الشابة البصرية انتظار حسن تكشف أزمة الممثلين قصار القامة… تنمّر وغياب فرص العمل

البصرة – نغم مكي

بعد أداء وصلتها المسرحية، يسود سكون غريب بين الجمهور الحاضر، إذ تفتح “انتظار” عينيها وهي تشاهد تأثر الجميع بمشهد قدمته، متقمصة دور إحدى طفلات التوحد، ممسكة بلعبة قماشية صغيرة تشكو لها نظرة الناس بصوت متحسر وعيون دامعة. تلعب دوراً في مسرحية “الاندماج لأطفال التوحد”، تنهي المشهد وتُسدل الستارة.

في قلب المدينة الجنوبية البصرة، جسّدت الشابة انتظار حسن، 29 عاماً، على خشبة المسرح شخصيات متعددة درامية وتراجيدية وكوميدية. لم يمنعها قصر قامتها من إبراز موهبتها بكل ثقة وشغف، وكما تقول: “أينما يكن المسرح، تكن الإنسانية”.

تستعد انتظار للظهور على المسرح بعد تدريبات وبروفات مكثفة لأيام تسبق العرض مع زملائها الممثلين. تحفظ النص جيداً عن ظهر قلب وتؤديه بإحساس عالٍ. 

تتحدث انتظار عن أحب الأدوار التي أدتها على خشبة المسرح، وهو دورها في مسرحية “قطرة مطر” التي تعتبرها إضافة مهمة لمسيرتها الفنية. تحكي المسرحية قصة قطرة مطر تسقط من الغيمة، فتمر بعدة حالات ومواقف. 

وتضيف قائلة: “إن قطرة مطر واحدة، لكنها قادرة على إرواء الكثير، وإن الإنسان لا بحجمه يصنع التغيير”. وحازت المسرحية على خمس جوائز، بما فيها جائزة أفضل عمل متكامل.

في عام 2016، منحها الفنان أبو العباس فرصة تمثيل أدوار غيّرت جذرياً من مسيرتها الفنية، وانضمت إلى فرقته المسرحية بعد أن شاهد أحد عروضها. أثبتت  انتظار آنذاك أن “قصر القامة لا يعني قصر الطموح” بحسب تعبيرها.

بعدها شاركت الممثلة البصرية في العديد من المسرحيات التي ناقشت قضايا إنسانية واجتماعية، أهمها “حقنة وطن”، التي حاكت الأوضاع الراهنة في العراق، خاصة معاناة الشباب. اختتمت المسرحية بقولها: “أيها المجانين كلكم محقونون”. عرضت المسرحية في عام 2022 ونالت انتظار عن هذا الدور جائزة أفضل ممثلة رئيسية في مهرجان “نظران” المسرحي في البصرة.

يشير نقيب الفنانين العراقيين فرع البصرة، الفنان فتحي شداد إلى أن قصار القامة كانوا طوال الوقت عرضة للتنمر في الأعمال الدرامية السائدة. يقول: “للأسف الشديد، الدراما أساءت كثيراً لهذه الشريحة، إذ تقدمهم في مواقف للضحك. الفن رسالة، ومن المعيب أن نجعل الجمهور يضحك على الممثل كشخص. وإذا كان لا بد من المشاهد المضحكة، فالمفترض أن تكون على حساب الموقف وليس على شكل الشخص”.

ويضيف: “نحن في نقابة الفنانين لا نفرق بين الفنانين باختلاف أوضاعهم أو صفاتهم، وما يحدد هو الموهبة التي يتحلى بها الفنان، فالفنان إنسان قبل كل شيء، ويوجد عدد قليل من الممثلين قصار القامة لا يتجاوز الثلاثة”.

تتفق انتظار مع رأي شداد، مؤكدة أن التحديات التي تواجه ممثلي قصار القامة، خاصة النساء، عديدة، منها استغلالهن في أدوار للتهريج. وتوضح أن “على الممثل رفض مثل هذه الأدوار حتى لو أدى ذلك إلى عدم حصوله على فرصة عمل”.

وتستطرد انتظار قائلة: “عُرِض عليّ دور في مسرحية، ووافقت بشرط قراءة النص. عندما رأيت أن الدور ينطوي على تنمر على قصار القامة، رفضت، رغم أن المبلغ كان مغرياً. السبب في رفضي يعود إلى قناعتي الذاتية ورغبتي في عدم السماح بالتنمر على أقراني، وحتى لا أفتح باباً لاستمرار هذا النوع من التنمر للأجيال القادمة”.

تصمت انتظار قليلاً، ثم تستأنف حديثها قائلة: “أواجه صعوبة في إيجاد عمل بسبب نظرة المجتمع. فالفرص قليلة لقصار القامة، ليس بسبب قلة الكفاءة أو ضعف الإمكانيات، بل لأن المجتمع يحدد قيمة الفرد بناءً على مظهره الخارجي وليس جوهره”.

يشير مصطفى البدر، نائب رئيس جمعية “قصير” المعنية بحقوق قصار القامة، إلى وجود قانون يحمل الرقم 38 لسنة 2013 من شأنه القضاء على التمييز بسبب الإعاقة. ويقول: “نسعى لزيادة رواتب ذوي الاحتياجات الخاصة في وظائف الدولة من 170 ألف دينار عراقي إلى 250 ألف دينار شهرياً للفرد الواحد ضمن التخصيص المالي من وزارة المالية”. ويضيف أن نقابة الفنانين تقدّم منحاً سنوية للممثلين قصار القامة المنتمين إليها.

“على الممثل رفض أدوار التهريج والتنمّر حتى لو أدى ذلك إلى عدم حصوله على فرصة عمل”

نظرة التنمر التي واجهتها انتظار في مسيرتها الفنية لم تكن جديدة بالنسبة لها، فبين براءة الطفولة وحيويتها، عاشت انتظار مع أسرتها في أحد بيوت البصرة المغلقة، وسط قسوة البشر. تعرضت لعنف جسدي ونفسي من والدها وجدّيها دون أن تفهم السبب، رغم أن قصر قامتها ناتج عن خلل جيني بسبب عدم توافق دم والديها. “هذا الأمر كان مبرراً لوالديّ لممارسة النبذ والقسوة” تقول بأسف. ورغم المعاناة، كانت أحلام انتظار تنمو وهي تشارك في مسرح المدرسة والفعاليات الفنية متقمصة أدواراً تعبر عن أفكارها صارت اليوم جزءاً من رصيد ذاكرتها.

تتناغم انتظار مع الشخصيات التي تقدمها على المسرح، وتؤدي دور الطفل ببراعة لافتة. وكما تقول: “أميل لأدوار الطفل وأحب تقليده لأعيش طفولة لم أذق حلاوتها في الواقع”.

شددت انتظار، رغم انتشار المهرجانات والمسرحيات، على أن المسرح يفتقد لروحه القديمة في ما يتعلق بالإخراج، والسينوغرافيا، والنص الجيد. وأضافت أن عدم توفر قاعات مسرحية للتدريب يجعلهم يلجؤون إلى الحدائق أو المقاهي أو التدرب في منازلهم. أشارت أيضاً إلى أن الجوائز تُمنح بناءً على المجاملات والانتماءات في بعض الأحيان، خاصة في البصرة، وهو ما يحد من الدعم والاعتراف بالفنان.

تعتبر انتظار أن مسرح الطفل هو الأقرب إلى قلبها، إذ تقول: “مسرح الطفل هو عالمي الذي أبدع فيه بجدارة. إنه عالم واسع يساهم في تأهيل عقول الأطفال وتنميتها من خلال رسائل توعوية وتربوية”. 

تقف انتظار بزيها الأزرق المعبر عن قطرة ماء بجانب طفل يعاني من التوحد، وشخصيات تمثل الماء، الهواء، النار، الشجرة، والعصفور، يحيطون به، معبرين عن أهمية القطرة التي جمعتهم وأزالت روح الأنانية. 

تختم كلامها مخاطبة هؤلاء الذين يتنمرون على شكلها متسائلة: “لماذا لا تكونون كالأطفال، نقاؤهم وبراءتهم تجعلهم يرون الجمال في كل شيء، فلا يشغلهم المظهر بل القلب وما يحمله من حب وتضامن”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى