخلت العديد من الدورات التدريبية على نفقتها الخاصة داخل العراق وخارجه لتحصل عام 2018 على شهادة من “مؤسسة الاراضي المقدسة” في الأردن بترتيب أفضل معلمة بعد إجراء اختبار لمعلمي العراق. “التحاقي بتلك الدورات مكنّني من التعرف على التجربة الأردنية في رعاية ذوي الاعاقة السمعية وهي تجربة رائدة وناضجة”.

اضافة الى ذلك حصلت مديرة المعهد على  العديد من الشهادات في مجال اختصاصها منها شهادة خبرة كمدير دولي من الاردن من بين سبعة مدراء عراقيين عام 2021 وشهادة خبرة من المجلس الثقافي البريطاني في  اقليم كردستان، فضلا عن عضوية  تجمع مترجمي الاشارة في العتبة الحسينية، وشهادات من مؤسسات مصرية في طرق التعامل مع الأطفال المصابين بفرط الحركة وتشتت الانتباه.

“وبسبب بعض المشكلات الخاصة التي يعاني منها الأطفال في المعهد قررتُ دراسة اختصاصات اخرى تتعلق بالتوحد وصعوبات التعلم والتأخر اللغوي و النمائي لفهم حالتهم وتقديم المساعدة”، تقول الشباني.

قائمة المهارات والخبرات التي جمعتها هذه السيدة خلال رحلتها الوظيفية تطول أكثر لتشمل حصولها على شهادة في المعينات السمعية من كلية الطب الجامعة المستنصرية، و شهادة معتمدة من الجمعية العراقية للعلاج النفسي في اختصاص العلاج الوظيفي.

وتتابع “وجدت ان بعض الاطفال يعانون من صمم حسي (أي انعدام الإحساس بالذات والمحيط) وهو من علامات التوحد، كما أن هناك أطفال لا يستجيبون لعلامات النطق رغم وجود سماعة الأذن أو القوقعة، فكنت بحاجة ماسة لمعرفة تفاصيل زراعة قوقعة الأذن ومدى ملاءمتها للأطفال وما هي الحالات التي تستوجب الزرع”.

جهود مضاعفة

يتطلب العمل مع الأطفال الصم والبكم جهوداً مضاعفة وخبرات لا تتوفر في شخص واحد أو مؤسسة واحدة، من ناحية فهم احتياجاتهم والبحث عن منافذ مناسبة للترفيه عنهم وتصميم برامج الادماج المجتمعي المناسبة لهم بالإضافة الى مراعاة التعامل الحساس مع مشكلاتهم وايجاد الحلول المناسبة لها.

وتواجه هذه الشريحة مشكلة عدم تمكن أفرادها من التدرج بالدراسة الابتدائية نحو المتوسطة والإعدادية، فالمعاهد الحكومية تمنح الاطفال الصم والبكم شهادة التعليم الابتدائي التي لا تؤهلهم سوى لدخول معهد التأهيل المهني، وفقاً لما نصت عليه معاهدة رعاية المعوقين وتعليمهم في العراق.

لذا وجدت الشباني نفسها منخرطة في مجال الدفاع عن حقوق الصم والبكم وخاصة حقهم في التعليم من خلال مطالباتها المستمرة بفتح مدرسة متوسطة واعدادية (صناعة أو تجارة) في محافظتها متخصصة بهذه الشريحة، وفسح المجال أمام خريجيها لإكمال الدراسات العليا كما هو الحال في كثير من الدول، أو على الأقل تمكينهم من الدراسة في الكليات والمعاهد كما هو الوضع في اقليم كوردستان.

مساعي الشباني في إدماج أبناء المعهد لم تذهب هباءً،  فقد سمحت وزارة التربية في عام 2019 لخريجي معهد الأمل بالمشاركة في امتحانات الشهادة الثانوية للطلبة الخارجيين، وكان هناك اثنان من الشباب الذين تخرجوا من المعهد وعادوا إليه بصفة متطوعين، في وقتها كان عمرهما عشرين عاماً، شجعتهما على التقديم للامتحانات ومنحتهما إجازة من العمل بل قامت بتدريسهما ورافقتهما طيلة أيام الامتحانات الى ان اجتازا الاختبار التمهيدي والنهائي بنجاح، فحصل احدهما على معدل 83 بالمئة والآخر على 91 بالمئة و هما الآن يواصلان دراستهما.

تستذكر الشباني تلك القصة قائلة: “لا يغيب عن ذاكرتي اول ايام الامتحانات، لقد كان صعبا للغاية، فقد طرد مدير القاعة الامتحانية الطالبين لأن أحدهما كان يضع  مُعينة سمعية والآخر كان  لديه قوقعة مزروعة في الأذن فأشّر جهاز كشف الغش الذي تستخدمه وزارة التربية داخل القاعات الامتحانية على وجود السماعات لدى الطالبين”.

وتتابع: “كان كل منهما يجري الامتحان في مدرسة مختلفة ولهذا وقعت في مأزق الوقت، لكني استطعت التدخل في الوقت المناسب”.

برامج وأنشطة

بلغت أعداد المستفيدين من عموم معاھد الصم والبكم لسنة 2015، 4801 مستفيداً بحسب احصاءات وزارة التخطيط العراقية وتناقصت حتى وصلت الى 1383 عام 2018.

وينفذ معهد الأمل برامج وانشطة متنوعة بهدف اعادة ادماج شريحة الصم والبكم في المجتمع وتشمل تلك البرامج سفرات علمية وترفيهية وانشطة فنية ومسرحية وجولات في البازارات الخيرية والمدارس المهنية . هذه البرامج مكّنت مستفيدي الدار من الحصول مهارات ذاتية واجتماعية اضافة الى توفير فرص العمل لهم.

تضرب الشباني مثلاً بأحد الأطفال في المعهد امتلك موهبةً في الرسم، فحصل على فرصة للمشاركة في المؤتمر الدولي للتوحد الذي أقيم في كلية التقنيات الطبية في  بغداد وتمكن من بيع لوحاته لزوار المعرض، “هذا أثر إيجابا في وضعه النفسي فبدأ يندمج اجتماعياً ويحقق دخلاً مالياً من خلال مشاركاته الفنية”.

واطلقت الشباني دورات مهنية متكاملة لمستفيدي المعهد البالغين، الذين لم يحصلوا على  فرصة  للتعلم او الدراسة لمساعدتهم في تجاوز مصاعب الحياة،  فوفر المعهد فرصاً تدريبية  للذكور حول تنصيب كاميرات المراقبة وتأسيسات الماء والكهرباء وتصليح الموبايلات وتغليف الاثاث مع تزويدهم بحقيبة المعدات اللازمة.

رعاية خاصة للفتيات

لأن الفتيات من ذوي الإعاقة “الصم والبكم” يواجهن تحديات مضاعفة في المجتمع العراقي بالقياس مع أقرانهنّ الذكور أولى المعهد اهتماماً ورعاية خاصة بهن، فوفر لهن دورات تدريبية في مجالات مختلفة منها ورش التمكين الاقتصادي التي شملت أكثر من ثلاثين فتاة صماء تدربن على  الخياطة وصناعة المنتجات الغذائية والصناعات اليدوية.

كما نجح معهد الأمل في إقناع العشرات من الفتيات الصم والبكم بالعودة الى صفوف الدراسة وواظب على توفير خدمات الرعاية المعنوية والاجتماعية والمالية لضحايا العنف الأسري من بينهنّ، أو أولئك اللواتي تعرضن للابتزاز الالكتروني، “وأنقذ ارواح العديد من المراهقات اللواتي حاولن انهاء حياتهن بسبب الاكتئاب والانعزال المجتمعي وقدم لهن الدعم النفسي” تقول الشباني.

ولم تكتفِ الشباني بهذا القدر من الإنجازات، فهي ما زالت تؤدي دورها في الترجمة لحالات الصم في مرحلة الزواج حين تُنتدب إلى المحكمة كمترجمة للإشارة. وقد ساعدت في إتمام حالات زواج متعددة مستعينة بخبرتها في مجال الاستشارات الأسرية، كما تقول الشباني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى