ساحات بيع السيارات المستعملة: ملاذ محدودي الدخل في بغداد

بغداد – سارة القاهر

تتكدس السيارات كل جمعة في حي الرسالة بجانب الكرخ في العاصمة بغداد في ساحة مخصصة للبيع المباشر للسيارات إثر انتعاش سوق السيارات بعد ركود دام عدة أعوام.

منذ تسعينيات القرن الماضي، تم إنشاء ساحتين مخصصتين للبيع المباشر للسيارات الأولى في منطقة الكرخ والثانية في جانب الرصافة. تشهد هاتان الساحتان اكتظاظاً كبيراً أيام الجمع بأنواع مختلفة من السيارات التي يعرضها أصحابها للبيع.

وازداد هذا النشاط بشكل ملحوظ بعد عام 2003 نتيجة الطفرة في استيراد السيارات بكميات كبيرة عبر القطاعين الحكومي والخاص، ما أدى إلى إغراق السوق بموديلات متنوعة. ومع ذلك، تحولت هذه الزيادة إلى عبء ثقيل على المواطنين، خاصة في المدن الكبرى مثل بغداد بسبب الازدحام المروري الخانق.

في ساحة الكرخ يرمق أصحاب السيارات المتجمهرون قرب سياراتهم المتفرجين بنظرات فاحصة تنم عن خبرة، يعرفون من خلالها الراغبين بالشراء. يبدأ المزاد في هذه الساحة يوم الجمعة من الساعة الثالثة ظهراً إلى ما بعد المغيب.

تعرض ساحة الكرخ أنواعاً مختلفة من السيارات بمختلف المناشئ والموديلات وبأسعار تتراوح بين 25 ألف دولار إلى مئتي ألف دولار أو أكثر، حسب ماركة السيارة ونوعها وجودتها وحداثتها.

رغم إيجابيات هذا السوق وتوفر كل أنواع السيارات لمحدودي الدخل، إلا أنها تفتقر إلى المصداقية في البيع. فخلال متابعتنا للسوق وجدنا كثيراً من العيوب في السيارات وخللاً في الأوراق الرسمية

تتم عملية البيع في هذه الساحة بعيداً عن أصحاب المعارض، الذين يتقاضون أرباحاً لتوسطهم في بيع السيارات بمعارضهم، إذ يكفي أن يتفق الطرفان، أي البائع والمشتري، بينهما ويذهبان سوية لمكتب تنظيم العقود بهدف إجراء مكاتبة نقل المركبة من البائع إلى المشتري، على أن يجري تسجيلها لاحقًا في الدوائر المرورية.

ما زاد البيع في هذه الساحة هو “الدولرة” وقرارات الحكومة العراقية بإيقاف التعامل بالدولار وإلزام أهل المعارض بالتعامل بالدينار فقط. هذا الأمر جعل أصحاب السيارات يتوجهون نحو الساحة، حتى يكون السعر واضحاً، لكن في المكاتبة يُكتب السعر بالدينار العراقي.

“أوراقها كاملة؟” هذا السؤال يُطرح على أصحاب السيارات من قبل المشترين، للتأكد من عائدية السيارة لصاحبها. بعد السؤال عن السعر وتفحص السيارة ملياً، يقول المواطن علي سلمان ذياب، 33 عاماً لـ”المنصة”، وهو يتكئ على سيارته “الكيا” التي يروم بيعها “في ساحة البيع المباشر، نتجنب عرض السيارة لدى أصحاب المعارض، إذ يستغرق بيعها زمناً يمتد إلى شهر كامل أحياناً، ويتقاضى صاحب المعرض أجوراً عن كل يوم يخصم المبلغ من صاحب السيارة عند البيع”.

هنا يتم البيع بالتوافق دون تدخل أحد، كما يقول المواطن حسن رحيم، 40 عاماً، من بغداد، متفحصاً طابور السيارات بحثاً عن سيارة مناسبة يقتنيها. ويؤكد لـ”المنصة”: “لا أحد يتدخل هنا أو يلعب دور الوساطة من أجل خفض السعر بالاتفاق مع أحد الأطراف. البيع هنا حر ومباشر، لكن هناك شيء سلبي، وهو تفاوت الأسعار؛ كل شخص يحدد السعر الذي يريده، حتى وإن كانت السيارة لا تستحق هذا السعر. وعند الاعتراض يقول: حلالي وأريد أبيعه بكيفي”.

رحيم يبحث عن سيارة من نوع “النترا”، وقد عثر عليها، لكنه لا يبدو مقتنعاً وما زال يواصل جولته في هذه الساحة المكتظة بحثاً عن ضالته.

يوضح حسين الدراجي، أحد المواطنين الموجودين في مكتب المكاتبة والعقود المرورية أن “البيع المباشر رغم سهولته وسرعته لا يخلو من السلبيات، ومنها مشاكل تحويل الملكية. فعند البيع، يقوم بعضهم بتحديد سعر معين، لكن عند التحويل يختلف السعر أو تكون على السيارة غرامات، ما يجعل البائع لا يقبل بالدفع ويتحمل المشتري دفع الغرامة. وفي حال عدم الاتفاق، قد يخسر المشتري العربون”.

ضرب حسين مثالاً بسيارة اشتراها، لكن تبيّن أن عليها غرامة مليون دينار، ما جعله يتراجع عن الشراء وحدثت مشكلة. وأوضح أن الشراء من معارض السيارات يكون مكفولاً كفالة عامة من قِبَل أصحاب المعارض للمشتري.

عملية استيراد السيارات في العراق تعد من المشكلات المتراكمة التي أثرت بشكل كبير على البيئة والاقتصاد الوطني والبنية التحتية. يقول المحلل الاقتصادي أحمد عبد ربه لـ”المنصة”: “تتجلى هذه المشكلات بتكدس السيارات مع غياب قوانين واضحة لتنظيم استيرادها، وأدى دخول أعداد كبيرة من المركبات إلى البلاد إلى زحام مروري دائم في المدن الكبرى مثل بغداد والبصرة، فضلاً عن استيراد الكثير من السيارات المستعملة التي لا تتوافق مع المعايير الدولية للسلامة، وهذا يؤدي إلى مشاكل بيئية خطيرة نتيجة الانبعاثات العالية من الغازات الضارة”.

ويضيف “لا توجد خطة استراتيجية واضحة لتنظيم استيراد السيارات بما يتناسب مع احتياجات السوق العراقي. كما لا تعتمد عملية الاستيراد على العملات الأجنبية، ما يضغط على احتياطي العراق من الدولار الأمريكي، إضافة إلى هدر موارد كبيرة نتيجة عدم فرض ضرائب ورسوم جمركية كافية على السيارات المستوردة”.

ويؤكد عبدربه على أهمية “وضع قيود على استيراد السيارات، مع فرض معايير صارمة تتعلق بجودة المركبات والعمل جدياً على تفعيل تصنيع السيارات وإنشاء معامل كبرى للتجميع”.

السيارات التي تعرف بطبيعتها الاقتصادية، مثل تيوتا كورولا وكيا ريو ونيسان صني والنترا هونداي وهوندا سيفيك، تعد من أكثر المبيعات، وتتراوح أسعارها وفق كريم كاظم علي، صاحب معرض في ساحة الكرخ، من 15 إلى 20 ألف دولار. ويشير إلى وجود إقبال على هذه السيارات لتوفر أدواتها الاحتياطية ورخص أثمانها نسبياً، أما السيارات الإيرانية والصينية مثل البيجو والسايبا وطيبة، فهي غير مفضلة في السوق بسبب كثرة أعطالها، ولا تتجاوز أسعارها خمسة آلاف دولار.

يقدر معدل بيع السيارات بهذه الساحة بنحو 50 سيارة في يوم الجمعة أو أقل، فيما لا يتجاوز عدد السيارات التي تعرض للبيع في معارض الساحة أقل من 10 سيارات أسبوعياً، لأن الإقبال على ساحة الكرخ يكون في يوم الجمعة فقط.

هناك من يتجول في الساحة لغرض شراء السيارة وبيعها فيما بعد على مواقع التواصل الاجتماعي ليربح حوالي 200 إلى 500 دولار. وعلى الأعم الأغلب، لا ينتظر البياعة شراية بيع السيارة في ساحة الكرخ حتى الأسبوع القادم، بل يقوم بعرضها للبيع على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة “فيسبوك”، ليحصل على ربح سريع.

ورغم إيجابيات هذا السوق وتوفر كل أنواع السيارات لمحدودي الدخل، إلا أنها تفتقر إلى المصداقية في البيع. فخلال متابعتنا للسوق وجدنا كثيراً من العيوب في السيارات وخللاً في الأوراق الرسمية، على اعتبار أن هذه السوق عشوائية ومفتوحة لكل أصحاب السيارات، فلا توجد سيطرة عليهم ولا محددات. لذلك، على المشتري أن يكون على دراية كافية بالسيارات.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى