مضيف الديوانية مهدّم ومهمل.. بانتظار السوبرمان! 

الديوانية – منار الزبيدي

يواجه “مضيف الديوانية”، الذي كان يومًا ما رمزًا للتشاور والتواصل بين شيوخ العشائر والمسؤولين المحليين، خطر الزوال، فعلى الرغم من أهميته الرمزية تعرض المبنى لإهمال مستمر طوال سنوات مما أسفر عن تهدمه جزئيًا وتوقف استخدامه. اليوم، يحتاج المضيف إلى جهود كبيرة لإعادة تأهيله وإنقاذه من الانهيار الكامل.

شيد مضيف الديوانية قبل 32 عامًا على أرض تعود ملكيتها إلى مديرية البلدية. آنذاك تبرع شيوخ العشائر بمعظم تكاليف إنشائه ليكون مقرًا تشاوريًا يجمعهم وقيادات الحكومة المحلية ومدراء الدوائر، فيما تكفلت الحكومة المحلية ببقية المبلغ إلى جانب تأثيث المكان، بحسب الشيخ سامي حميد العرادي الذي اقترح بناء المضيف في وقته.

يقول العرادي للمنصة: “خلال اجتماع موسّع عقدناه في العام 1992 جمع رؤساء عشائر المحافظة، أرسل لي محافظ الديوانية آنذاك قصاصة ورقية يطلب فيها أن أقترح بناء مضيف يحمل اسم الديوانية. وبالفعل، اقترحت الموضوع أمام جمع من شيوخ عشائر الديوانية وحظي بتأييد أغلبية الحاضرين رغم الاعتراض غير المعلن للبعض”.

يكمل العرادي، “بعدها جمعنا التبرعات من الشيوخ لكن المبلغ لم يكن كافياً، وكنا بحاجة إلى مبلغ إضافي بسيط ساهمت به الحكومة المحلية وأثثت المضيف”.

قبل العام 2003 كان المضيف مخصصًا لعقد اللقاءات بين الحكومة المحلية وشيوخ العشائر في الأعياد والمناسبات الوطنية والأوقات التي يتطلب فيها الوضع السياسي والخدمي مناقشة قضايا تخص شرائح المجتمع في المحافظة ودراسة مقترحات الحلول. “لقد كان المضيف صرحًا هامًا يلتقي فيه شيوخ المحافظة وضيوفهم من المحافظات الأخرى وهو يمثل هوية المحافظة التراثية العشائرية وكرم دواوينها”، بحسب العرادي.

وفي تلك الفترة خصصت حكومة الديوانية يومًا في الأسبوع لمقابلة المواطنين في المضيف بحضور مدراء الدوائر للاستماع إلى مشاكلهم وحلها.

يقع المضيف في مكان حيوي وسط المدينة ويشغل جانبًا من إحدى ضفتي نهر الديوانية في منطقة أم الخيل، وقد تم بناؤه في زمن اللواء الركن أحمد عبد الله صالح الجبوري، وهو رجل عسكري تولى منصب المحافظ في 1991 وبقي فيه لمدة ثلاث سنوات.

بعد العام 2003، اتخذ مسؤولون مشاركون في العملية السياسية من المضيف مكانًا لعقد اللقاءات، لكنهم لم يستمروا في ذلك، وبعدها استخدم لأربع سنوات تقريبًا من قبل إحدى المنظمات غير الحكومية، ثم أغلق المضيف وترك في العام 2015 وسُحبت من أمامه الحراسة الأمنية، كما ذكر أحد الشيوخ، الذي أكد أن الإهمال المتعمد تسبب في تهدم المضيف.

لكن حتى قبل تعرضه للتهدم لم يعد شيوخ المحافظة يقصدون المضيف بسبب عدم وجود إدارة تشرف على المكان، وفق العرادي.

المهندس المدني ردفان الغانمي يؤكد أن المبنى كان بحاجة إلى طبقة حماية من الخارج والداخل وأعمال صيانة مستمرة، لكنه تعرض للإهمال خاصة وأنه يُعتبر بناء “واطئ الكلفة”. وقد تكلف عملية هدمه وإعادة بنائه نحو 500 مليون دينار عراقي، مع ترتيب الأرض المحيطة به والواقعة على ضفة نهر الديوانية.

ويكمل: “لقد تم تشييده بمواصفات فنية متواضعة إذ أن الأقواس الموجودة على السقف بسيطة الصنع، وكذلك نوعية مواد البناء المستخدمة، كما أن طبقة الأسمنت على سطح المبنى من دون حماية، لذلك مع مرور الأيام وهطول الأمطار والتغيرات الجوية الحاصلة وغياب أعمال الصيانة تهدم سقف المبنى”.

وزارة الداخلية اتخذت من الأرض التي تقع إلى جانب المضيف المهدم مقرًا لقسم شؤون العشائر في المحافظة، حيث يعمل مدير القسم وموظفيه داخل كرفانات صغيرة متراصفة. ورغم المخاطبات العديدة التي قدمها مدير القسم، العميد ميثم موجد الشعلان إلى محافظي الديوانية السابقين، لم يحصل على أي نتيجة. “جميع الحكومات لم تستجب ولم نحصل منها إلا على وعود لم تنفذ. وقدمنا طلبًا لمحافظ الديوانية الجديد على أمل الحصول على استجابة فعلية.”

يطالب عدد من شيوخ المحافظة الحكومة المحلية بضرورة إعادة تأهيل المضيف وفتحه أمام أهالي المحافظة أو هدمه وإعادة بنائه من جديد بإشراف كوادر مختصة، بشرط أن يبقى بنفس شكله الحالي مع تغييرات بنائية رصينة.

يعتقد الناشط عبد الأمير عزيز أن إهمال المضيف وتركه بهذا الشكل المؤسف يدل على وجود مطامع للاستيلاء على الأرض، كون موقعها حيوي جدًا. لا سيما أن “بعض المتنفذين من جهات سياسية وحزبية لديهم سوابق في الاستيلاء على أبرز الأراضي في المحافظة. “الشواهد كثيرة” على حد قوله.

وأشار عزيز إلى أن سبب الإهمال المتعمد قد يكمن في أن اسم المضيف سابقًا “مضيف صدام”، وكان مقرًا لاجتماع المسؤولين مع شيوخ العشائر، ولهذا يخشى مسؤولو المحافظة المتعاقبين من تأهيله أو إعادة بنائه من جديد رغم أنه مبنى تراثياً كالبيوت التراثية والمباني التي شُيدت خلال حقبة النظام السابق.

ولا يستبعد عزيز أن يكون إهمال المضيف وعدم ترميمه عائد إلى سياسة الإهمال والتقصير الحكومي تجاه معالم المحافظة التي وُسمت بـ”المنكوبة” بسبب تراجع مستوى الخدمات فيها رغم موازناتها المالية العامة التي صُرف جزء منها على مشاريع لم ترَ النور. كما قال عزيز وأضاف مازحًا: “يبدو أن الديوانية ومضيفها بحاجة إلى سوبرمان لإنقاذها من الزوال والإهمال.”

وتأثرت محافظة الديوانية بشكل مباشر بالصراعات والتكتلات السياسية والحزبية، إذ شهدت مؤخرًا بعد انتخابات مجالس المحافظات التي جُمدت منذ اندلاع ثورة تشرين عام 2019 ولادة كتلتين سياسيتين رفع كلاهما شعارات خدمة المحافظة والوقوف في وجه الفاسدين.

وأطلق أهالي الديوانية عبر مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ #الديوانية_منكوبة، طالبوا فيه حكومة السوداني ومجلس النواب العراقي والجهات الرقابية بالتدخل الفوري لإنقاذ المحافظة من معاناتها الخدمية الطويلة.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى