الكتب المدرسية خارج متناول الطلاب.. كيف يواجه الأهالي هذه الأزمة؟

فاطمة كريم – بغداد
“رغم مرور شهر على بدء العام الدراسي الجديد، إلا أن الأهالي لم يتوقفوا عن القدوم إلى المكتبة لشراء الكتب الدراسية لأبنائهم. هذه أزمة تتكرر كل عام دراسي”، هكذا يتحدث عمار، صاحب محل لبيع المستلزمات الدراسية، مبيناً حجم معاناة الأهالي والطلاب من نقص توزيع الكتب من قبل المدارس، مما يضطرهم لشرائها.
عمار محمد، البالغ من العمر 33 عاما ويسكن في منطقة التاجيات في بغداد، يعمل في محل لبيع المستلزمات الدراسية منذ أكثر من خمس سنوات، وهو خريج كلية الإدارة والاقتصاد، لكنه لم يحصل على فرصة التعيين. يقول عمار: “الحياة لا تتوقف عندما لا أجد عملاً في مجال دراستي. أنا سعيد بمشروعي الذي أسسته بنفسي”.
يقف عمار في مكتبته الصغيرة التي أصبحت ملاذاً للعديد من الطلاب الباحثين عن كتب دراسية غير متوفرة في مدارسهم. مشهد الطابعات المتزاحمة والحواسيب التي تعمل على مدار الساعة أصبح مألوفاً في محله، بينما يقف أمامه العشرات من الطلاب وأولياء الأمور يتسابقون لطباعة كتب أبنائهم.
يقول عمار: “منذ بداية العام الدراسي، لم تتوقف الطابعات عن العمل. الأهالي والطلاب يتوافدون يومياً لطباعة الكتب التي لم تصل إلى مدارسهم”. ويضيف: “بعض الطلاب يأتون بطلبات لطباعة مئات الصفحات، وهذا بالطبع يكلفهم الكثير من المال”.
“لدي أربعة أبناء في المدرسة بمراحل دراسية مختلفة، وجميعهم يعانون من نقص الكتب الدراسية، والمعلمون يطلبون منهم شرائها من الخارج”.
تعد طباعة المناهج الدراسية في العراق من الملفات المثيرة للجدل. ومع بداية كل عام دراسي، تعود أزمة نقص الكتب المدرسية إلى الواجهة، لأسباب عديدة، أبرزها كثرة التعديلات التي تطرأ على المناهج، قلة التخصيصات المالية، والخلافات السياسية التي تشهدها البلاد.
ورغم مرور أكثر من شهر على بدء الدوام المدرسي، تعاني معظم مدارس العراق من نقص في المناهج الدراسية لجميع المراحل، حيث يتلقى آلاف التلاميذ دروسهم دون استلام الكتب المدرسية.
“موطني موطني، الجلال والجمال والسناء والبهاء…”، هكذا يصدح صوت النشيد الوطني العراقي في محل عمار منذ الصباح الباكر، وهو يرتب المحل استعداداً لاستقبال زبائنه من الأهالي والطلاب. يقول عمار: “أفتح المحل عند الساعة 9 صباحاً، وفي بعض الأحيان أجد زبائني أمام باب المحل ينتظرون لاستلام طلبياتهم من الكتب”.
تعاني المدارس العراقية منذ سنوات من نقص كبير في توزيع الكتب المدرسية على الطلاب، مما يضطر الأهالي إلى البحث عن حلول بديلة. غالباً ما تكون هذه الحلول مكلفة، حيث يجد أولياء الأمور أنفسهم أمام خيار وحيد، وهو شراء الكتب من المكتبات الخاصة أو طباعتها بأنفسهم. هذه الأزمة تشكل عبئًا ماليًا كبيرًا على الكثير من الأسر العراقية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.
الكلفة المترتبة على شراء أو طباعة الكتب تفوق أحياناً قدرة العديد من العائلات، خصوصاً ذات الدخل المحدود أو التي تعيش في المناطق الريفية، والأهالي بحسب تعبير من التقيناهم باتوا بين نارين، إما تحمّل تكاليف الطباعة، أو مشاهدة أبنائهم يواجهون صعوبات في مواكبة الدروس بسبب نقص المواد التعليمية.
تنظر أم مصطفى إلى رفوف الكتب بعينين مليئتين بالحيرة. هي سيدة تبلغ من العمر 41 عاماً، جاءت إلى محل عمار لشراء الكتب لأبنائها. تقول: “لدي أربعة أبناء في المدرسة بمراحل دراسية مختلفة، وجميعهم يعانون من نقص الكتب الدراسية، والمعلمون يطلبون منهم شرائها من الخارج”.
وتضيف: “الأوضاع صعبة جداً. لم أصدق أني انتهيت من تجهيز ملابسهم المدرسية، ثم ظهرت مصاريف إضافية تثقل كاهلي”.
تحاول أم مصطفى التخفيف من العبء، فتطلب من ابنها الأصغر “كرار” جلب الكتب الضرورية الآن وترك الباقي إلى وقت آخر. تقول: “نحن مضطرون لطباعة الكتب، لأن أبنائنا يحتاجون إليها في دراستهم. لكن الأسعار مرتفعة، وبعض الأهالي لا يستطيعون تحمل هذه التكاليف”. وتتابع: “أحياناً أضطر لتقليل مصروفات المنزل لأتمكن من شراء الكتب”.
يشير الباحث محمد الباقر موفق الزبيدي إلى “أن طباعة الكتب المدرسية في العراق من المسائل الشائكة بسبب سيطرة جهات معينة على هذا الملف، مع وجود نقص كبير في المطابع الوطنية في السنوات السابقة، باستثناء المطابع التي تم استحداثها مؤخراً”.
ويضيف الزبيدي أن المشكلة الحاصلة هذا العام والسنوات السابقة سببها الاعتماد على طباعة الكتب في مطابع خارج العراق، لافتاً إلى وجود “صفقات مشبوهة” تتعلق بالفساد، مع محاولات مستمرة للتخلص من هذه المشاكل.
“لم أصدق أني انتهيت من تجهيز ملابسهم المدرسية، ثم ظهرت مصاريف إضافية تثقل كاهلي”.
من جانبه، يقول المتحدث الرسمي لنقابة المعلمين، ناصر الكعبي: “إن أموال طباعة الكتب تستهلك نسبة كبيرة من موازنة وزارة التربية كل عام، علماً بأنها تحصل على أقل تخصيص ضمن الموازنة العامة للدولة”.
ويضيف أن “هناك الكثير من الجدل حول ملف طباعة الكتب منذ عام 2003، لكن ليس لدى نقابة المعلمين معلومات مفصلة، لأن عملية الطباعة تجري وفق الأصول الحسابية لديوان الرقابة المالية في وزارة التربية”.
ويتابع: “نحن في نقابة المعلمين داعمون لطباعة المناهج داخل العراق، وخاصة من خلال المطابع الأهلية، لتشغيل اليد العاملة وتنشيط القطاع الاقتصادي”.
ويبين أن من بين أهم أسباب تجدد مشكلة نقص المناهج الدراسية هو غياب الخطط المنهجية لطباعة الكتب، حيث يتم تغيير المناهج الدراسية كل سنتين أو ثلاث سنوات أو بين فترة وأخرى.
كما يكشف الكعبي عن حلول طارئة تلجأ إليها المدارس وأولياء الأمور، مثل الاعتماد على الكتب القديمة والمستخدمة، أو قيام بعض الميسورين بطباعة الكتب على نفقتهم الخاصة وتوزيعها على الطلبة، وفي الوقت نفسه، يلجأ الكثير من الأهالي إلى شراء الكتب.
ومع استمرار المشكلة، يواصل عمار وآلاف أصحاب المكتبات مواجهة ضغط يومي لتلبية الطلبات المتزايدة من الطلاب، في ظل غياب حل جذري يخفف من معاناتهم.