من فنون الصبر: عراقية كسرت احتكار الرسم على الزجاج
المنصة – مصطفى جمال
في غرفة صغيرة داخل منزلها تنبعث منها أصوات موسيقى هادئة تتمايل يدين ناعمتين لسيدة اربعينية لترسم أجمل لوحاتها، ليس على الورق او القماش، بل على الزجاج فيما تناثرت حولها حقن طبية مليئة بالألوان انها ايناس العاني التي احترفت فن الرسم على الزجاج.
” تعرفت على هذا الفن بصعوبة كبيرة لان طريقته معقدة والمحترفين قليلين جدا في العراق، لكنني احترفت الرسم أولا عندما تخرجت الجامعة قبل ان ادخل الى عالم الرسم على الزجاج الذي اعتبره تحديا صعبا بالنسبة لي” تقول ايناس.
وتضيف “كان والدي أكبر الداعمين لي منذ أن كنت صغيرة وكان يشجعني دائما على الرسم ويقول لي بأنني فنانة بالفطرة وهذا الشيء جعلني مترددة في اختياراتي حتى انني رفضت دخول اكاديمية الفنون الجميلة مرارا ربما لانني شعرت بالغرور آنذاك”
يعد فن الرسم على الزجاج من الفنون القديمة التي تطورت عبر العصور وكان يستخدم لتزيين النوافذ الزجاجية في الكنائس الأوروبية في العصور الوسطى، مجسدا مشاهد دينية وشخصيات من الكتاب المقدس وانتشرت في العالم العربي لاحقا، حيث أُدخل إلى المنطقة العربية عن طريق العثمانيين في القرن التاسع عشر، متأثرًا بالأنماط الأوروبية السائدة آنذاك.
في بداية مشوارها الفني في تسعينات القرن الماضي لم تكن ايناس تعرف كيفية الرسم على الزجاج ولكن لمساتها الفنية ظهرت على لوحات عادية بالوان الاكريليك اما في مرحلة الثانوية فكانت تحوك الملابس وترتديها وتقوم بخياطة التنانير اثناء دراستها الجامعية.
لم تكن رحلة تعلمها للرسم على الزجاج رحلة فردية، فوالدتها وأخيها كانوا مؤازرين لها في طرق البحث، والخروج معها للحصول على معلومة تساعدها، ولم تتوقف عن المحاولة والتجربة، فتكونت لديها خبرة متراكمة بمرور الوقت.
تقول ايناس “كنت ارسم لجيراني واقاربي واصدقائي واستمريت على هذا الحال حتى اتقاني للرسم على الزجاج عام ١٩٩٧ وكنت ابيعها للناس”.
فن الرسم على الزجاج يتمتع بالمرونة بفضل طبيعة الزجاج كأداة فنية، حيث يمكن تلوينه أو نقشه باستخدام تقنيات متعددة مثل الطلاء والحفر ويسمح الزجاج بالتفاعل مع الضوء والظلال، مما يخلق تأثيرات جمالية مميزة إضافة إلى إمكانية العمل على أحجام مختلفة دون تقييد.
لا تختلف ادوات الرسم على الزجاج إلا في نوع الزجاج المستخدم الذي يرسم عليه فهناك أنواع خاصة بالواجهات وزجاج آخر للبنايات والشبابيك والأبواب وغيرها، تبدأ عملية الرسم على الزجاج بتحديد عناصر العمل الفني جميعها ثم حقن مادة على الزجاج وتركها لمدة أربع وعشرين ساعة لتتصلب، وبعدها تبدأ عملية التلوين باستخدام الحقن لملئ الفراغات.
ومن أكثر الصعوبات التي واجهتها ايناس هي التأقلم مع مواد التلوين التي اثرت على صحتها وتقول “أصبح لدي تحسس بقصبات الصدر بسبب رائحة المواد الكيمياوية في الاصباغ التي تكون تركيبتها الأساسية مادة الثنر”.
وتضيف “ليس هنالك عمل يدوي خالي من التعب ومنها الخياطة والحدادة فغالبا ما يصاحب تلك المهن امراضا معينة، ولكني بعد انتشار فايروس كورونا بدأت باستخدم الكمامات التي تحولت لشيء ملازم لي أثناء العمل لمنع استنشاق تلك الروائح الضارة في الاصباغ التي استخدمها للرسم على الزجاج”.
لا تكترث ايناس للهموم كثيرا لكن عندما احترفت الرسم على الزجاج صار همها الأكبر هو نفسها وتقول “كنت ارفض التعامل مع كل شخص يبدي رأي لا يعجبني حيال لوحاتي واعلم ان هذا الامر سلبي واحاول تغييره دائما”.
في بداية الألفية الجديدة كانت ايناس اول من فتحت سبل التعلم امام المهتمين بمجال الرسم على الزجاج وكانت تلك الدورات تحظى باهتمام الناس حيث تنتقل ايناس بين المدن لتعليم الراغبين بتعلم هذا الفن الفريد.
في تسعينات القرن الماضي حينما بدأت ايناس مشوارها الفني لم يكن الانترنت شائعا ولا مواقع النشر، لكن عند ظهور الفيسبوك قامت ايناس بالترويج لأعمالها وتعرفت على فنانين آخرين واناس لديهم اهتمام بالرسم على الزجاج.
تعشق الفنانة الموهوبة الزخرفة الاسلامية، ولكن علقت تسمية البغداديات بها ولازمت اسمها بشكل كبير فتقول “علق تسمية البغداديات بأذهان الناس عند ذكر اسمي لديهم لحبهم للتصميمات البغدادية التي صنعتها مسبقا لكن أنا أحب النقوش الإسلامية بشكل اكبر وافضلها على غيرها من الرسوم”.
تشكو ايناس من سرقة افكارها وتقليدها من بعض الفنانين الآخرين وتقول “اتعب كثيرا وانا احاول استخراج افكار جديده واخاف جدا من أن يتم تقليدها، لكن هذا الامر لن يكون عائقا في وجهي، فحينما أكمل عملا ما يزول تعبي”.
من أبرز الاشياء التي صنعتها خلال مسيرتها في الرسم على الزجاج هي قبتان زجاجيتان مدورتان قطرهما ستة أمتار صممتها ايناس لمضيف الشيخ كاظم الصيرفي في البصرة وتقول “أخبرني أحد زملائي ممن زاروا المضيف اثناء دورة خليجي ٢٥ لكره القدم بان الوافدين من الدول الأخرى عندما يدخلون لمضيف الشيخ يبدون إعجابا كبيرا بتلك القبب”.
كانت ايناس تتمنى ان يكمل أحد ابنائها مسيرتها في هذا النوع من الفن لكن بحكم التطور التكنولوجي أصبح أحد ابنائها يقوم بعمل رسوم واشكال فنية ثلاثية الأبعاد والاخر لدية رغبة بأن يصبح مهندسا معماريا.
أنجزت هذه القصة ضمن سلسلة مقالات بدعم من برنامج قريب، وهو برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)