بداية العام الدراسي تلوح في الأفق.. وبأسعار مرتفعة

فاطمة كريم – بغداد

في شارع المتنبي وسط العاصمة بغداد يجلس الشاب غسان خلف عربته الخشبية المزينة بملصقات كرتونية يجذب بها زبائنه من التلاميذ، وبابتسامته وعينيه الشغوفتين بالتجارة، يقدم لهم باقةً متنوعةً من الدفاتر والأقلام والكتب المخصصة للأطفال.

بحسب غسان، وهو في الـ 27 من عمره ويعمل منذ أكثر من خمسة أعوام في بيع المستلزمات المدرسية في شارع المتنبي، فإن هذا الشارع العريق كان يشهد طوال الوقت حركة دؤوبة تبدأ من ساعات الصباح الأولى إلى أوقات متأخرة ليلاً، لاسيما أيام الجمع والعطل الرسمية، إذ يزوره يومياً شعراء وأدباء وكُتّاب كبار وفنانون إلى جانب وافدين أجانب وعرب يشترون الكتب والمخطوطات او يقضون وقتهم في المقاهي التراثية المنتشرة فيه، إلا ان الملاحظ في هذه الأيام هو كثرة أعداد الأسر التي تأتي بصحبة أولادها تلاميذ المدارس.

يقول غسان صالح: “في بداية كل فصل دراسي جديد يكتظ السوق بحركة الأهالي الذين يأتون لشراء جميع المستلزمات الدراسية لأولادهم من ثياب وحقائب وقرطاسية وغيرها من الأمور”.

غسان، الشاب الذي يحمل ابتسامة لا تفارق شفتيه، يبدأ يومه منذ الصباح الباكر، عربته البسيطة تتحول إلى مكتبة متنقلة شاهدة على تفانيه في عمله. يرتب الأقلام والدفاتر والكتب بعناية، وكأن كل كتاب هو صديق جديد ينتظر قارئاً صغيراً. 

عندما أتى إلى الشارع قبل خمس سنوات كانت هذه العربة المتواضعة كل حيلته، لكن ابتسامته الصادقة وتعامله اللطيف مع الزبائن جعلاه محط أنظار الجميع، وسرعان ما أصبح وجهاً مألوفاً في السوق.

“قضيت سنوات طويلة وأنا أتعامل مع جميع فئات الطلبة، لكن لم أكن طالباً أبداً. لقد تركت الدراسة في مرحلة المتوسطة لظروف خاصة، لذا أشعر بالسعادة عندما أبيع الكتب والدفاتر لأطفال المدراس”.

فرح حيدر، الملقبة بـ”أم زينب”، سيدة في الـ35 من عمرها لديها ابنتان، زينب وسارة، اعتادت منذ سنوات عدة أن تتبضع احتياجاتها من شارع المتنبي، وبالأخص من غسان. تقول فرح: “في بداية كل عام، أصطحب بنتاي إلى شارع المتنبي ليكتسبا القليل من الثقافة ويطلعا على المعالم والكتب والأماكن الأثرية، وأيضاً لشراء احتياجاتهم”. تكمل حديثها وتشيد بغسان وتعاملُه الودود مع الزبائن، بل إنها تشجع غسان الذي تعرفه منذ أكثر من ثلاث سنوات على إكمال مسيرته الدراسية. تقول: “منذ أن عرفت قصة غسان، وأنا دائماً ما أشجعه على العودة إلى الدراسة، وهذا العام وعدني بأن يكمل حلمه ويصبح معلماً”.

زينب كريم، ابنة فرح، وهي فتاة ذات 16 ربيعاً، تسير بين المحلات وتنظر يميناً ويساراً وهي تبحث عن ما يعجبها، تلامس أوراق الكتب لتختبر متانتها ومدى جودتها. 

تقول زينب: “لطالما استهواني شارع المتنبي، والأجواء هنا جميلة، إذ تجد كل الأهالي والطلاب يتبضعون هنا، حقاً شيء مفرح”.

غسان، الشاب الطموح الذي يقتات من بيع مستلزمات الدراسة والذي يعاني كغيره من الباعة من ارتفاع أسعار القرطاسية بسبب تراجع قيمة الدينار العراقي أمام الدولار، يبذل قصارى جهده لتوفير الكتب والدفاتر بأقل الأسعار كي يتمكن جميع الأطفال من الحصول على أدوات تعليمية. يقول للمنصة: “منذ أزمة الدولار ونحن نحاول تأمين الكتب والقرطاسية من مصادر أخرى فالعوائل العراقية لم تعد قادرة على تأمين احتياجات أطفالها”.

في حديث غسان إشارة إلى تراجع قيمة العملة العراقية في مزاد بيع العملة في البنك المركزي منذ العام الماضي بنسبة تتراوح بين 40% و50%. ويرى اقتصاديون أن هذا التراجع مرتبط بارتفاع سعر صرف الدولار في الأسواق الموازية (السوداء)، وقد أدى إلى اضطراب الحركة التجارية بالبلاد وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية دون استثناء.

بينما كان غسان يتحدث كانت “أم زينب” تحذر ابنتها من عدم شراء مستلزمات كثيرة دون الحاجة إليها لتفادي الإحراج عند دفع الفاتورة. 

تقول ام زينب: “ارتفعت الأسعار بشكل ملحوظ عن السنوات السابقة. ففي كل عام جديد تزداد الأسعار، وهذا الأمر يؤثر سلباً على الأهالي، وخصوصاً من هم من ذوي الدخل المحدود والذين لديهم عدد أكبر من الأبناء”.

غسان، الذي يستمر واقفاً خلف عربته ليبيع بضاعته لزبائنه، يأمل أن تتجاوز البلاد هذه الازمة الاقتصادية، كما يأمل أن يأتي اليوم الذي يكون فيه واقفاً أمام طلابه في الصف الدراسي، وبابتسامة لطيفة على شفتيه يقول: “عندما أصبح معلماً، سأهدي طلابي قرطاسية في بداية كل عام دراسي ليتذكروني بها، وسأروي لهم قصتي كيف انتقلت من العربة وسط الشوارع إلى معلماً لهم”.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى