شارع الوالي العثماني يحيى من جديد، ولكن..

بغداد- مصطفى جمال مراد
في قلب العاصمة بغداد، وتحديداً في الشارع المحاذي للمتنبي الذي تم إعادة إحيائه، يقع شارع السراي، الذي كان يعرف سابقاً بشارع جديد حسن علي باشا.
يروي المهندس المعماري زيد عصام، الحاصل على شهادة الماجستير في الحفاظ على التراث المعماري، أن تسمية الشارع في المرحلة المتأخرة من العهد العثماني لم تكن واضحة جداً، فقد أشارت بعض الخرائط إلى الشارع باسم جادة القشلة، بينما أشارت بطاقة بريدية إلى اسم شارع السراي.
وسمي الشارع باسم جديد حسن علي باشا نسبة إلى الوالي العثماني الذي كان يحكم بغداد آنذاك. وفي الثلاثينيات، عندما تأسست الدولة العراقية، قامت بإعادة تسمية العديد من الشوارع، ومن ضمنها هذا الشارع، فمثلاً كان “شارع الرشيد” سابقا يحمل اسم شارع الوالي العثماني خليل باشا وأعيدت تسميته نسبة إلى الخليفة العباسي هارون الرشيد.
يشير المهندس زيد إلى نقطة مهمة حول اسم الشارع واختلاف طريقة لفظه، موضحاً أن لفظة “السراي” تعني مبنى سراي بغداد، وهو مقر الحكم والإدارة في الولاية سابقاً، و”ليس المقصود منه “سرّاي” بتشديد الراء نسبة إلى إحدى العشائر العراقية المعروفة”.
كان هذا الشارع المحور الإداري الأهم في المدينة، حيث كانت تتوزع على جوانبه مباني المحاكم والمتصرفية والبلدية ومديرية الشرطة ورئاسة الوزراء والوزارات التابعة للدولة. لكن “تغيرت معالم هذا الشارع على مر السنين، ومن أبرز التغيرات هدم جامع نعمان أفندي والمدرسة السليمانية من قبل الأوقاف لبناء جامع السليمانية الجديد”.
ويشير المهندس زيد “أن الهدم شكل خسارة كبيرة فهو البداية لم يشمل كامل اجزاء المسجد وبقيت منه منارته وحجرة الدفن الخاصة بنعمان أفندي والذي حمل الجامع اسمه، لكن مؤخرا هدمت هذه الحجرة لغرض إعادة تشييدها”.
وكان نعمان الأفندي بحسب مؤرخين شخصية مهابة وذات منزلة مهمة في المجتمع البغدادي، مسموع الكلمة ومحترماً لدى الولاة والحكام، وقد منحته الدولة العثمانية عدة أوسمة.
وبقيت من آثار مسجد نعمان أفندي المنارة التي تمثل أقدم شاخص معماري في الشارع بعد جامع جديد حسن باشا الذي حظي بمكان مهمة في هذا الشارع و المحلة وقد نال اسمه “جديد” حسن باشا للتفريق بينه وبين “عتيق” حسن باشا وهو جامع آخر في المحلة يعرف حالياً بجامع الوزير .
ما أن تمشي بضع خطوات في بداية شارع جديد حسن علي باشا، حتى ترى ركناً فيه الهيكل الخارجي لبناية محترقة، كانت تعرف بمتصرفية لواء بغداد.
يقول المهندس زيد إن البناية تعرضت للنهب والدمار في فترة الانفلات الأمني التي رافقت الغزو الأميركي. “هاجم اللصوص البناية لسرقة قضبان الحديد المستخدمة في البناء وبعد نيل مبتغاهم تركوا المكان خربة”.
بحسب مؤرخين، كان هذا الشارع في الماضي من أهم شوارع بغداد، وأبرز حدث تاريخي مر به كان في الثلاثينيات عندما أسقط عليه أحد الطيارين العراقيين قنبلة خلال انقلاب بكر صدقي الذي يعد أول انقلاب عسكري في المنطقة العربية آنذاك.
ويضيف المهندس زيد أن الشارع كان يحتوي فقط على الدوائر الإدارية للدولة ولم توجد فيه أي بيوت سكنية عدا بيت واحد هو بيت “البمبيلي” نسبة إلى مدينة بومباي بالهند، وهو متعهد الحفلات شهير كان يقيم في بغداد وأصبح بعد ذلك يعرف ببيت “فاروق الألماني” بعد أن اشتراه فاروق محمد علي طاهر الألماني ورممه بحلته التي ظهر عليها سنة 1999 كمكان لبيع التحف والانتيكات.
أما محلة جديد حسن باشا التي تحتضن شارع السراي فهي من محلات بغداد القديمة التي عاصرت نخبة كبيرة من المثقفين والأدباء والسياسيين المخضرمين من بينهم العلامة الشهير هبة الدين الشهرستاني (1884 – 1967 م).
يقول زيد إن “حال المحلة أصبح كحال باقي محلات بغداد التي كانت المأهولة من الأعيان والأثرياء، فقد بدأ سكانها الأصليون يهاجرون منها في الثلاثينيات متجهين إلى الأحياء الحديثة مثل منطقة الوزيرية حيث بإمكانهم التمتع برفاهية أكبر، وبالمقابل فان المحلة بدأت تستقبل سكاناً جدداً أقل ثراء”.
بدأت أولى بوادر الاهتمام بالمنطقة مع حادثة تفجير شارع المتنبي سنة ۲۰۰۷، وتلاها مشروع حكومي كبير لإعادة تأهيل الشارع وفتحه مرة أخرى أمام الزوار. ربما شجع نجاح هذا المشروع أمانة بغداد على إطلاق مشروع تطوير شارع الرشيد سنة ۲۰۰۹، لكنه لم يكتب له النجاح.
ويقول زيد “كان مشروع تطوير شارع الرشيد يشمل كامل الشريط المحاذي لنهر دجلة من جانب الرصافة بما في ذلك شارع السراي لكن المشروع بقي حبراً على ورق”.
ويكمل زيد قائلا إن عمليات الترميم الجارية حالياً في شارع السراي تهدف إلى إعادة تأهيل الفضاء العام والبنية التحتية، وإصلاح المباني من الخارج لافتتاحها أمام الزوار مرة أخرى، بينما ترك العمل على داخل المباني ربما لمرحلة أخرى.