بين الأرقام المخيفة والحلول المفقودة.. كيف يتم التعامل مع أطفال التوحد في ذي قار؟

مرتضى الحدود- ذي قار

يعيش حسنين، الفتى البالغ من العمر خمسة عشر عاماً، يومياته مع طيف التوحد الذي رافقه منذ طفولته، بينما يخوض والده، حامد ماجد، معركة يومية لمساعدته على التكيف والعيش بشكل طبيعي. 

لاحظ والدا حسنين تأخره في النطق عندما كان في الثالثة من عمره، ما دفعهما إلى البحث عن تشخيص، ليكتشفا إصابته بطيف التوحد في لحظة شكّلت صدمة قاسية للعائلة، لكنها كانت بداية رحلة طويلة من التحديات الممزوجة بالأمل.

يسكن حامد في قضاء سوق الشيوخ جنوب الناصرية، ويتحدث بحزن عن سنوات طويلة من التنقل بين المراكز والأطباء بحثاً عن علاج أو دعم يساعد ابنه على التكيف مع مرضه. رغم عدم وجود دعم حكومي كافٍ، وجد حامد نفسه مضطرّاً للجوء إلى المراكز الخاصة، التي تطلبت منه جهداً كبيراً وموارد مالية ليست بالهينة.

بعد تشخيص الحالة، ركّز حامد جهوده على فهم طبيعة مرض ابنه، وأدرك أن العلاج يجب أن يكون نفسيّاً وسلوكيّاً، أكثر من كونه عضويّاً. أصبح جزءاً من حياته اليومية تخصيص وقت طويل لدعم ابنه. يبدأ يوم حامد بإيصال حسنين إلى مركز متخصص حيث يقضي ساعات الصباح، ثم يرافقه في الأسواق والمقاهي بهدف دمجه في المجتمع، ليختما يومهما بمراجعة الدروس المنزلية مع والدته.

جهود حامد اليومية، التي تصل إلى 7 أو 8 ساعات يومياً، هي تعبير واضح عن حبّه العميق ورغبته في رؤية حسنين يعيش حياة قريبة من الطبيعي، متحدّياً الصعوبات التي تحيط به.

في العراق وذي قار تحديداً تغيب الإحصائيات الدقيقة عن عدد المصابين بطيف التوحد رغم وجود استراتيجيات حكومية لمعالجة هذه الحالات. 

وبحسب الدكتور نعمة جلود التميمي، مدير مركز ذي قار لتأهيل المصابين باضطرابات التوحد، يقدم المركز خدمات شاملة تشمل تعديل السلوك وتنمية المهارات ومهارات التخاطب وبرامج الإدراك السلوكي. ورغم تسجيل المركز نحو 2600 حالة منذ تأسيسه في 2014، فإن العدد الفعلي للمصابين قد يصل إلى 5 آلاف طفل في ذي قار وحدها.

يوضح التميمي أن الكوادر المدربة في المركز غير كافية لتلبية احتياجات العدد الكبير من الحالات، حيث يحتاج كل طفل إلى رعاية متخصصة تتناسب مع حالته. الإحصائيات العالمية تشير إلى أن نسبة الإصابة بطيف التوحد تتراوح بين 1-2% من كل 100 طفل سنوياً، ما يعكس ضرورة الاهتمام بشكل أكبر بهذه الفئة.

دراسة علمية أجريت في ذي قار بين عامي 2018 و2019 على 70 طفلاً مصاباً بطيف التوحد، أظهرت أن الذكور أكثر عرضة للإصابة من الإناث، حيث بلغ عدد الذكور 50 مقابل 20 طفلة. كما أكدت الدراسة أن الأطفال المصابين يعانون غالباً من صعوبات في النطق والتعلم، مما يتطلب تدخّلاً مبكراً لتعزيز قدراتهم.

الكوادر المدربة لدينا في المركز غير كافية لتلبية احتياجات العدد الكبير من الحالات، حيث يحتاج كل طفل إلى رعاية متخصصة تتناسب مع حالته

رغم زيادة عدد المدارس التي تحتوي على صفوف للتربية الخاصة في ذي قار، إلا أن التحديات لا تزال قائمة. بلغ عدد هذه المدارس في العام الدراسي 2023-2024 نحو 68 مدرسة تضم 658 طالباً، بينهم 273 طالبة. ومع ذلك، فإن جمع الأطفال المصابين باضطرابات متنوعة مثل التوحد وضعف السمع والبصر في صفوف موحدة يثير تساؤلات حول فعالية هذه السياسات، وسط دعوات لإعادة النظر في أساليب الدمج لضمان تقديم تعليم نوعي يلبي احتياجات كل فئة.

نقيب المعلمين في ذي قار، حسن السعيدي، وجّه انتقادات حادة لهذه السياسات، معتبراً أن جمع طلاب يعانون من اضطرابات مختلفة في صف واحد يعيق تقديم رعاية مخصصة وفعّالة. وطالب بتدريب الكوادر التعليمية على أساليب التدريس المناسبة لهذه الحالات.

على صعيد آخر، عملت وزارة الصحة على تطوير استراتيجية وطنية للتوحد بالتعاون مع عدة جهات، تشمل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة التعليم العالي، إضافة إلى منظمات غير حكومية. تهدف الاستراتيجية إلى تحسين أساليب التشخيص والعلاج والدمج المجتمعي.

وزارة العمل، من جانبها، نظّمت دورات تدريبية لموظفيها لتعزيز مهاراتهم في التعامل مع مرضى التوحد، مركزة على أهمية الدمج الإنساني والتمكين المجتمعي. ورغم هذه الجهود، فإن مؤشرات وزارة التخطيط لعام 2016 أشارت إلى وجود أكثر من 350 ألف معوق في الفهم والإدراك، دون تقديم أرقام دقيقة لعدد المصابين بالتوحد.

رغم التحديات، يواصل حامد ماجد جهوده يومياً، حالماً بمستقبل أفضل لحسنين. يضع كل أمله في أن تتغير الظروف لتصبح أكثر دعماً لأسر الأطفال المصابين بطيف التوحد، وهو يدرك أن الأمل والإرادة هما مفتاحا التغلب على أصعب المحن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى