سهى مولود.. العلاج النفسي من خلال الكتابة

بغداد – سارة القاهر

“ليس هناك ما يستفز الإنسان ويجعله قادرًا على تجاوز الصعاب وقلب المعادلات الحياتية أكثر من الألم”. هذا ما تؤكده  سهى مولود، الكاتبة العراقية البالغة من العمر 37 عامًا، والتي تعد واحدة من النماذج الواقعية لتطبيق هذه المقولة. 

شهور طويلة مرت وسهى مولود طريحة الفراش، تتلقى جرعات العلاج الكيميائي بعد إصابتها بمرض السرطان، لكن تجربتها مع المرض تحولت إلى قصة ملهمة لمئات النساء العراقيات، بعد أن وجدت في الكتابة  مساحة علاجية مكنتها من التشافي ومشاركة تجربتها مع الآخرين. 

يمكن للمرء أن يتصور مقدار الألم الذي يعيشه المريض خلال تلقيه العلاج الكيميائي. لكن سهى تعاملت مع هذا الوضع بشكل مختلف. تقول في حديثها للمنصة: “كلما كان الألم الجسدي يزداد لديّ، كلما انتعشت في نفسي الآمال بالقدرة على الشفاء وتجاوز المرض، والعودة من جديد إلى حياة أحاول الإمساك بكل دقائقها ولحظاتها لصنع شيء ذي جدوى”.

هكذا، أصدرت كتابها “ما تبقى من ذاتي” الذي يصف حالها خلال فترة تلقيها العلاج الكيميائي، وأصدرت أيضًا كتابًا آخر يتضمن نصائح للنساء بالاطلاع على بعض الأبحاث في مجال علم النفس، وبعدها، أطلقت مشروعها “حرف فكلمة فكتاب” الذي يهدف إلى العلاج بالكتابة.

تصف سهى وضعها النفسي خلال تلقيها العلاج قائلة: “كانت جرعات الكيميائي التي أتلقاها تصيبني بألم شديد يشل جسمي كله، كنت أغمض عيني من شدة الألم وأفتحهما لبرهة، لأرى زوجي واقفًا بجانب سريري، يمسك بيدي ويؤازرني بكلمات لم أكن أستطيع سماعها وفهمها”.

وأضافت: “الأمر لم يكن سهلاً، بل لا يمكن حتى تصوره، لكن قوة الحياة بداخلي كانت أقوى من الموت وجرعات الأمل في قلبي تفوق جرعات الألم الذي يبقى عصيًا على كل وصف”.

من خلال مشروعها، بذلت سهى، الكاتبة ومدربة التنمية البشرية، جهودًا كبيرة في دعم المرأة وتنمية مواهبها، لكن طموحها لم يقف عند الكتابة وإلقاء المحاضرات وتطوير ذات المرأة نفسيًا وثقافيًا، بل إنها قررت مواصلة دراستها الاكاديمية من أجل افتتاح مشروع كبير للعلاج النفسي.

تقول سهى: “دراستي كانت في أكاديمية عن بعد، وحصلت خلالها على شهادة الدبلوم والبكالوريوس، ثم حصلت على شهادة الماستر والدكتوراه، مما مكنني من الحصول على الاعتماد”.

من خلال هذا الاعتماد، استطاعت الكاتبة العراقية افتتاح أكاديمية سهى مولود للصحة النفسية، وأصبح لديها الحق في تقديم العلاج غير الدوائي للمرضى النفسيين. كما تمكنت من تدريب وتخريج مدربي حياة يستطيعون إقامة ورش في علوم السيكولوجي، وهو الباب الثاني الذي افتتحته سهى في أكاديميتها.

ترى سهى أن “الآثار النفسية للمرض والحروب تشكل عقدًا وأمراضًا نفسية” وتشير إلى أن المجتمع العراقي على وجه التحديد يرفض كلمة ‘مريض نفسي’، لأنه يعتبر ذلك وصمة عار. فمعظم أفراد المجتمع يعتقدون أن المرض النفسي هو الاختلال العقلي، وهذا غير صحيح” موضحة أنه “عندما يكون الإنسان مريضًا نفسيًا، يعني ذلك أنه تعرض إلى صدمات متكررة في حياته جعلته غير قادر على تجاوزها، مثل خسارة شخص عزيز أو فقدان مالٍ كثير. وكما يمرض أي عضو من أعضاء الجسم، تمرض النفس أيضًا. وأنا واحدة من هؤلاء، لكني استثمرت تلك الحالة النفسية في الكتابة”.

وتشير إلى أن دراستها لعلم السايكولوجي، الذي يستخدم قوة الخيال والعقل، مكنها من البدء بعلاج الفتيات بالاعتماد على تعليمهن الكتابة الأدبية وكتابة الرواية والمقال.

فضلًا عن العلاج بالكتابة، تعطي سهى حاليًا دروسًا توعوية للمتدربات من النساء عن كيفية تخطي المشكلات النفسية في الحياة، وقد أصدرت في أكاديميتها كتبًا مشتركة لأكثر من 40 كاتبة من تأليفهن، ونتيجة للإقبال على المعهد، قررت افتتاح الأكاديمية الخاصة بالصحة النفسية بهدف معالجة جميع أفراد المجتمع.

على الرغم من وجود تحفظات اجتماعية على الإقبال على مراكز الصحة النفسية، تؤكد سهى أنها “لم تتوقع الإقبال الشديد على أكاديمية الصحة النفسية التي افتتحتها من أجل الاستشارة النفسية”. وأوضحت أن “الفرد العراقي بعد سلسلة الحروب المتتالية التي تعرض لها أصبح بحاجة ماسة للصحة النفسية، مما يبرر الإقبال الشديد على الأكاديمية. أغلب المرضى يشعرون بالحاجة الملحة للاستشارة النفسية”.

وأضافت أن “الشعوب ما بعد الحروب تشهد ارتفاعًا في نسب الوسواس القهري والتوحد والمخاوف واضطرابات نفسية أخرى”.

سهى مولود أنموذج لامرأة عراقية قررت التغلب على المرض وتطوير ذاتها علميًا وثقافيًا، ثم انتقلت لمساعدة الآخرين، ولن تجد أفضل ممن يبعد عنك الألم أكثر ممن اكتوى بناره.

 

أنجزت هذه القصة ضمن سلسلة مقالات بدعم من برنامج قريب، وهو برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى