أمية الحاسوب بين النساء ظاهرة تقلل من حظوظهن في العمل
بغداد – سارة القاهر
تخرجت اية سعدون من كلية الآداب جامعة بغداد منذ اربع سنوات دون ان ان تكون لها ادنى معرفة باستخدام الحاسوب، وحينما بحثت عن فرصة عمل في القطاع الخاص تفاجأت بأن اول شرط يجب ان يكون لدى المتقدم للعمل هو الخبرة الكافية في استخدام الحاسوب.
بحثت الفتاة العشرينية عن فرص اخرى مدة طويلة دون ان تحصل على عمل بشركة مرموقة مثلما كانت تامل، تواصل اية اليوم البحث عن فرصة عمل رغم قبولها العمل كبائعة في أحد محال الألبسة براتب زهيد نتيجة لميتها في استخدام جهاز الحاسوب وبرامجه.
تلقي اية اللوم على الجامعة التي درست فيها لأنها لا تولي اهتماماً لحصص الحاسوب، وتؤكد، ان الجامعة كانت توفر حاسبة واحدة فقط لكل عشرة طلاب وتعتمد على الدروس النظرية وتقول “كنا نجلس على حاسبة واحدة ونترك احدنا يطبق فيما نقف كالمتفرجين عليه”.
سجى الساعدي فتاة لم تتجاوز ربيعها السابع عشر لا تعرف هي الأخرى شيئا عن استخدام الحاسوب وتفضل استخدام الهاتف النقال عليه لا سيما في دراستها وتؤكد سجى ان جهاز الهاتف أسهل لها من الناحية العملية ويلبي حاجاتها فلماذا تتعلم استخدام الكومبيوتر وتقول “انه جهاز ثقيل ومن الصعب ان نأخذه معنا أينما نذهب فيما جهاز الهاتف سهل الحمل”.
تُعرف اليونسكو الأمية الرقمية بأنها عدم القدرة على الوصول والإدارة والفهم والتكامل والتواصل وتقييم وإنشاء المعلومات بشكل آمن ومناسب من خلال استخدام التكنولوجيا والتقنيات الرقمية.
وينطبق هذا التعريف تماما على وضع الفتيات الجامعيات اليوم في العراق وما يثير الاستغراب وجود فتيات يحملن شهادات عليا ويعانين من جهل مطبق من ابسط نظم الحاسوب كالويندوز والوورد، بل ويعتمدن على اقاربهن او مكاتب طباعة لطباعة اطاريحهن.
خديجة حسن شابة أخرى في ربيعها العشرين تدرس في معهد التدريب النفطي في حي القاهرة وسط بغداد دخلت المعهد دون أدني فكرة في استخدام جهاز الحاسوب وتقول “حينما درسنا مادة الحاسوب لكن المدارس لم توليها اهتماما كبيرا وكانوا يعدونها مادة ثانوية بل ان مدرستي الغت المادة لعدم وجود أستاذ يقوم بتدريسها، واليوم وصلت الجامعة لاصطدم بأن اساتذتي يدرسوننا مادة الحاسوب عملي وبمصطلحات انجليزية”.
كانت خديجة تدرس في كلية الصيدلة قبل ان تغير اختصاصها وتدرس في المعهد وتتحدث عن تلك المرحلة بالقول “حتى طالبات الصيدلة كانت امية الحاسوب تنتشر بينهن وعشرون طالبة فقط من اصل اكثر من خمسين درسن معي في الصف كانت لديهن إمكانية مسك جهاز الماوس وتحريكه”.
نور الهيتي (35) عاماً حاصلة على شهادة الماجستير في الاعلام، تعترف بجهلها في استخدام الحاسوب، وتقول انها كانت طيلة فترة الدراسة تكتب بحوثها في مكتبة جوار الجامعة وتستعين بزميلاتها في قضايا استخدام الحاسوب.
سرور حامد (25) عاما تعمل بمجال منظمات المجتمع المدني تعاني هي الاخرى من الامية الرقمية وتحمل المدارس المسؤولية عن هذه الامية، وتلفت سرور الى ان عددا قليلا من المدارس الثانوية تتوفر لديها أجهزة حاسوب، لكنها لا تكفي لجميع الطالبات وحتى الحاسبات الموجودة غير موصولة بالإنترنت بسبب الاعتقاد ان الإنترنت اذا توفر في الحاسوب فان الفتيات يستخدمنه لأغراض أخرى.
ورغم تضمينها في الدروس المقررة، تؤكد سرور ثمة مدارس لا يتم بها تدريس مادة الحاسوب اطلاقاً لأن غالبية المعلمات لا يدخل الحاسوب في إطار اهتماماتهن ولا يعلمن الفتيات كيفية استخدامه، وإهمالهن هذا يشير إلى أنهن يعانين أيضاً من الأمية الرقمية والمعلوماتية نفسها.
ليث الجبوري صاحب مركز لتعليم الحاسبات يقول ان الاقبال على تعلم الحاسبات الدورات التي يقيمها في مركزه لا تلقى رواجا في الوقت الحاضر فهو يستقبل عشرة متدربين شهرياً واحيانا يستقبل نصف العدد ويقول “بعد عام 2003 كان الاقبال على تعلم الحاسوب كبيرا لكن هذا الامر تضاءل شيئا فشيئا بعد انتشار الهاتف النقال مما أدى الى انتشار الامية بين الشباب والفتيات على حد سواء”.
بدوره يعزو المهندس حيدر خضير صاحب شركة لتجهيز الحاسوب تراجع الإقبال على دورات تعليم الحاسوب إلى بعض الاسباب، وأبرزها الهواتف الذكية التي أصبحت تُغني المستخدمين عن جزء من وظائف الحاسوب التقليدية، وبات محرك البحث “وغوغل” يوفر محتوى تعليمياً مختصراً يدفع الكثيرين للاعتماد عليه بدلاً من الاشتراك في دورات الحاسوب التقليدية.
وبسبب تفشي الامية الرقمية بين الشباب عامة والنساء خاصة بادر المجلس الأعلى للشباب، وفي خطوة يراها كثيرون متأخرة الى تأسيس نوادٍ للذكاء الاصطناعي بثلاثة مواقع في بغداد هي الكرخ والرصافة ومدينة الصدر، وإطلاق استراتيجية لمحو الأمية الرقمية بالاشتراك مع هيئة الإعلام والاتصالات.
ويأتي ذلك انسجاما مع الشعار الذي أطلقته الأمم المتحدة في اليوم العالمي للشباب “نحو مسارات رقمية من أجل تنمية مستدامة”، وتتبنى استراتيجية المجلس نشر الخطاب الرقمي ومشاريع الشباب الرقمية بعد ان تم انجاز نوادي الروبوت والذكاء الاصطناعي.
واظهرت بيانات الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط العراقية، أن اثنتين من كل ثماني نساء في العشرينات من العمر أميات أبجدياً وتعليمياً ولا يجدن القراءة والكتابة مقابل ثلاث نساء من فئة الأربعينات.
وحسب بيانات وزارة التخطيط ايضا لا تجيد أي من الفتيات في المرحلة الابتدائية كيفية عمل برنامج محوسب باستخدام إحدى اللغات البرمجية، بينما تجيد فتاة واحدة فقط المعرفة في المرحلة المتوسطة، ويرتفع الرقم إلى 13 فتاة في المرحلة الإعدادية من بين كل 330 فتاة.
أنجزت هذه القصة ضمن سلسلة مقالات بدعم من برنامج قريب، وهو برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)