رسائل إيلاف حميد… من تحت الماء

البصرة- نغم مكي

بخطوات دقيقة وواثقة تستعد إيلاف حميد لدخول الماء مرتدية ثياب السباحة، فتغطي رأسها بعناية بقلنسوة مطاطية ثم تضع سدادات الأذن والنظارات لضمان الراحة والتركيز الكامل. تأخذ نفساً عميقاً وتقفز بحركة عمودية انسيابية محركة، وعندما تلامس المياه تدفع الماء يميناً ويساراً كما المجذاف وتتقلب بمهارة وكأنها جزء من هذا العالم المائي.

في مدينة البصرة، حيث تعد ممارسة الغوص والسباحة من قبل النساء أمراً نادراً تبرز إيلاف حميد (34 عاماً) كأول غواصة ومدربة سباحة. غياب المدربات المتخصصات في المدينة دفعها لتعلم هذه الرياضة التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتها. 

أريد أن تكون السباحة جزءاً من المناهج الدراسية، لأنها تعلّم الأطفال الشجاعة والانضباط وتفتح لهم آفاقاً جديدة

تقول إيلاف: “الغوص يمنح طاقة وقوة كبيرة، ويساعد الشخص على تجاوز العقبات. لذلك أردت أن أنقل هذا الشغف للآخرين، خاصة النساء”.

تستعيد إيلاف ذكريات طفولتها، حينما تعرضت لحادث غرق في نهر دجلة وهي في الثالثة من عمرها.”كان ذلك الحادث نقطة فاصلة في حياتي. ولّد في نفسي خوفاً من الماء، لكن مع مرور الوقت، تحول هذا الخوف إلى دافع لتحدي نفسي وكسر الحاجز. اليوم، أصبح الماء جزءاً من حياتي اليومية”.

حصلت إيلاف على شهادة ورخصة معتمدة من منظمة SSI العالمية، لتصبح أول مدربة غوص معتمدة في العراق. تتحدث عن هذا الإنجاز بفخر قائلة: “فخورّة لأنني تمكنت من إدراج العراق ضمن 165 دولة على خارطة SSI. كما حصلت على شهادة من النقابة العراقية كأول مدربة غوص في البلاد”.

تصف السبّاحة العراقية تجربتها في الغوص بمياه شط العرب كواحدة من أهم تجاربها، فقد غاصت إلى عمق 12 متراً متحدية الظروف الصعبة ومعوقات البيئة المائية. “رغم التحديات التي واجهتها، كان الغوص في شط العرب نقطة تحول في حياتي. أضاف لي خبرة واسعة وساهم في تعزيز شجاعتي وثقتي بنفسي”.

وعلى الرغم من التحديات الكبيرة مثل نقص التمويل وقلة المسابح المتاحة تسعى إيلاف لتطوير رياضة السباحة والغوص في مدينتها البصرة إذ كرّست جهودها لتأسيس مسبح مجهز بكافة المعدات الحديثة بهدف تدريب الفتيات وتمكينهن من تطوير مهاراتهن في السباحة والغوص، كما شاركت في تنظيم مسابقات ودية بين المدارس، وأقامت ورشاً توعوية للتشجيع على السباحة كمهارة حياتية. 

تقول: “هدفي الأكبر هو نشر ثقافة السباحة ومحو أمية السباحة بين الناس”. وتضيف: “من خلال التدريب، أحاول بناء الثقة بالنفس لدى المتدربات، وتعزيز قوتهن الجسدية والنفسية”.

لم تقتصر جهود إيلاف على التدريب الرياضي، بل امتدت إلى استخدام السباحة كوسيلة علاج. لهذا طبّقت إيلاف برامج مبتكرة تهدف إلى مساعدة المصابين بأمراض مثل السكري وحالات الشلل الدماغي وطيف التوحد موضحة أن “السباحة لا تقتصر على كونها الرياضة فقط، بل تسهم في تحسين جهاز المناعة وتنظيم التنفس وهي علاج شامل للأجساد والنفوس”.

بعينين مليئتين بالشغف تقف إيلاف على حافة المسبح، تراقب الأطفال المتدربين. تطلق صفارة الانطلاق، فيبدأ الأطفال بحركات متناغمة داخل الماء، بينما توجّههم بابتسامة مليئة بالحماس.

تتحدث عن طموحها قائلة: “أحلم بإنشاء مسبح بمواصفات أولمبية، حيث يمكنني تنظيم بطولات للأطفال وتطوير مهاراتهم منذ الصغر. أريد أن تكون السباحة جزءاً من المناهج الدراسية، لأنها تعلّم الأطفال الشجاعة والانضباط وتفتح لهم آفاقاً جديدة”.

في مدينة ما زالت تعاني من قلة الوعي بأهمية السباحة والغوص، تمثل إيلاف أنموذجاً للإصرار والشغف. هي ليست مجرّد مدربة، بل رمز للتغيير الإيجابي، تحمل رسالة بأن الماء ليس فقط مساحة للحركة، بل مكان لاكتشاف الذات وتجاوز التحديات.

 

أنجزت هذه القصة ضمن سلسلة مقالات بدعم من برنامج قريب، وهو برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى